اضطرابات ميزوري: عسكرة الشرطة ونار تحت رماد العنصرية

19 اغسطس 2014
احتجاجات فيرجسون (جو رادلي/Getty)
+ الخط -
سلّطت الأحداث الأخيرة، في مدينة فيرجسون في ولاية ميزوري الأميركية، الضوء مجدداً على التوترات "العرقية" بين الأميركيين من أصول إفريقية وبين البيض في الولايات المتحدة.

وتركت أعمال الشغب والنّهب التي قام بها سكان من ذوي البشرة الداكنة، وأظهرتها كاميرات التلفزة، وتعامل قوات الشرطة بعنف مع المتظاهرين، الرأي العام الأميركي في ذهول، خصوصاً غالبية أصحاب العرق "الأبيض"، الذين يعيشون أوضاعاً اقتصادية أفضل من تلك التي يعيشها نظراؤهم أصحاب العرق الأسود، ولا يدركون معنى وتبعات حياة "الغيتوهات" أو إرثها. وكان البعض ظن أن انتخاب أول رئيس أميركي أسود، باراك أوباما، عام 2009، سيكون نهاية رمزية، إن لم تكن فعلية، لإرث العبودية وسياسات الفصل العنصري في الولايات المتحدة.

وفي 9 من شهرأغسطس/آب، أطلق شرطي أبيض يدعى دارين ويلسون، ست طلقات على الشاب الأميركي الأسود، مايكل براون، البالغ من العمر 18 عشر عاماً، وأرداه قتيلاً بعدما اخترقت واحدة منها رأسه. ولم يكن براون، الذي كان من المفترض أن يلتحق بإحدى الكليات للدراسة بعد أسابيع، مسلحاً.

وعقب هذه الحادثة لم تتمكن الشرطة من السيطرة على الاحتجاجات أو تهدئتها، على الرغم من فرضها منع التجول لليلة الثانية على التوالي.

وسلّطت الأحداث الأخيرة الضوء مجدداً على حال ضاحية فرجسون بسانت لويس والبالغ عدد سكانها أكثر من 21 ألف نسمة، والذي يشبه الكثير من أحوال الأحياء والمدن التي يقطنها السود، بما تعيشه من عزلة وترد في أوضاعها الاقتصادية، فضلاً عن أن غالبية قيادات الشرطة والبلدية هم من البيض.

لكن الإشكالية الكبرى التي يواجهها المجتمع الأميركي والتي تجلّت بوضوح في تعامل قوات الشرطة مع المتظاهرين، وخصوصاً في المناطق الفقيرة، والتي غالباً ما تقطنها الأقليات من السود وذوي الأصول اللاتينية (المهاجرون الناطقون بالإسبانية والآتون من أميركا الوسطى والجنوبية) هي عسكرة الشّرطة.

ويشير تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" صدر أخيراً في هذا الشأن، إلى أن قوات الشّرطة، التي قمعت المتظاهرين، "ارتدت زيّاً عسكريّاً وصوبت سلاح الـ"إم 16" الى مواطني الدولة، ما شكّل صدمة للرأي العام، وصعد من الوضع المتوتر أصلاً ".

كما يعرض التقرير في هذا الصدد، عتاد الجيش الأميركي منذ عام 1997، وبناء على برنامج معروف تحت اسم (1033) أُقرّ من الكونجرس، زُودت قوات الشرطة المحلية في جميع أنحاء الولايات المتحدة بموجبه بأسلحة قتالية تصل قيمتها إلى أكثر من 4 بلايين دولار.

يضاف إلى ذلك برنامج مكافحة الإرهاب الخاص "بالأمن القومي الداخلي"، الذي رصد له أكثر من 34 بليون دولار، للأسلحة العسكرية المقدمة للشرطة، ومن ضمنها طيارات استطلاع من دون طيار ودبابات مصفحة. وأحد الأسباب وراء هذه الخطة هو الإيفاء بالعقود مع الشركات الأميركية المصنعة للأسلحة العسكرية.

ويفيد التقرير إلى أن الشرطة مضطرة، بحسب القانون، إلى استخدام هذه الأسلحة خلال سنة من تلقيها، ما يضطرها إلى استخدامها في عمليات بوليسية روتينية كمطاردات بائعي المخدرات وغيرها من وظائف الشرطة الاعتيادية، التي يفترض أن يكفيها التسليح العادي لقوات الشرطة.

مشكلة عسكرة الشرطة الأميركية ليست العامل الوحيد، وراء تأزم الأوضاع داخل الولايات المتحدة، فهنالك الفروقات الطبقية والعرقية، المتجذرة عميقاً في تاريخ تلك البلاد.

وتظهر تبعات هذه الفروقات وتراكماتها بحدة أكثر في الاحتجاجات وأعمال شغب، حيث تكون ردة فعل الشرطة عنصرية وعنيفة مع الأقليات.

هذا وتظهر دراسة، قامت بها جامعة "براون" وصدرت عام 2010، أن الفصل بين الغالبية البيضاء (67 في المائة من السكان بحسب إحصائيات الدراسة) والأقليات الأخرى، وخاصة السود (10 في المائة من السكان) لا يزال قائماً على أرض الواقع.

ويتعدى هذا الفصل السكن في أحياء ذات غالبية من العرق نفسه ليشمل ويعكس فروقاً أخرى. فالأحياء أو المدن التي يقطنها السود تعاني، ولأسباب تاريخية تعود الى قوانين الفصل العرقي العنصري التي منعت السود، من الدخول والسكن في مناطق معينة في الولايات المتحدة حتى عام 1948، كما تعاني من وضع اقتصادي متردٍ ينعكس على الخدمات الاجتماعية المقدمة ومستوى التعليم ونسبة البطالة والجريمة.

وفي محاولة تقليص الهُوة في المستوى الاقتصادي والتعليمي تم تشريع قوانين واستحداث الكثير من البرامج والمبادرات استجابة لـ"لحركة الحقوق المدنية" في الستينيات. غير أن هذه البرامج لم تمكن إلا فئة بسيطة من الوصول إلى مراتب ومناصب عليا في الدولة، أو تحسين معدل الدخل والذي لا يزال متدنياً مقارنة بالغالبية البيضاء.

وبالإضافة إلى التحدّيات علـى مستوى القوانين والتعليم والوضع الاقتصادي، فإن العنصرية باتت سمة يومية تمارس تجاه الأقليّات في المجتمع، وخصوصاً في أسلوب تعامل الشرطة. فمن عمليات التفتيش "العشوائي" بحجة البحث عن المخدرات والأسلحة غير المرخصة والتي تستهدف بشرة معينة إلى العنف المفرط والمميت.

والعنصرية في الولايات المتحدة ليست مصوبة تجاه السود فقط بل أيضاً تجاه الأقليات، وكانت فضيحة تجسس شرطة نيويورك على شرائح واسعة من المسلمين ولسنوات طويلة، قد أثارت جدلاً واسعاً. هذه الممارسات أضحت لا تشجع الأقليات على أن تثق في الشرطة وفي حياديتها المفترضة.

خلاصة القول إن حادث قتل الشاب مايكل براون ليس الأول من نوعه، على ما يبدو، ولن يكون الأخير. كما أن ردود الفعل الغاضبة مفهومة إذا أخذنا بعين الاعتبار سجل الجرائم التي ترتكبها الشرطة ضدّ السود خصوصاً، والأقليات عامة.

المساهمون