العلاقات الروسية ـ الأوروبية إلى انهيار

03 فبراير 2015
وضعت الأزمة الأوكرانية روسيا في مأزق (سيرغي بوبوك/فرانس برس)
+ الخط -
لم يعمّر "الحلم الأوروبي" طويلاً في روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، إذ سرعان ما تبيّن أن رهانات النخب الروسية على التكامل مع أوروبا هي رهانات خاسرة، كون الغرب، بنظرها، يريد فتح ذراعيه لروسيا "المنزوعة القوة والطموحات". وساعد الغرب الأطلسي، في تبيان روسيا "البوتينية"، أفق نطاقها الجيوسياسي وطبيعة خياراتها المستقبلية. وحفّزها على عدم إضاعة مزيد من الوقت على علاقات، تريدها روسيا ندية ومتكافئة، فيما تريدها الولايات المتحدة، تبعية أو وظيفية في أحسن الأحوال، على الرغم من إدراك صعوبة تحويل روسيا إلى مثل هكذا دولة.

بالتالي، لم تفاجئ القطيعة الغربية مع موسكو، التي أعقبت ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، النخب الروسية. حتى أن الوضع تخطى مبدأ "العقوبات الاقتصادية"، وصولاً إلى درجة المساس بدفع روسيا خطوات إلى الوراء بعيداً عن المنظومة الأوروبية، عبر عزلها في المؤسسات الأوروبية ذات الشأن، ومنها "مجلس أوروبا" وحرمانها من حق التصويت.

بدأت علاقة روسيا بمنظمة "مجلس أوروبا"، في 14 يناير/كانون الثاني 1992، حينها تم منح البرلمان الروسي وضع "الضيف الخاص" في الجمعية البرلمانية للمجلس. وفي 7 مايو/أيار من العام نفسه، تقدمت روسيا بطلب الانضمام إلى المجلس، الأمر الذي تمّ في 28 فبراير/شباط 1996، قبل أن تُصادق موسكو في 30 مارس/آذار 1998، على "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية".

وشهدت العلاقة بين روسيا و"مجلس أوروبا"، أزمتين. ارتبطت الأولى بحرب الشيشان، إذا تم نزع صلاحيات الوفد الروسي في المجلس عام 2000، بينما كانت المرة الثانية، في ربيع العام الماضي، بعد ضمّ القرم واتهام موسكو بدعم الانفصاليين الأوكرانيين. ففي أبريل/نيسان الماضي، تمّ سحب الصلاحيات من الوفد الروسي في الجمعية البرلمانية لـ "مجلس أوروبا"، وحرمانه من حقّ التصويت والمشاركة في بعثات المراقبة والهياكل الإدارية في المنظمة.

لم يتأخر الردّ الروسي، فسرعان ما اتخذت موسكو قراراً بتعليق عملها في المجلس لمدة عام، وسحبت جميع مقترحاتها السابقة للعمل المشترك معها. وفي السياق، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن رئيس الوفد الروسي في الجمعية، أليكسي بوشكوف، تعليقه على قرار حرمان روسيا من حق التصويت، قوله "إننا نغادر الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا حتى نهاية العام".

كما نقلت قناة "آر تي" عن عضو الوفد الروسي في الجمعية البرلمانية للمجلس، السيناتور أليكسي ألكساندروف، قوله إن "البرلمانيين في مجلس أوروبا، صاغوا في قرارهم عدداً من المتطلبات العبثية، من حيث المبدأ وغير القابلة للتطبيق، كالحديث عن إعادة القرم إلى أوكرانيا وسحب القوات الروسية منه".

وأضاف أنه "بهذا، تكون الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا قد خانت نفسها وقيمها الديمقراطية. وقد كشفت المنظمة الأكثر ديمقراطية في أوروبا، أن إعلانها عن حرية التعبير وتعدد الآراء لا يساوي شيئاً. ففي الوقت الذي تدعونا فيه للحوار، تحرمنا من حق التصويت".

كما نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن رئيسة مجلس الفيدرالية الروسية، فالينتينا ماتفيينكو، قولها إن "الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، اختارت طريق دعم استمرار نزيف الدم في أوكرانيا، والوقوف في وجه تسوية سياسية للنزاع. ولذلك، فإن التعاون مع هذه المنظمة، وعلى أساس تمييزي، كما تبين سياساتها الحالية، أمر غير مجد وغير مقبول بالنسبة لنا".

وفي السياق ذاته، نقلت قناة "تي في تسي" عن رئيس مجلس الدوما، سيرغي ناريشكين، تأكيده أنّ "الوفد الروسي في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، لن يتمتع بكامل الحقوق، تحديداً حق التصويت، لذلك يفقد عملنا في هذه المنظمة معناه. وبالتالي، فإننا نعلّق عمل وفدنا في جميع هيئاتها الرسمية لمدة عام كامل، ومع انقضاء هذا العام يمكن أن تبحث روسيا في مسألة البقاء في عضوية مجلس أوروبا عموماً من عدمه".

وكان بوشكوف، قد كشف خلال برنامج "فيستي" الإخباري على القناة التلفزيونية الرسمية، أنه "من الممكن أن تنظر روسيا في قرار الخروج من مجلس أوروبا، أي الخروج من جميع منظمات مجلس أوروبا: مجلس الشؤون الخارجية والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان".

كما نقلت وكالة "إنترفاكس" عن وزير العدل الروسي، ألكسندر كونوفوالوف، تأكيده أنّ "الانسحاب من مجلس أوروبا يعني، بطبيعة الحال، إنهاء صلاحية المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان". وذلك ما أكده أيضا نائبه غيورغي ماتيوشكين، على القناة إياها معتبراً أنه "إذا خرجت روسيا من مجلس أوروبا، فهي تلقائياً تنهي العمل بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، كما تنهي صلاحية المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وهناك عملية عكسية أيضاً، فإذا قامت الدولة بالانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وأنهت صلاحية المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فذلك يعني عملياً أنها تخرج من مجلس أوروبا".

ويشار هنا إلى أنّ روسيا كانت قد تعهدت بجملة التزامات حين انضمامها إلى "مجلس أوروبا"، ومن بينها "حق المجلس في مراقبة التزامها بتعهداتها" وهو يقوم بذلك، الأمر الذي لن يتمكن من فعله مع انسحاب روسيا من المنظمة.

ولفت إيغور ليبيديف، نائب رئيس الدوما الروسية، عن الحزب "الليبرالي الديمقراطي" اليميني الذي يتزعمه فلاديمير جيرنيوفسكي، وسبق أن كان عضواً في الوفد الروسي بـ"مجلس أوروبا"، أن "إلغاء عقوبة الإعدام، كان أحد شروط قبول روسيا في عضوية مجلس أوروبا سنة 1996، وكما يتذكر الجميع فإن روسيا ألغت هذه العقوبة". وبالتالي، فإذا ما اتُخذ قرار بالانسحاب من المجلس فروسيا ستمتلك حرية اتخاذ القرار المناسب بشأن عقوبة الإعدام، ولن تكون مضطرة للإيفاء بالتزامات أخرى أخذتها على نفسها حين انضمامها للمجلس، فضلاً عن الانسحاب من الاتفاقية الأوروبية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
المساهمون