أميركا تخسر نفوذها على الحدود العراقية السورية لصالح المليشيات

22 يونيو 2020
تركت القوات الأميركية معدات عسكرية "هدية للعراقيين"(زيد العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
تظهر المعسكرات والثكنات الجديدة للمليشيات العراقية المدعومة من إيران خلال الشهرين الماضيين على الحدود العراقية السورية، كواحدة من أبرز مظاهر خسارة الولايات المتحدة مزيداً من نفوذها في هذه المنطقة ضمن محور التنف ــ البوكمال ــ القائم وصولاً إلى بلدة حصيبة الغربية الحدودية، على امتداد يصل لأكثر من 200 كيلومتر من أصل 600 كيلومتر من الحدود المشتركة بين العراق وسورية. ويؤكد مسؤولون في الفرقة الثامنة بالجيش العراقي، ضمن عمليات "الجزيرة والبادية"، استغلال فصائل مسلحة انسحاب القوات الأميركية من قاعدة القائم، في 19 مارس/آذار الماضي، لتوسيع رقعة انتشارها وتعزيز ذلك بأكثر من 20 معسكراً وموقع رصد قامت بإنشائه، فضلاً عن زيادة عمليات التنقل بين الجانبين خارج إطار المنفذ البري الرسمي بين البلدين، المعروف بـ"الكَسرات"، وهو تعبير محلي يعبّر عن إحداث ثغرات في الحدود لانتقال الأفراد والسيارات من خلالها، وهو ما بات أمراً مألوفاً على الحدود.
في السياق، يكشف ثلاثة مسؤولين عراقيين في بلدة القائم عن تدشين "كتائب حزب الله"، أبرز الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، في 14 يونيو/حزيران الحالي مقراً جديداً يبعد بضعة كيلومترات عن قاعدة القائم، التي شيّدتها القوات الأميركية عام 2015 على أنقاض محطة قطار رئيسة غربي المدينة، وانسحبت منها في شهر مارس الماضي. ويلفت مسؤول محلي في المدينة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "كتائب حزب الله افتتحت مقراً جديداً"، مضيفاً أن المقر هو تجمّع لمنازل تعود لعائلة الكرابلة المعروفة، وتم الاستيلاء عليها وإحاطتها بسور واتخاذها مقراً جديداً لهم". ويشير إلى أن المقر الجديد لا يبعد كثيراً عن القاعدة التي انسحبت منها القوات الأميركية، وقد يكون ذلك أمراً مقصوداً، إذ لم يكن باستطاعتهم في السابق الانتشار في محيطها أو في مسافات بعيدة.


من جهته، يتحدث عضو في مجلس القائم المحلي، عن افتتاح مقرين آخرين في بلدة حصيبة، تمّ إدخال شاحنات إليهما، ما دفع العديد من سكان البيوت القريبة إلى تركها خشية من تحوّل المكان إلى مخزن سلاح، قد يتعرض للقصف بأي وقت ويذهب ضحيته القريبين منه. ويضيف أن الانتشار لا يقتصر على الشطر العراقي من الحدود، إذ إن تواجد الفصائل في الجانب السوري من خلال المليشيات متعددة الجنسيات، أوسع منه بالجزء العراقي ويكاد يكون بلا مشارك لهم من قبل قوات النظام.

ويؤكد مسؤول عسكري عراقي برتبة متقدمة في قيادة عمليات "البادية والجزيرة"، ضمن الفرقة الثامنة لـ"العربي الجديد"، بأنه منذ انسحاب القوات الأميركية من قاعدة القائم لم يتوقف توسع الفصائل على الحدود، متحدثاً عن تنقل مريح ومفتوح إلى سورية والعودة من دون إيقافهم من قبل قوات حرس الحدود، بالاعتماد على موافقة صدرت أيام الحكومة السابقة بقيادة عادل عبد المهدي.

ويكشف أن "كتائب حزب الله والنجباء والبدلاء والعصائب والطفوف وسيد الشهداء وسرايا الجهاد والإمام علي والخراساني وفصائل مسلحة أخرى، دشّنت أكثر من 20 مقراً وثكنة ومعسكراً على الحدود من مثلث التنف وقرية زهية وزخة، مروراً بقرى القائم وحصيبة المقابلة للبوكمال السورية وانتهاءً بمنطقتي مكر الذيب والمِشرف، عدا عن انتشارها في وادي الأبيض ووادي القذف والمصب والنقطة صفر على الحدود مع سورية عند مدخل نهر الفرات للعراق"، متحدثاً عن نقل مواد عبر شاحنات إلى سورية وجلب أخرى منها.

ويعتبر المسؤول أن هذا التوسع قد يعزز مخاوف سياسيين عراقيين، وحتى على مستوى الشارع، في أن يصبّ الانسحاب الأميركي الكامل من العراق، في صالح مزيد من النفوذ والتمدد الإيرانيين فيه من خلال الفصائل الولائية التي تدين عقائدياً وعسكرياً لإيران وترتبط بالحرس الثوري الإيراني.



بدوره، يصف أحد أعيان بلدة القائم، القاطن في إقليم كردستان، الشيخ محمد العيساوي، الوضع بـ"عدم الاستقرار وانعدام احترام القانون"، متهكماً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، على عديد العناصر الموجودة في بلدة القائم من أفراد المليشيات المرتبطة بإيران. ويقول إن "الجولان المحتل على الحدود السورية الفلسطينية وليس السورية العراقية". ويرى أنه منذ انسحاب الأميركيين زادت قوة المليشيات بحجم "لواءين عسكريين (اللواء نحو ألفي عنصر)". ويتابع "عمل المليشيات لا علاقة لها بتنظيم داعش، الذي تلاشى تقريباً في المنطقة، لكن المليشيات تملك أنشطة استخبارية ذات بعد سياسي واضح، كما تنشط في تهريب البضائع، وهناك تجار يتعاملون معها". ويشرح كيفية التعاون بين الطرفين قائلاً إنّ "الرسوم غالية عند معبر القائم، بالتالي يتم نقلها عبر الحدود من خلال المليشيات وبمبلغ متفق عليه مسبقاً يكون نحو نصف ما سيتم استيفاؤه من قبل الجمارك في معبر القائم، تحديداً سيارات نقل الرخام والحجر السوري للعراق. وفي المقابل تخرج من العراق قطع غيار سيارات وأدوية ومعدات كهرباء وبنزين بالعادة كلها غير شرعية".

الخبير الأمني العراقي، محمد الحديثي، وهو مستشار سابق لـ"قوات الصحوة العشائرية" التي قاتلت تنظيم القاعدة بين عامي 2006 و2010، يؤكد أنه بعد انسحاب الأميركيين قامت الفصائل بعمليات تفتيش ومسح واسعة في مناطق لم تكن قادرة على التحرك بها، بسبب القاعدة الأميركية في القائم. ويشير في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "هذا الأمر يعتبر مؤشراً سلبياً في حال قررت الولايات المتحدة ترك العراق نهائياً، من دون قرار إيراني باحترام سيادة العراق وتركه يدير شؤونه الداخلية بمفرده".

أما القيادي في تحالف "الوطنية"، النائب السابق حامد المطلك، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن وجود الفصائل المسلحة على الحدود السورية العراقية بهذه الصورة، كائن قبل انسحاب الأميركيين من قاعدتي التقدم، في بلدة الحبانية غرب الرمادي، وقاعدة القائم، مبيناً أن المعلومات المتوفرة لديه مفادها أن الفصائل تتصرف كسلطة مطلقة. ويضيف "لا توجد معلومات مؤكدة عندي حول زيادة أعدادهم لكنهم ينتشرون في القائم والرطبة ومناطق حدودية مختلفة"، ورداً على سؤال ما إذا كان للجيش العراقي دور في المنطقة يرى أنه "من الخطأ السؤال عن سيطرة أو وضع الجيش هناك، فلو كان هناك سيطرة للجيش لكان في بغداد ومنع إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء".

وكانت القوات الأميركية والتحالف الدولي قد انسحبت في مارس الماضي، من ست قواعد عسكرية في شمال ووسط وغرب العراق، وهي كيوان في كركوك، والتقدم والقائم في الأنبار، والقيارة والقصور الرئاسية، في نينوى، ومعسكر صغير في بلدة أبو غريب، على بعد 25 كيلومتراً غربي العاصمة بغداد، ضمن ما أطلقت عليه واشنطن خطة "إعادة التموضع في العراق".

وتخلت القوات الأميركية في جميع تلك القواعد عن معدات وأجهزة وتجهيزات عسكرية مختلفة اعتبرتها هدية للقوات العراقية، قبل أن تنتقل إلى قاعدتي عين الأسد، وحرير، في الأنبار وأربيل على التوالي، لتكون مرتكز الجيش الأميركي وقوات التحالف الدولي في العراق، إلى جانب معسكري التاجي والمطار.