مانويل فالس يحُطّ الرحال في برشلونة... هل تنقذه من عزلته؟

26 سبتمبر 2018
أحرق مانويل فالس مراكبه الفرنسية (Getty)
+ الخط -

وأخيراً عاد مانويل فالس، السياسي الاشتراكي الفرنسي، ورئيس الحكومة الأسبق، والنائب البرلماني الحالي، إلى مسقط رأسه برشلونة، طامعاً في أن يصبح رئيساً لبلديتها: "أريد أن أصبح العمدة القادم لمدينة برشلونة".

ولا أحد يعترض على هذه الرغبة، ولا قانونيتها، فمانويل فالس ولد فيها قبل 56 سنة، كما أن القوانين الأوروبية لا تعترض على هذه التنقلات. ولكن كيف يمكن لسياسي فرنسي من عيار مانويل فالس، شغل مناصب مهمة في حكومات فرنسية، لعل من أهمها وزارة الداخلية ثم رئاسة الحكومة، أن يقرر، فجأة، وهو نائب برلماني، مغادرة بلد احتضنه ومنحه الجنسية قبل 36 سنة؟

يجب البحث في مسار مانويل فالس الطويل لمعرفة الأسباب، التي تجعل من هذه الهجرة/المنفى، شيئاً عادياً ومنتظَراً، أي قراراً لا مفرّ منه.

ولد مانويل فالس كارلوس غالفيتي، في 13 أغسطس/آب 1962، في حي هورتا في برشلونة، في جوّ أرستقراطي. إذ إن والده كزافيي فالس، فنان ورسام كاتالوني، وأمه، لويزانجيلا غالفيتي، أخت المهندس المعماري أوريليو غالفيتي، من أصول سويسرية.

وقد أسّس جدّه من والده، ماجي فالس، مصرف "بنك بونس إي فالس"، كما أن قريباً لوالده، وهو مانويل فالس إي غورينا، هو من ضع لحن نشيد فريق برشلونة الأسطوري لكرة القدم.

ولن يكون على فالس أن يصطحب زوجته الإسرائيلية، آن غرافوان، التي قال عنها في لحظة انفعالية: "أقول، وأتحمل ما أقوله، أنا مرتبط بصفة أبدية بإسرائيل"، بعد أن قال من قبل: "عن طريق زوجتي، أصبحت مرتبطا بصفة أبدية بالجالية اليهودية وبإسرائيل"، فقد استبدلها، بعد 12 سنة من حياة زوجية، بأرستقراطية كتالونية، سوزانا غاياردو، وهي ليست نكرة، إذ تعتبر "وجها من وجوه البورجوازية الكتالونية الكبرى"، إذ هي الوريثة للمختبرات الصيدلانية "ألميرال"، كما أنها امرأة أعمال رهيبة، إضافة إلى كونها راعية وعضو المجلس الإداري للجامعة الوطنية في كتالونيا.  



معارضة شديدة لانفصال كتالونيا

يبدو مانويل فالس وحيداً وهو يعلن ترشحه لقيادة بلدية برشلونة، إذا استثني دعم زوجته اللامشروط. ولكنّ الدعم السياسي ضروريّ، خصوصاً في هذه المنطقة، التي لا يُخفي نصف سكانها، على الأقل، نواياهم في الاستقلال عن مدريد، وحيث يجهر مانويل فالس، منذ مدة، بمعارضته الشديدة لكل نزوع انفصالي عن إسبانيا، ودعمه لكل ردود فعل مدريد الزجرية.

ومثلما فعل غير ما مرة في فرنسا، حين كان يطالب بوضع حدّ للتمييز التلقائي بين اليمين واليسار في كثير من القضايا، يقترح الشيء نفسه، في برشلونة.

وقد فعلها في فرنسا في ما يخص الهجرة والأمن، حينما كان وزيرا للداخلية ثم رئيسا للحكومة وأيضا قبل هذه الفترة، وهو ما جرّ عليه في حينه، سخرية اليمين واليمين المتطرف، بل إن الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي لم يُخف رغبته في ضمه إلى حكومته، في حين أن حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، اقترح عليه اللحاق بالحزب وسحب بطاقته. فهو يأمل تجاوز الانشطار بين اليمين واليسار، في هذه الحملة الانتخابية التي بدأها قبل يوم.

ولا يخفي حزب ليبرالي إسباني "كويدادانوس"، الذي يمثل ثالث قوة في المجلس البلدي للمدينة، دعمه فالس. إضافة إلى أن فالس يستطيع الاستفادة من نصائح المدير السابق لفريق كرة القدم في الاتصال، إضافة إلى الذراع الأيمن السابق للعمدة الاشتراكي الأسبق للمدينة.

ولهذا السبب سيكون فالس على رأس قائمة الانفتاح، والتي سيكون حزب كويدادانوس، عمودَها الفقري. إذ لم يفلح بعدُ، (وهو لمّا يفقد الأمل)، في جرّ حزبين إسبانيين آخرَين، معاديين لانفصال كتالونيا، وهما الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي إلى لائحته الائتلافية.

وفي كلّ الأحوال سيجد فالس نفسَه في مواجهة كل أنصار استقلال كتالونيا، من اليمين ومن اليسار، وأيضاً حزب بوديموس، اليساري، وكثير من أعضاء الحزب الاشتراكي الإسباني، الذين لا تغريهم فكرة إلغاء الحدود بين اليسار واليمين بين عشية وضحاها. ولا حتى أعضاء الحزب الشعبي الغاضبين من دور حزب كويدادانوس في إسقاط الحكومة اليمينية في مدريد.   

أحرق مانويل فالس مراكبه الفرنسية، وقرر الاستقالة من منصبه نائبا برلمانيا، وقد تميّز في هذا المنصب بغياباته الكثيرة، التي تحدث عنها الإعلام الفرنسي بشكل واسع، دفعت السياسيةَ فريدة العمراني لإطلاق حملة توقيعات من أجل فرض استقالته.

وحتى في هذا القرار، قرار الاستقالة، لم يكن إيمانويل فالس وفيّاً حتى لمساعده البرلماني، الذي لن يخلفه، بسبب الاستقالة، وهو ما سيفرض تنظيم انتخابات جديدة في غضون ثلاثة أشهر، تملك خصم فالس اللدود، فريدة العمراني، حظوظاً للحلول محله.



"خيانات" عديدة

وقد علّقت فريدة العمراني، من حركة "فرنسا غير الخاضعة"، والتي شككت في فوز فالس في الانتخابات البرلمانية السابقة، فالتجأت للمجلس الدستوري، الذي خيّب أملها، على استقالة فالس بالقول: "إنه خان الأمّة"، وأضافت: "حين أسمعه هذا المساء يقول: "أحب برشلونة"، أنا أستدير ناحية سكان هذه المنطقة وأشعر بحزن حقيقي وبخيبة من أجلهم"، قبل أن ترى في قراره الترشح في برشلونة:"احتقارا... بفضل فرنسا استطاع العيش في السياسة حتى الآن. لقد خان بلده، والآن، يخون وطنه، بكل بساطة".

والحقيقة أن هذه الخيانة التي تتحدّث عنها فريدة العمراني، والتي بالكاد تخفي خصومة سياسية وشخصية مع فالس، تخفي سلسلة لا تنتهي من خيانات الرجل، ولن يكفي المجال لسردها، جميعا.

ولعل الخيانة الأولى تعود إلى تراجعه عن كل المواقف السابقة له تجاه فلسطين والقضية الفلسطينية (توأمة مدينة إيفري، التي كان فالس عمدتها ونائبها البرلماني، مع مدينة خان يونس في 26 مايو/أيار 2006، بحضور السيدة هند خوري، المفوضة العامة لفلسطين في فرنسا)، وتحوله إلى النقيض، أي التعلق الأبدي بإسرائيل واتهام كل انتقاد لإسرائيل بمعاداة السامية وتضييق الخناق على أعضاء "بي. دي. إس".

ثم توالت الخيانات. ومنها خيانته لرئيس الجمهورية الأسبق فرانسوا هولاند، وإعلانه الترشح لرئاسة الجمهورية. ثم خيانته لمرشح الحزب الاشتراكي، بونوا هامون، وارتماؤه في حضن ماكرون. ثم خيانته لحزبه الاشتراكي عبر تصريحات نارية تتحدث عن احتضار هذا الحزب العتيق. 

ورغم الدعم الثمين الذي قدّمه له الرئيس ماكرون لتأمين مقعده الانتخابي، إلا أنه رفض منحه أي منصب في البرلمان وخارجه، خوفاً من خيانات أخرى قادمة، كما رأى أكثر من محلل سياسي.

وأخيرا لم يجد مانويل فالس، الرجل الذي لا يستطيع أن يظلّ وفيّا فترة طويلة، من مخرج سوى العودة إلى مسقط رأسه، هناك حيث لا يزال وفاؤه لنادي برشلونة. فهل يكفي هذا الوفاء الفريد لارتقاء مانويل فالس بلدية برشلونة، علماً أن انتخابات مايو/أيار القادمة تُجرى في دورة واحدة؟