5 زيارات عربية لتبون: تصحيح الأولويات وضرورات قمة الجزائر

25 فبراير 2022
تم منذ انتخاب تبون إجراء تقييم جدي للأولويات (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -

"خمسة على خمسة عربي"، هكذا يمكن وصف سلسلة الزيارات التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون منذ تسلّمه السلطة نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019.

فما عدا زيارته إلى برلين، في يناير/كانون الثاني 2020، للمشاركة في المؤتمر الدولي حول ليبيا، فإن الزيارات الخمس التي قام بها تبون إلى الخارج، قادته كلها إلى عواصم عربية.

ويستدعي هذا الأمر التساؤل عما إذا كان ذلك تعديل للأولويات في السياسة الخارجية للجزائر، بعد عقدين من التركيز على أوروبا وروسيا والصين، أم أنها ضرورة ظرفية فرضتها استحقاقات القمة العربية المقبلة في الجزائر.

ما يمس الخليج يمس الجزائر

وقال تبون، خلال لقائه الجالية الجزائرية في الكويت مساء الثلاثاء الماضي، إنه "بالنسبة للخليج، رغم البعد الجغرافي، فإننا في المغرب العربي نحاول الاقتراب منهم والدفاع عنهم، وما يمسهم يمسنا. ومن يمس الكويت أو قطر أو السعودية كأنما مس الجزائر، فلن نقبل بذلك أبدا".


عربي بومدين: التوجه الجزائري نحو العواصم العربية إعادة تفعيل للدبلوماسية التي كانت معطلة

ويحمل هذا التصريح أبعاداً سياسية تفسر عودة اهتمام الجزائر بشكل لافت بالمنطقة العربية. وقام تبون بزيارة خمس دول عربية بشكل متتال، بدءاً من الرياض في فبراير/شباط 2020، وتونس في ديسمبر/كانون الأول 2021، فالقاهرة في يناير الماضي، تلتها الدوحة والكويت خلال الأسبوع الحالي، (إضافة إلى زيارة مرتقبة إلى تركيا كانت مبرمجة في 30 ديسمبر الماضي قبل أن يجري تأجيلها).

وتدفع الزيارات إلى طرح قراءات سياسية بشأن عودة اهتمام الجزائر، بشكل لافت، بعلاقاتها في العمق العربي والإسلامي، بعد مرحلة أغفلت فيها الجزائر هذا التوجه، لصالح تركيز كبير في علاقاتها مع فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، وتعزيز تحالفاتها مع الصين وروسيا. 

وقد تزامن هذا الأمر مع محاولات لتحرير عدد من المجالات الاقتصادية في الجزائر من هيمنة الشركات الفرنسية ولوبيات اقتصادية موالية في الجزائر كانت تستفيد من امتيازات خاصة.

في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بادر تبون إلى عقد مؤتمر، هو الأول من نوعه، جمع فيه كل سفراء الجزائر ورؤساء بعثاتها الدبلوماسية في العالم. وأعطى ذلك مؤشرات عن إجراء تقييم جدي من قبل السلطة السياسية في الجزائر، للسياسات الخارجية وأولوياتها السياسية والاقتصادية.

تقييم جدي للأولويات الخارجية للجزائر

وأكد دبلوماسيون، تحدثت إليهم "العربي الجديد"، أنه منذ انتخاب تبون جرى تقييم جدي للأولويات الخارجية، أفضى إلى توجّهين رئيسيين، هما إعادة تركيز العلاقات مع دول الطوق المحيطة بالجزائر، وإعادة تطوير العلاقات مع العالم العربي والمشرق. 

وأوضحوا أن هذا الأمر جاء تزامناً مع ثلاثة استحقاقات أساسية بالنسبة للجزائر. الأولى أمنية في علاقة بالمحيط ومنعاً لرهن الأمن القومي بيد أطراف خارجية، وهذا يظهر عملياً من خلال كثافة الزيارات والاتصال السياسي بدول، كتونس وليبيا وموريتانيا وفي الساحل كالنيجر ومالي. 

وأشاروا إلى أن الثاني سياسي، ويرتبط باستعادة زخم وحضور الجزائر في المحفل العربي، من خلال التوجه نحو العمق العربي لبناء تفاهمات مع العواصم المؤثرة في المحيط العربي، على غرار القاهرة والدوحة"، إضافة إلى المعطى الاقتصادي من حيث حاجة الجزائر إلى اندماج أكبر في الاقتصاديات المحيطة وفرص الاستثمار والأسواق القريبة.

لكن قراءات سياسية أخرى تعتبر أنه من المبكر الحكم على كثافة الزيارات العربية الأخيرة لتبون ووزير الخارجية رمطان لعمامرة، كتوجه جديد للسياسات الخارجية للجزائر، بقدر ما هي لدواع فرضتها استحقاقات القمة العربية المقبلة المقررة في الجزائر، وتأتي في إطار حشد الدعم للقمة العربية بعد الجدل الذي رافقها منذ فترة. 

وقد استدعى هذا الأمر التحول إلى الدبلوماسية الرئاسية، بحيث لم تكن لتكفي زيارات وزير الخارجية لتحقيق توافقات تعتبرها الجزائر ضرورية، خاصة في علاقة ببعض الملفات، كسورية والقضية الفلسطينية والتطبيع.

استحقاقات سياسية تفرضها متطلبات القمة العربية

وأعرب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عربي بومدين عن اعتقاده بأن التوجه الجزائري الأخير نحو العواصم العربية هو إعادة تفعيل للدبلوماسية التي كانت معطلة قبل 2019. إلا أنه لا يدرج ذلك ضمن خيار أو توجه جديد، بقدر ما يعتبرها استحقاقات سياسية تفرضها متطلبات إنجاح القمة العربية.

وقال عربي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن فلسفة صانع القرار في الجزائر قائمة على إعطاء أهمية للدائرة المتوسطية والأفريقية، نتيجة للتشابك الاقتصادي المتعدد مع الدول الأوروبية والبعد الدبلوماسي الوازن في الحالة الأفريقية". 

وأضاف: "بالتالي، فإن تعدد الزيارات إلى الدول العربية يدخل ضمن مساعي إنجاح القمة العربية، في سياق الفوز بمعركة التوازنات الإقليمية. ولا يمكن اعتبار ذلك كتوجه جديد في السياسة الخارجية، لأن ذلك يتطلب مؤشرات واضحة للحكم على ذلك، بحيث لم يترافق ذلك مع تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية وتشبيك العلاقات الجزائرية العربية على جميع الأصعدة". 

وأوضح عربي أنه "من ثم لا يمكن اعتباره كتوجه جديد، بقدر ما هو إعادة تفعيل للدبلوماسية المعطلة في عهد نظام (الرئيس الراحل عبد العزيز) بوتفليقة. لكن ستبقى عودة موسمية إن لم تترافق مع إجراءات عملية، بما فيها فرض توجهات وخيارات تنطلق من كون الجزائر دولة محورية، عبر استغلال وزنها الدبلوماسي وتكثيف حضورها الاقتصادي".

توقيع على اتفاقيات اقتصادية

وتضمنت الزيارات الأخيرة لتبون إلى الدول العربية، التوقيع على عدد من الاتفاقيات الاقتصادية، وفي مجالات التنمية والبنية التحتية والاستثمار والتجارة والطاقة، سواء مع تونس وقطر والكويت ومصر وموريتانيا أيضاً. 


سليمان ناصر: البعد الاقتصادي لم يظهر كثيراً في زيارات تبون إلى الدول العربية
 

كما تم الاتفاق مع قطر على استثمارات كبيرة في قطاعات الزراعة وبناء المدن والمنشآت والسكك الحديدية، التي سيتم مدها إلى تمنراست وأدرار أقصى جنوب الجزائر، على مسافة تقارب الألفي كيلومتر، وتمتد إلى دول الساحل كالنيجر، إضافة إلى مشروع توسيع ميناء جنجن بجيجل شرقي الجزائر لجعله أحد أبرز الموانئ في أفريقيا.

إلا أن بعض الاقتصاديين يعتبرون أن العامل الاقتصادي ما زال ضعيفاً في هذه الزيارات، على الرغم من أنه يعطي مؤشرات إيجابية في هذا الصدد. 

وفي السياق، قال الخبير في الشؤون الاقتصادية والمالية سليمان ناصر، لـ"العربي الجديد"، تعليقاً على المخرجات الاقتصادية لهذه الزيارات، إنه "يمكن أن نتحدث عن تنويع وليس عن تحول، لأن شراكاتنا الاقتصادية لا زالت قوية مع الصين وتركيا وروسيا وحتى مع الاتحاد الأوروبي نفسه". 

وأضاف: "أعتقد أن الزيارات سياسية بالدرجة الأولى، ومخرجاتها لا تسمح بالقول إنها تحول في الوجهة الاقتصادية". وأشار إلى أن "البعد الاقتصادي لم يظهر كثيراً في الزيارات الأخيرة لتبون إلى الدول العربية". 

وأوضح أنه "باستثناء الزيارة إلى قطر، التي كانت لحضور قمة الدول المصدرة للغاز، ووقعت فيها اتفاقيات اقتصادية ممتازة مهمة تخص قطاعات السكك الحديدية والمدنية، بما يعزز العلاقات الجزائرية القطرية التي تترجمها الاستثمارات القطرية في الجزائر، فإن باقي الزيارات يغلب عليها الطابع السياسي مقارنة بالاقتصادي".