تقول عائشة محمد (25 عاماً) من حيّ علاية بمدينة القامشلي، شمال شرقي سورية، التي تعمل في مهنة تحميل وتفريغ المواد الغذائية لـ"العربي الجديد" إنّها تقطع مسافة طويلة مشياً لعدم توفر وسائل النقل، كي تصل إلى مكان عملها، فضلاً عن تعب إضافي يمثله الدوام الليلي غالباً. وعدا عن صعوبات العمل، تشير إلى أنّها تتعرض للتحرش اللفظي والجسدي. وتشير إلى أنّها مجبرة على تحمّل كلّ ذلك لأنّ العمل يوفر لها النفقات المعيشية الضرورية، ولم تجد ما هو مناسب لها، كما لن تمدّ يدها للآخرين، أو تجبر على التسول لسدّ حاجتها.
العمل في العتالة ونقل المواد الغذائية، يجبر النساء على حمل أوزان ثقيلة ما يضرّ بصحتهن خصوصاً إذا لم يكنّ معتادات على ذلك، إذ يضطررن لحمل أكياس الأرز والسكر التي يبلغ وزن كلّ واحد منها 50 كيلوغراماً، ونقل صفائح الزيت وأكياس الطحين، ما يتسبب لهنّ بآلام في الظهر أو انزلاق في غضروف العمود الفقري.
شمس، واحدة من النساء اللواتي يمارسن هذا العمل، وهي من حي طيّ في القامشلي، توضح لـ"العربي الجديد" أنّ الصعوبات التي تواجهها هي الأوزان الثقيلة لبعض الحمولات، فضلاً عن الظروف الجوية في الوقت الحالي، فهنّ غير قادرات على تجنب الأحوال الجوية السيئة، كما تعاني من تدني أجرها، فالنساء أجورهن أقلّ بكثير من أجور الرجال، ولا حقوق لهنّ، فليس لهن نقابة تطالب بها ولا يقدم العمل أيّ ضمان صحي، أو حتى ما يكفل عدم الاحتيال عليهن، كما أنّ الجهد الكبير نفسه قد يؤثر على صحتهنّ الجسدية في المستقبل، كما تقول. تضيف شمس: "كنت أشعر بالخجل والضيق من هذا العمل في البداية، لكن لم يكن لديّ خيار بعد فقدان زوجي. التسول ليس خياراً ولم أجد عملاً آخر، الأجر قليل لكنّه يكفي لشراء الخبز والغذاء. كلّ ما أرجوه في الوقت الحالي أن أحصل على عمل أفضل... عمل يتقبله المجتمع باعتباره عملاً مخصصاً للنساء".
من جهتها، وعدت "لجنة اتحاد الكادحين" (غير رسمية) بتحسين ظروف العاملين في مجال العتالة عموماً وتنظيم عملهم في السوق خلال العام الماضي، من دون أي تغيير على أرض الواقع على مستوى تحسين الأجور أو تنظيم العمل وتحسين ظروف العاملات خصوصاً في هذا المجال. والعمل في العتالة لا يلتزم بدوام محدد، وليست فيه أيّ تعويضات أو حوافز، ومن جهة النساء يتعرضن فيه لعمليات استغلال.
نرجس عثمان، بحثت طوال عام عن عمل تستطيع من خلاله توفير دخل لها ولأفراد عائلتها، لكنّ الظروف لم تسمح لها بذلك. وبالصدفة اقترحت عليها إحدى الجارات العمل في ورشة لتحميل وتفريغ البضائع في مستودعات المواد الغذائية. تقول عثمان لـ"العربي الجديد": "في البداية كان العمل شاقاً كما من الصعب تقبله. كانت مغامرة، لكن بمرور الأيام اعتدت العمل، واعتدت رفقة زميلاتي فيه، فبتّ أعتبره عملاً حراً، ولم أعد أخجل به، لكن في الحقيقة لا أنوي الاستمرار بهذا العمل، كوني أحمل شهادة معهد تقني متوسط (المرحلة التي تسبق شهادة الثانوية الفنية)، وأحاول الحصول على عمل في اختصاص يناسبني كامرأة".
تتابع عثمان: "كما كلّ النساء اللواتي ليس لهنّ معيل أو مصدر دخل، أرجو الحصول على عمل مناسب لي، كما أرجو أن تكون هناك نقابات تنظم عمل النساء وتوفر لهنّ فرص عمل يتمكنّ من خلالها من إعالة أسرهن. العمل في العتالة متعب ويتطلب جهداً كبيراً، وغالباً ما يكون الدوام ليلياً فيستمر إلى وقت متأخر. العاملات في العتالة يصارعن للحصول على لقمة العيش، وهذا الشيء الوحيد الذي يبعث فيهن الصبر لتحمّل هذا العمل، وأنا مثلهنّ".
يقول مصدر من مدينة القامشلي لـ"العربي الجديد" إنّ أصحاب المستودعات والمحال التجارية يفضلون عمل النساء والفتيات على عمل الرجال، وذلك لسبب رئيسي هو الأجر المنخفض لهنّ مقارنة بالأجر الذي يتقاضاه الرجل، مع فارق كبير بينهما، فضلاً عن قبول النساء بالشروط التي يمليها أصحاب العمل، علماً أنّ أغلب الفتيات هنّ من الريف الجنوبي للقامشلي، من ناحية تل حميس، وبعض الأحياء الفقيرة في المدينة. يضيف المصدر أنّ الظروف المعيشية الصعبة للنسوة والفتيات أجبرتهنّ على العمل، بعدما هربن من تنظيم "داعش" وفقدن المعيل، وغالباً ما يشكلن ورشة عمل لهن برئاسة واحدة منهن أو برئاسة رجل يتفاوض مع التاجر على الأجر وكمية العمل وساعات العمل المطلوبة. ويذكر أنّ هناك لجنة للعتالة في الحسكة لكنّها لا تتعدى عن كونها لجنة صورية فقط ولا يعلم كثير من العاملين بهذا المجال ومنهم النساء عن وجودها وماهية الخدمات التي تقدمها.
من جهته، يشير صندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى أنّ "النساء والفتيات السوريات نادراً ما يشعرن بالأمان بسبب خطر العنف. وهنّ بحاجة ماسة إلى خدمات الوقاية، بالإضافة إلى خدمات متسقة وذات جودة للناجيات".