الحكومة التونسية: التأجيل المفخخ

29 يناير 2015
قد تطول مسألة التشكيل (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
أدت التطورات السياسية في تونس، إلى تأجيل حسم الملف الحكومي إلى مطلع الأسبوع المقبل، وربما قد يمتد التشاور الى آخر يوم، أي الخامس من فبراير/شباط المقبل. وتمّ تبرير التأجيل، لسبب عقد مجلس نواب الشعب جلسة، لحسم بعض فصول النظام الداخلي، يوم الاثنين، ما أدى إلى تأجيل عقد جلسة منح الثقة للحكومة، يوم الثلاثاء.

وسيكون رئيس الحكومة المكلف الحبيب الصيد، محتاجاً إلى أكثر من هذه المهل لتقديم مقترح ثانٍ لحكومته، بعد الأول الذي عارضه الجميع. وذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن "التعديلات الوزارية لن تكون بسيطة، بل ستتضمن تعديلات جذرية". وفي حال تمديد المهل، وتخطيها تاريخ الخامس من فبراير، من دون تشكيل الحكومة، فإن البلاد ستكون عرضة لأزمة سياسية جديدة، تعرقل مسارها الانتقالي الذي تسارع في الأشهر الأخيرة، من الانتخابات التشريعية (26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي)، والرئاسية (23 نوفمبر/تشرين الثاني و21 ديسمبر/كانون الأول الماضيين).

وأفادت المصادر أن "الرئيس الباجي قائد السبسي، أمسك بالملف الحكومي مجدداً، بعد أن كانت المشاورات تتمّ بين الصيد ومستشارين في القصر الرئاسي، وقرر فتح المشاورات السياسية من جديد لضم أحزاب أخرى للتشكيل الحكومي، ومراجعة الأمر برمّته، بعد الفشل الذريع الذي عرفه التشكيل الأول داخل حزب نداء تونس وخارجه".

ويحاول متابعون، في ظلّ تدخّل السبسي، البحث عن تفسيرٍ لما سمّاه البعض "انقلاباً مفاجئاً" على التفاهمات الأولى، أدت إلى هذا الفشل، وحدثت في الساعات الثلاث الفاصلة، بين التاسعة والثانية عشرة من ظهر يوم الجمعة الماضي. وأكدت مصادر مطّلعة قريبة من "حركة النهضة"، لـ"العربي الجديد"، أن "كل شيء كان يسير في الاتجاه الصحيح، إلى أن أُعلن بشكل مفاجئ، عن تركيبة جديدة مخالفة لكل التفاهمات السابقة، وأدت إلى إقصاء الحركة تقريباً وخروج حزب آفاق تونس من الحكومة".

وهو ما عبّر عنه رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي، للسبسي خلال لقائهما الخاطف في العاصمة السعودية الرياض، إبان تقديم واجب التعزية في وفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز. وأكد السبسي في اللقاء أنه "سيجري تعديلات ضرورية"، طالباً من محدثه "بعض الصبر والتفهّم".

أما عن مشاركة "حركة النهضة" في الحكومة الجديدة عموماً، فتبدو غير واضحة حتى الآن، على الرغم من تصريح الغنوشي بأن "مقترحات الصيد الجديدة إيجابية". مع العلم أن السبسي نفسه، وقبل اللقاء مع الغنوشي في الرياض، حسم موضوع التحالف مع "النهضة" مرات عديدة، حين تحدث عن ضرورته الوطنية، غير أن أطرافاً هامة داخل "نداء تونس"، تُفسّر هذا التغيّر بـ"سيطرة التيارات اليسارية والفرنكوفونية" داخل النداء على مسارات الحكومة، على الرغم من أن هذه الحكومة لم تلقَ في الأوساط اليسارية التونسية أي ترحيب.

وتؤكد المصادر، أن "السبسي يتحرّك تحت ضغوطات مختلفة، أولها حزبي داخلي، وثانيها سياسي محلي، وثالثها دولي". وتؤكد أن "صراع الجناح الدستوري والجناح اليساري داخل النداء، أصبح مكشوفاً لدى الجميع، وأن الحكومة هي أولى محطاته، في انتظار مؤتمره المقبل بعد خمسة أشهر"، والمتوقع في المؤتمر أن يحسم أحد الأجنحة مستقبل الحزب في ظلّ رئاسة السبسي لتونس، ما سيُساهم في رسم الملامح العامة للسياسة التونسية.

وتعترف مكونات الجناح الدستوري بهزيمتها المدوية في الاختبار الحزبي، وتفيد مصادرها بأن "مستشارين للسبسي، ذهبا بالتشكيل إلى حكومة فرانكوفونية يسارية واضحة، مع بعض الاستثناءات المرضية لبعض الأطراف". كما تذكر أن "بعض التعيينات كانت شخصية".

وتعيد أسباب إقصاء وزير الدفاع الحالي غازي الجريبي، من حقيبة الداخلية، بعد أن كان مرشحاً، إلى خصومات سابقة للوزير مع أحد المستشارين. كما تؤكد بعض المصادر، أن "اقتراح تعيين وزير الداخلية الجديد ناجم الغرسلي، جاء من طرف مجموعة من نواب عدد من الأحزاب، التي تمثل محافظة القصرين للحبيب الصيد. ولاقى المقترح موجة من ردود الفعل الرافضة من قوى عدة، خصوصاً من القضاة". وهو ما يفسر عودة الجريبي إلى السباق في التشكيل الجديد، إما إلى وزارة الداخلية أو وزارة العدل، على الرغم من إصرار جهات على معارضة دخوله إلى الحكومة، بسبب خلاف سابق أيام حكومة السبسي الأولى أيضاً.

وألقى المعطى الجهوي والمناطقي بظلاله على الخلافات داخل "نداء تونس"، فقد عبّر، أحد أبناء محافظة الكاف، عبادة الكافي، عن اعتراضه على الحكومة، بسبب عدم وجود ممثل للمنطقة فيها. كما أكد القيادي في "نداء تونس" منذر بالحاج، في تصريح صحفي، أن "منطقة الشمال الغربي، غاضبة بسبب عدم تمثيلها في الحكومة، مع أن الحكومات التونسية السابقة، راعت التمثيل الجغرافي للمناطق التونسية في أغلب تشكيلاتها، على الرغم من سيطرة الساحل ومدينتي سوسة والمنستير على معظم الحكومات". وللتمثيل المناطقي والجهوي في تونس، حالة خاصة، لتوزيع الموارد عليها جميعاً.

وبعيداً عن الحيثيات الداخلية التونسية الحزبية والسياسية، تُرجّح بعض المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "تأثيراً خارجياً أكيداً حصل صباح الجمعة 23 يناير/كانون الثاني، لأن التغيير المفاجئ في استراتيجية التشاور، لا يمكن أن يُفسّر بغير التدخل الخارجي، الفرنسي والخليجي تحديداً".

وتتوقع المصادر، أن "ينعكس وصول الملك سلمان، إلى سدّة الحكم في السعودية، بظلاله سريعاً على الساحة التونسية". وتؤكد المصادر أن التغييرات التونسية عموماً، أثارت مخاوف عربية وفرنسية، ما دفعها إلى الضغط على تونس، من أجل إبعاد "حركة النهضة"، ولو ظاهرياً، من الحكومة الجديدة. ولكن الأطراف المحلية تقلّل من تأثّر السبسي بالضغوطات الخارجية، على الرغم ترجيح ميل واضح لبعض مقرّبيه من دائرة التأثير الفرنسية. ويعني هذا أن الولادة الحكومية تنتظر التوافق الداخلي أكثر من التدخلات الخارجية.

وعلى الرغم من أن "النهضة" لا تصرّ على تقديم أسماء كبيرة من قياداتها للحكومة، ولا تتشبث بحقائب من دون غيرها، حسب ما أكدت قياداتها، فلا شيء يضمن أنها ستكون داخل الحكومة. علماً أن السبسي سعى إلى إرضائها عبر تعيين المتحدث باسمها، زياد العذاري، وزيراً مستشاراً في الرئاسة ومكلّفاً بحقوق الإنسان، غير أن مصادر الحركة أكدت لـ"العربي الجديد"، أن "العذاري لن يتولّى هذه الحقيبة، إلا اذا حصل اتفاق شامل حول الحكومة". وهو ما قد يشير إلى احتمال تأخر عملية إعلان الحكومة فترة طويلة.