"العربي الجديد" يوثق رحلة مليئة بالمخاطر لمهاجرين سريين من روسيا نحو أوروبا

08 أكتوبر 2022
مخاطر في طريق الهجرة السرية لأوروبا (Getty)
+ الخط -

مع استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا زادت نسبة الهجرة السرية من روسيا إلى أوروبا مروراً ببيلاروسيا. واستطلع "العربي الجديد" أحوال هؤلاء المهاجرين السريين في العاصمة موسكو قبل انطلاق رحلتهم وخلالها لتوثيق تجربة مليئة بالمخاطر، في ظل ظروف اقتصادية صعبة جعلتهم يخوضون تجربة مماثلة. ونجح البعض في الوصول إلى غايته، فيما عَلق آخرون في بيلاروسيا.  

حسن (اسم مستعار لمواطن مصري) كان قد غادر مصر بسبب عدم توفر فرص العمل وظروف عائلته المعيشية والاقتصادية الصعبة والملاحقات الأمنية من قبل النظام. وقد صل إلى مطار دوموديدوفو الدولي في موسكو في 30 أغسطس/ آب الماضي. يقول: "اتفقت مع مهرّب للذهاب إلى بيلاروسيا، وطلب مني التوجه إلى مدينة سمولينسك الروسية، ومن هناك إلى العاصمة البيلاروسية مينسك. وأخبرني أن كلفة الوصول هي 500 دولار".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وصل حسن إلى مدينة سمولينسك الروسية حيث انتظر سيارة يُفترض أن يرسلها المهرب إليه لأخذه إلى المعبر الروسي البيلاروسي، برفقة ثلاثة مصريين آخرين. 

وقبل الوصول بحوالي كيلومتر واحد، أخذت السيارة طريقاً غير معبّد داخل إحدى المزارع الروسية، حيث تم إنزالهم وكان عليهم السير مسافة 600 متر ثم ركوب سيارة أخرى تحمل أرقاماً بيلاروسية لأخذهم إلى مينسك. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ الجيش الروسي ليس موجوداً على الحدود بين روسيا وبيلاروسيا؛ "لم أر أي نقطة تفتيش. وبعد عبورنا وركوب السيارة البيلاروسية، مررنا على أحد الكمائن للجيش البيلاروسي الذي لم يعترض طريقنا إلى مينسك".

ويوضح حسن أن الشرطة والجيش البيلاروسيين لا يعترضان المهاجرين السريين في العاصمة. في الوقت نفسه، لا يمكن الذهاب إلى أي فندق بسبب عدم توفر التأشيرة البيلاروسية، باستثناء تلك المعروفة بكونها مخصصةً للمهاجرين السريين، وكلفتها عشرة دولارات أميركية.  

وخلال وجود حسن في أحد الفنادق المكتظة بالمهاجرين السريين تواصل "العربي الجديد" مع عدد من المهاجرين من جنسيات مختلفة (مصريون، ويمنيون، وسوريون، وأفغان). يقول اليمني محمد لـ "العربي الجديد": "أنا هنا منذ نحو شهرين. جئت من روسيا بتأشيرة دراسية بعدما تركت اليمن بسبب الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة. حاولت اجتياز الحدود أكثر من مرة، لكن تم إرجاعي من قبل الجيش البيلاروسي مرتين. وفي المرة الثانية، اعتدي عليّ بالضرب داخل المنطقة المحظورة على الحدود البيلاروسية البولندية من قبل الجيش البيلاروسي، وتم إرجاعي إلى مينسك".

ويوضح محمد أنه لم يستطع تكرار المحاولة بسبب الكلفة المادية، مضيفاً: "في كل مرة، أدفع للسائق البيلاروسي 50 دولاراً للذهاب فقط، ويجب أن يكون في السيارة أربعة أشخاص، عدا عن شراء الطعام وتحضير النقود للعودة في حال تم إرجاعنا من قبل الجيش". 

أما السوري باسل فيقول: "قدمت إلى روسيا من مصر. وأوقفت في مطار موسكو وانتظرت في غرفة مغلقة حوالي ثلاث ساعات. بعدها، جاء ضابط روسي وأعطاني جواز السفر مع ختم الدخول. ولدى توجهي إلى بوابة الخروج، قالت لي موظفة الجوازات بصوت مسموع: باي باي بيلاروسيا. في هذه اللحظة، علمت أنهم اكتشفوا أمري، ولكن لم يتم توقيفي واستطعت الدخول بسهولة ومن ثم القدوم إلى مينسك".

بدوره، يقول الأفغاني أرام أخشيد لـ"العربي الجديد": "في المحاولة الثانية لي استطعت الدخول إلى ليتوانيا بمساعدة الجيش البيلاروسي. لكن بعد دخولي بحوالي 17 كيلومتراً داخل الأراضي الليتوانية حرى توقيفي من قبل الجيش والاعتداء عليّ بالضرب المبرح، ثم نُقلت إلى الغابة للعودة إلى بيلاروسيا".

يتابع: "لدى عودتنا، اعتدت الشرطة البيلاروسية علينا بالضرب مع الاستعانة بالكلاب البوليسية، ووضعتنا داخل سيارات زجاجها مغلّف بأكياس سوداء، وطلب منا مرة أخرى الذهاب إلى ليتوانيا. لكننا تمكنا من الفرار والعودة إلى مينسك بعد مغادرة الجيش البيلاروسي". يضيف: "لا أعلم لماذا يفعل البيلاروس ذلك. يخبروننا أن الحدود مفتوحة لمن أراد العبور ثم يعتدون علينا بالضرب".

يضيف أخشيد في حديثه لـ "العربي الجديد": "يعمد الجيش البيلاروسي إلى تفتيشنا أحياناً، فيأخذ طعامنا وأحياناً أموالنا". 

في الرابع من سبتمبر/ أيلول الماضي كان حسن يستعد للتوجه إلى بولندا ثم إلى ألمانيا، وقد اتفق مع أحد المهربين لأخذه من غابات بولندا في مقابل 2000 دولار ليوصله إلى ألمانيا. في اليوم التالي حاولنا التواصل معه من دون نتيجة، ليعاود الاتصال بنا بعد أربعة أيام ويبلغنا أنه عاد إلى مينسك. بعد هذه المحاولة قال: "تركتنا السيارة في غابة في بيلاروسيا، ومشينا لنصل إلى الحدود وحاولنا اجتياز السلك الشائك، لكن سمعنا صوت جهاز الإنذار"، يتابع: "فوجئنا بالجيش البيلاروسي قادماً إلى مكان وجودنا، وجرى اقتيادنا إلى مكان في الغابة وأخذت منا جوازات سفرنا وتم التحقيق معنا، ثم طلبنا منهم العودة إلى مينسك".

ظلّ حسن يحاول العبور، إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل. لكن في الرابع من الشهر الجاري، اتصل بنا ليخبرنا أنه نجح في الوصول إلى برلين بعد معاناة واعتداءات بالضرب من قبل البيلاروس والبولنديين استمرت مدة شهر تقريباً، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته بعيداً عن وطن يعاني ظروفاً اقتصادية صعبة وملاحقات أمنية.

المساهمون