لماذا يصر السيسي على "الطوارئ" رغم تراجع الخطر الأمني؟

01 يوليو 2018
تتيح حالة الطوارئ إجراءات استثنائية لمواجهة معارضي النظام(إسلام صفوت/Getty)
+ الخط -

وافق مجلس النواب المصري، قبل أيام، على قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بفرض حالة الطوارئ للمرة السادسة على التوالي، والتي من المقرر أن تبدأ منتصف الشهر الحالي، ولمدة ثلاثة أشهر، وذلك على الرغم من المخالفة الواضحة للدستور والتحايل على نصوصه في ما يتعلق بفرض حالة الطوارئ، والتي لا يجوز فرضها إلا لمدة لا تتجاوز الستة أشهر، بحسب أساتذة قانون دستوري.

ويحاول النظام الحالي التحايل على الدستور، من خلال تصدير مسألة أنه كل ستة أشهر يصدر الرئيس المصري قراراً جديداً بفرض حالة الطوارئ دون تمديد الحالة لأكثر من المدة المحددة في الدستور. لكن فرض حالة الطوارئ للمرة السادسة، بغض النظر عن التحايل على نصوص الدستور، يأتي في وقت تراجعت فيه العمليات المسلحة في مصر بدرجة كبيرة خلال الأشهر القليلة الماضية، ما يطرح سؤالاً أساسياً حول الجدوى من فرض حالة الطوارئ مجدداً؟

ولم تشهد محافظات الوادي والدلتا خلال الأشهر القليلة الماضية، سوى عملية واحدة، قبل يومين من الانتخابات الرئاسية الماضية، باستهداف موكب مدير أمن الإسكندرية، والتي أسفرت عن مقتل شرطيين وإصابة 5 آخرين. ويخوض الجيش المصري عمليات عسكرية في إطار "العملية الشاملة سيناء 2018"، والتي تتعلق بمواجهة الجماعات المسلحة، وتحديداً في سيناء، التي تراجعت فيها العمليات المسلحة ضد قوات الجيش والشرطة بشكل ملحوظ عن فترات سابقة، كان ينشط فيها عناصر تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش". وتتجه المؤشرات إلى تراجع العمليات المسلحة في مصر خلال الأشهر الماضية، وخصوصاً أن وسائل إعلام موالية للنظام أخذت على عاتقها الترويج لمسألة القضاء على الجماعات الإرهابية المسلحة خارج سيناء، واقتراب العمليات في محافظة شمال سيناء من الانتهاء بالقضاء على العناصر الإرهابية هناك. وطالما أن العمليات المسلحة تراجعت، سواء في سيناء أو خارجها، يطرح سؤال هل ستكون المرة السادسة لفرض حالة الطوارئ الأخيرة أم لا؟




مصادر قريبة من دوائر اتخاذ القرار استبعدت إنهاء فرض حالة الطوارئ بعد المرة السادسة، التي وافق عليها مجلس النواب، قبل أيام، متوقعة استمرارها لفترة ليست بالقصيرة. وقالت المصادر، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إنه بخلاف أن الأوضاع الأمنية في ما يتعلق بمواجهة الجماعات المسلحة ليست مستقرة تماماً كما يصور الإعلام المحلي، فإن ثمة تحديات أخرى يرغب النظام الحالي في مواجهتها مع فرض حالة الطوارئ. وأضافت أنه يمكن تحديد أربعة أسباب رئيسية لاستمرار حالة الطوارئ، على رأسها الاضطرابات المجتمعية التي قد تظهر خلال الفترة المقبلة، في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار جراء إتباع إجراءات النظام الحالي للإصلاح الاقتصادي، وبالتالي يرى السيسي والأجهزة الأمنية ضرورة استمرار حالة الطوارئ.

وتابعت أن السبب الثاني هو "صفقة القرن"، إذ إن مشاركة مصر في هذه الصفقة، والموافقة على بعض بنودها التي تتعلق بتقديم تنازلات على حساب سيناء، وفقاً لما يتداول، من خلال تسهيل الأوضاع المعيشية في قطاع غزة واستغلال أراضي سيناء في ذلك، وما قد يترتب عليه من رفض شعبي واسع، يستدعي مواجهته بالقوة. وأشارت إلى أن السبب الثالث هو إتاحة حالة الطوارئ إجراءات استثنائية لمواجهة معارضي النظام، وعودة عمل نيابات أمن الدولة، والتي تكون لها توجهات سياسية في الأساس، ويسهل توجيه اتهامات لمعارضين من دون أدلة واضحة بدرجة أكثر سهولة من النيابات العادية. وشددت المصادر على أن الأوضاع في مصر مرشحة ليس للانفجار، ولكن لاضطرابات واسعة في أي لحظة، وخصوصاً أن الأوضاع الاقتصادية لها آثار سلبية وموجعة على قطاعات كبيرة من الشارع المصري، ولا يرغب النظام الحالي في أي إثارة للشارع، خوفاً من انتفاضات واسعة. أما السبب الرابع، فهو إقدام النظام الحالي على إدخال تعديلات على الدستور، يرجح أن تكون واسعة ولا تتعلق بمد فترة ولاية السيسي لست سنوات بدلاً من أربع، ولكن ربما بقاء السيسي في الحكم لمدد مفتوحة، وهو أمر يتوقع أن يحدث ضجة داخلية واسعة، قد تترتب عليه احتجاجات تتطلب مواجهتها.

من جانبه، قال باحث في الحركات الإسلامية إن العمليات التي كانت تنفذها مجموعات مسلحة تراجعت بشكل ملحوظ، بعضها بسبب ضربات أمنية لهذه المجموعات الوليدة، نظراً لخبراتها الضئيلة في التخفي والاختباء. وأضاف الباحث، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن الأوضاع في محافظات الوادي والدلتا مرجحة للتصعيد مرة أخرى من خلال تنفيذ عمليات مسلحة، ولكن هذا مرهون بالوقت. وتابع أن الوضع الحالي أمنياً لناحية مواجهة المجموعات المسلحة، لا يحتاج إلى فرض حالة الطوارئ، وخصوصاً أن العمليات الإرهابية لا تستدعي فرضها من الأساس، والآن تراجعت العمليات، أي أن السبب الذي من أجله فرضت حالة الطوارئ انتهى، فلا يوجد مبرر لها حالياً.

وفرض السيسي الطوارئ للمرة الأولى في إبريل/ نيسان العام الماضي، عقب اجتماع عاجل لمجلس الدفاع الوطني آنذاك، بعد التفجيرين اللذين استهدفا كنيستي مار جرجس في مدينة طنطا، ومار مرقس في مدينة الإسكندرية. ورأى الخبير السياسي محمد عز، أن حالة الطوارئ ستلازم مصر خلال فترة طويلة، اعتماداً على تقديرات المواقف الأمنية التي ستعتبر دائماً أن الأوضاع غير مستقرة، وهذه حقيقة، ولكن مواجهة عدم الاستقرار لا تكون بقبضة أمنية. وقال عز، لـ"العربي الجديد"، إن الجهات الأمنية في مصر اعتادت على القمع والتضييق على المعارضة، إذ ظلت حالة الطوارئ خلال عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، على الرغم من انتهاء الإرهاب الذي شهدته مصر في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وأشار إلى أن الدول الأوروبية تعرضت لضربات إرهابية خلال العامين الماضيين، ولم تلجأ أي منها لفرض طوارئ أو اتخاذ إجراءات استثنائية من شأنها التأثير على الحريات العامة أو التضييق على أحد. وتابع أن الإدارة الداخلية لمصر أمنية في الأساس، وبالتالي فإن المتحكم في فرض حالة الطوارئ وإلغائها هي الجهات الأمنية والسيادية.

ووافق مجلس النواب المصري، الأحد الماضي، بصفة نهائية، على قرار السيسي رقم 266 لسنة 2018، بشأن تمديد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لثلاثة أشهر جديدة، اعتباراً من الساعة الواحدة من صباح السبت 14 يوليو/ تموز 2018، وذلك للمرة السادسة على التوالي بالمخالفة للدستور، الذي قيد فرض الطوارئ بمدة ستة أشهر كحد أقصى. ونص القرار على أن "تتولى القوات المسلحة وهيئة الشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب، وتمويله، وحفظ الأمن في جميع أنحاء البلاد، والممتلكات العامة والخاصة، وأرواح المواطنين"، وأن "يُفوض رئيس الوزراء بصلاحيات رئيس الجمهورية، بشأن حالة الطوارئ، والمُعاقبة بالسجن لكل من يُخالف الأوامر الصادرة من رئيس البلاد". ونص الدستور على عدم جواز مد حالة الطوارئ لأكثر من مدة واحدة، إلّا أن رئيس الجمهورية يمكنه بعد يوم أو أكثر من انتهاء فترة المد أن يعيد إعلان الطوارئ، ثم عرض قراره على البرلمان خلال 7 أيام، ليحصل على موافقته بأغلبية عدد الأعضاء، ومد الحالة مرة أخرى بعد 3 أشهر أخرى، شريطة موافقة ثلثي النواب، وهو ما يعني أن الطوارئ ليست لها نهاية محددة فعلياً. وعزا رئيس البرلمان، علي عبد العال، تمديد حالة الطوارئ إلى "الظروف الأمنية الخطيرة التي تمر بها البلاد، وعدم زوال الأسباب التي دعت لإعلان الطوارئ في المرة الأولى"، مدعياً أن قرار مد الطوارئ لا يعرض على اللجنة العامة للمجلس، وتوافر أغلبية الثلثين اللازمة لتمرير القرار، على الرغم من خلو القاعة، وتواجد أقل من العدد المحدد دستورياً (397 نائباً من مجموع 595 برلمانياً). وشملت حالة الطوارئ جميع أنحاء مصر في 10 إبريل/ نيسان 2017، على خلفية استهداف الكنائس في محافظات القاهرة والإسكندرية وطنطا من قبل عناصر تنظيم "ولاية سيناء" الإرهابي، التابع لتنظيم "داعش"، وراح ضحيتها العشرات من المسيحيين، بعدما كانت حالة الطوارئ قاصرة على مناطق شمال سيناء منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2014.