مع اقتراب تطبيق "قانون قيصر" في 17 يونيو/ حزيران الحالي، من خلال إعلان الولايات المتحدة عن أول حزمة من العقوبات الاقتصادية ضد النظام السوري وحلفائه والشركات والأفراد المرتبطين به، يحاول النظام وروسيا اتخاذ إجراءات استباقية للتخفيف من أثر العقوبات المحتملة، أو محاولة تمرير إجراءات وصفقات قبل بدء سريان هذا القانون. في هذا الإطار، أكدت السفارة الروسية في دمشق، يوم الأربعاء الماضي، أن النظام تسلّم أخيراً دفعة جديدة من مقاتلات "ميغ - 29" الروسية، وأنه بدأ تنفيذ مهمات بواسطة هذه الطائرات. وذكرت السفارة، في تغريدة نشرتها على حسابها في موقع "تويتر"، أن قوات النظام "تسلّمت دفعة جديدة من المقاتلات المحدثة الروسية من طراز ميغ ـ 29 في إطار التعاون العسكري التقني بين بلدينا، والعسكريون السوريون بدأوا تنفيذ مهمات بواسطة هذه الطائرات". وكانت وزارة الدفاع التابعة للنظام قد أعلنت في 30 مايو/ أيار الماضي، أنها تسلّمت من الجانب الروسي دفعة من مقاتلات "ميغ ـ 29" ضمن احتفال خاص أقيم في قاعدة حميميم.
كما عبرت السفينة الروسية "سبارتا 2"، نهاية الشهر الماضي، مضيق البوسفور في تركيا محمّلة بعربات عسكرية، ومن المتوقع وصولها، يوم الاثنين المقبل، إلى ميناء طرطوس على الساحل السوري. وكشف حساب "مراقب البوسفور" التركي عبر "تويتر"، في 28 مايو الماضي، صوراً ذكر أنها لسفينة الشحن الروسية وهي تحمل عربات عسكرية من نوع "غاز 66" الروسية. وتُعتبر هذه العربات من أشهر الصناعات العسكرية الروسية، وقادرة على التحرك في كل الطرق خصوصاً الطرق الوعرة، ويمكنها نقل الجنود والبضائع والمعدات. ولا تعدّ "سبارتا 2" قطعة بحرية عسكرية، فهي سفينة لشحن البضائع، لكن يمكنها نقل الجنود والمعدات العسكرية والذخيرة.
وكانت سفينة الإنزال البحري الروسية "ساراتوف 150"، قد وصلت إلى القاعدة العسكرية البحرية الروسية في طرطوس، منتصف مايو الماضي. كما وصلت سفن عسكرية روسية عدة إلى سواحل المتوسط، في شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار الماضيين، فيما رفع الروس من حجم إمداداتهم اللوجستية لحليفهم النظام السوري في الأسابيع الأخيرة.
وفيما يعتقد أنه جزء من الجهود التي يقوم بها النظام وروسيا للتخفيف من الآثار المحتملة لـ"قانون قيصر"، نجحت الجهود الروسية قبل أيام في فتح الطريق الدولي "أم 4" (الحسكة - اللاذقية) جزئياً، من بلدة تل تمر في ريف الحسكة إلى منبج في ريف حلب، بعد تنسيقٍ مع تركيا، ليتجدد التواصل بين مناطق عدة من شرق سورية وشمالها بعد أشهر من إغلاق الطريق، إثر العملية العسكرية التركية الأخيرة "نبع السلام" ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
وكانت هذه العملية قد أفضت إلى وصول فصائل "الجيش الوطني" (فصائل المعارضة السورية)، المدعومة من تركيا، إلى حدود هذا الطريق في بعض المناطق، ما أدى إلى إغلاقه في الاتجاهين. وفيما تهدف موسكو من خلال هذه الخطوة إلى ربط المناطق الخاضعة للنظام السوري بعضها ببعض، لا يُستبعد أن يستفيد النظام من فتح هذا الطريق الدولي، للتخفيف من آثار العقوبات التي سيفرضها عليه "قانون قيصر" الأميركي.
وترى مصادر في المعارضة السورية أن إعادة فتح طريق "أم 4" قد يساهم إلى حدّ ما في التخفيف من آثار العقوبات التي سيفرضها "قانون قيصر" على النظام السوري، إذ تعتبر مناطق الشرق السوري موطن الثروة الزراعية والباطنية، ومن خلال ربطها برّاً بمناطق الشمال والساحل ستساعد النظام على البقاء ونقل الثروات والاستفادة منها. وكانت "قسد" قد طلبت استثناء المناطق التي تسيطر عليها من العقوبات المتوقعة على النظام بموجب "قانون قيصر"، وهو ما لاقى تجاوباً أميركياً.
ويمتد طريق "أم 4" من الحدود العراقية انطلاقاً من بلدة اليعربية، مروراً بمدن القامشلي والحسكة وتل تمر، ومنها إلى عين عيسى، شمالي الرقة، ومن ثم منبج، شرقي حلب، ثم إلى مدينة حلب نفسها، ومنها إلى مدينة سراقب، شرقي إدلب، بعد أن يلتقي مع طريق "أم 5" الدولي (دمشق – حلب) في المناطق الجنوبية لمدينة حلب، ليصل بعد ذلك إلى اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط. غير أن هذا التفاهم الروسي - التركي على فتح الطريق، لم يمر من دون مضايقات أميركية، إذ تستخدم القوات الأميركية طريق "أم 4" باستمرار، وسبق أن حدثت احتكاكات عليه بينها وبين الدوريات الروسية التي تستخدم الطريق نفسه.
وفي سياق مخاوف النظام السوري هذه، أعلن رئيس النظام بشار الأسد إعادة طرح كعكة إعمار سورية وإغراء الدول والمستثمرين بـ"الاستثمار الآمن والرابح جداً". وقال الأسد، في تصريحات إعلامية، إنه تم "إيجاد صيغ محددة سيعلن عنها لاحقاً لدخول المستثمرين إلى السوق السورية بأمان". وأكد أنه "بدأنا الحوار مع عدد من الشركات الصينية في هذا المجال وبدء الاستثمار"، مضيفاً "نأمل من الشركات الصينية البدء بالنظر والبحث وبتحرّي السوق السورية"، حيث تم، وفقاً له، تقديم ستة مشاريع للحكومة الصينية تتناسب مع منهجية الحزام وطريق الحرير. كما أعلن وزير الاقتصاد لدى النظام سامر الخليل أن الحكومة درست آليات التعامل مع العقوبات الواردة في "قانون قيصر" وآثارها، بهدف التخفيف من حدتها.
وكشف الوزير في تصريحات لصحيفة "الوطن" الموالية، جزءاً من هذه الإجراءات، ومنها أنه تمّ تقديم التسهيلات الممكنة لقطاع الأعمال، بما يتيح تأمين الاحتياجات الضرورية، إضافة إلى الاستمرار بالعمل على تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الحليفة للنظام، لتجاوز تبعات هذا القانون على جميع الأطراف. واعتبر الخليل أن سورية ما زالت تتمتع بعدد من المقومات للاعتماد على الذات اقتصادياً، و"هو ما تم العمل عليه بشكل حثيث"، مشيراً إلى أن "جزءاً من القطاع الصناعي السوري استعاد عافيته تدريجياً، وبات يستطيع اليوم أن يؤمن نسبة مهمة من احتياجات السوق المحلية الأساسية من الصناعات الغذائية والدوائية والنسيجية، وبعض الصناعات الكيميائية".
وعن التداعيات الاقتصادية المحتملة للقانون، شدّد الوزير على ضرورة أن يكون السوريون واقعيين، وقال "لا يمكن القول إنّه لن يكون هناك تأثير لهذا القانون على الوضع الاقتصادي والتجاري في سورية، وبالمقابل يجب ألا نتأثر بحالة التهويل التي يحاول اليوم الكثير من أعداء سورية الترويج لها بهدف خلق آثار مضاعفة في الجانب الاقتصادي".
وسُمّي "قانون قيصر" بهذا الاسم نسبة إلى مصوّر سابق في جيش النظام، خاطر بحياته لتهريب آلاف الصور توثق تعذيب وقتل السجناء داخل السجون، إلى خارج سورية. وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن القانون "خطوة مهمّة لتعزيز المحاسبة عن الفظائع التي ارتكبها النظام، ويقدّم للولايات المتحدة أداة للمساعدة في وضع حدّ للصراع الرهيب والمستمرّ في سورية".
ومن المتوقع أن تؤدي العقوبات، التي قد تفرض بموجب هذا القانون، إلى شلّ مفاصل اقتصاد النظام السوري، خصوصاً بنيته المالية (مصرف سورية المركزي)، والشبكات المرتبطة به في بادئ الأمر، بالإضافة إلى وضع قيود على حركة التبادل الاقتصادي بين النظام وحلفائه لجهة إمداده بالمواد والأموال. وما يشير إلى المفاعيل القوية لهذا القانون حتى قبل أن يبدأ تطبيقه، هو الانهيار المتسارع لقيمة الليرة السورية، التي تخطت خلال اليومين الماضيين حاجز الـ2000 ليرة للدولار الواحد.
وفي عام 2017 مُرر القانون في مجلس النواب الأميركي للمرة الأولى، لكنه لم يمرّ عند عرضه على مجلس الشيوخ، وفي عام 2018 حدث العكس، حين مرّر الشيوخ القانون إلا أن النواب عارضوا القرار الذي أُدرج ضمن حزمة، من بينها مشاريع قوانين تستهدف الشركات المقاطعة لإسرائيل. وفي عام 2018 أيضاً، سقط المشروع في مجلس الشيوخ بعدما عطّل أحد النواب، وهو السيناتور راند بول، القرار، ما دفع اللوبي السوري داخل الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم "المجلس السوري الأميركي" ومنظمات سورية وأميركية مختلفة، الذين عملوا بجهد في المساعدة على صياغة القانون والذهاب به إلى الكونغرس، وباستشارة أعضاء في الكونغرس والشيوخ وقانونيين أميركيين، إلى إيجاد حل بربط القانون بموازنة وزارة الدفاع، وليس التصويت عليه بشكل إفرادي.
وفي 11 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مرر الكونغرس مشروع القانون ضمن ميزانية وزارة الدفاع، ومن ثم أقره مجلس الشيوخ في 17 من الشهر ذاته، إلى أن وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 20 ديسمبر، ليتحوّل الموقف السياسي الأميركي من النظام السوري إلى قانون.