كوشيب أمام الجنائية الدولية: هل يكشف أدواراً لعسكر السودان؟

15 يونيو 2020
يتهم كوشيب بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور(روبرت سابو/Getty)
+ الخط -

تثار الكثير من التساؤلات في السودان عما يمكن أن يقوله القيادي في مليشيات الجنجويد، علي كوشيب، أمام المحكمة الجنائية الدولية التي يمثل أمامها للمرة الأولى اليوم الإثنين، بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في إقليم دارفور غرب السودان. واحتمال تطرّق كوشيب لأدوار قيادات عسكرية في أعلى سدة الحكم حالياً في هذه الجرائم، واحد من بين كثير من التوقعات.

وتعود قصة اتهام كوشيب بالتورط في جرائم حرب بإقليم دارفور إلى العقد الماضي. ففي بداية عام 2003، ظهرت حركات تمرّد في الإقليم تطالب بالعدالة في مجالات التنمية والمشاركة في السلطة المركزية، وإزالة كل أشكال التهميش عن الإقليم. وبانشغال الجيش السوداني بحروب في مناطق أخرى في تلك الفترة، لجأ نظام عمر البشير إلى خيار تجييش أفراد وجماعات من قبائل إقليم دارفور، لتقوم بمهمة القضاء على التمرد. ونظراً لطبيعة المليشيات والصراع القبلي، ارتكبت جرائم عدة في دارفور، دفعت مجلس الأمن الدولي في عام 2005 إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية، توصّلت إلى وقوع جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية وإبادة جماعية في الإقليم، فأحال المجلس الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وشرع مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية في التحقيق. وفي عام 2007، اتهم المدعي العام للمحكمة، علي محمد عبد الرحمن، الملقب بـ"كوشيب"، وهو زعيم إحدى المليشيات القبلية، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية وإبادة جماعية، قبل أن تصدر المحكمة مذكرة توقيف بحقه، لم تنفذ لعدم تعاون السودان مع المحكمة التي كان يتهمها بـ"التسييس".

عقب سقوط نظام البشير في العام الماضي، وتشكيل السلطة المدنية في السودان، والقبض على بقية المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، أي البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، ومساعده أحمد هارون، أصدرت النيابة العامة السودانية أمراً بالقبض على كوشيب الذي ظلّ يعيش في تخوم السودان الغربية، لكنه بعد ذلك هرب إلى أفريقيا الوسطى. ومن دون مقدمات وبروايات متضاربة، سلّم نفسه أخيراً إلى المحكمة الجنائية خلال تواجده في أفريقيا الوسطى، من دون معرفة النوايا الحقيقية له، ودوافعه من تلك الخطوة.

كثيرون توصّلوا إلى أنّ علي كوشيب يبحث من خلال خطوته تلك عن أحكام مخففة عقب استشعاره عدم وجود فرصة للنجاة، فيما قدّر آخرون أنّ الرجل أراد تثبيت براءته في أضابير الجنائية الدولية. لكنّ عدداً ليس بقليل من الأشخاص، ذهب باحتمالاته بعيداً، ورأى أنّ كوشيب يأمل في التحوّل إلى شاهد ملك ليدلي بالحقيقة كاملة، مستفيداً من وضعه القانوني الجديد. في حين ذهبت فئة أخيرة إلى القول إنّ كوشيب ذهب إلى لاهاي حيث مقر المحكمة الجنائية، ليهدّ المعبد على الجميع، وليورّط رفقاءه الذين شاركوه الحرب في دارفور، وربما يصل الأمر إلى رأس هرم السلطة الحالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، اللذين لم يكونا بعيدين عن الحرب في إقليم دارفور في عهد البشير.

الفرضية الأخيرة يدعمها عضو "الاتحاد الدولي للصحافيين"، والمتخصص في شؤون دارفور، الصحافي جعفر السبكي، الذي يكشف لـ"العربي الجديد"، عن معلومات قال إنه حصل عليها، تفيد بأنّ "كوشيب سلم نفسه للمحكمة الجنائية بموجب اتفاق مع المحكمة عبر أحد أقربائه، الذي رتب له كل ما يقوله للأخيرة، وأسماء الذين شاركوا معه في جرائم دارفور، وأنه تمّ تجهيز عدد من المحامين الأوروبيين والسودانيين للدفاع عنه".

ولم يستبعد السبكي قيام المتهم بذكر أسماء جديدة خلال التحقيق، بما في ذلك الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي كان كلف بمهام استخبارية في منطقة زالنجي (عاصمة ولاية وسط دارفور) خلال فترة تجنيد كوشيب لصالح سلطات البشير (2003-2009). ويقول السبكي إنّ البرهان وكوشيب تشاركا في كثير من العمليات العسكرية في مناطق وادي صالح بغرب دارفور، ونسقا في العمليات العسكرية التي حدثت في جبل مرة حينما كان البرهان معتمداً كمحافظ لمنطقة نرتتي (في ولاية وسط دارفور) في عام 2003.

ويضيف السبكي أنّ محاكمة كوشيب "ربما تجرّ آخرين خططوا لعملياته، خصوصاً في مناطق مكجر ودليج وبندسي بولاية وسط دارفور، التي ارتكبت فيها أفظع الجرائم، إذ قد يطاول الأمر الذين أشرفوا على عمليات نقل السلاح والمال". وتوقع السبكي كذلك أن يشمل الأمر رجالات الإدارة الأهلية الذين استعان بهم نظام البشير من أجل تجنيد الشباب مقابل المال. لكن السبكي يستبعد إيراد كوشيب لاسم الفريق أول محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة، وقائد قوات الدعم السريع، الذي لم يعمل بصورة مباشرة مع كوشيب.

من جهتها، تقول مصادر قريبة من البرهان وحميدتي، طلبت عدم الكشف عن هويتها، لـ"العربي الجديد"، إنه "ليس لدى كوشيب أي معلومات حقيقية عن تورط القيادات العسكرية الحالية، لا سيما بعد انتهاء مرحلة التحقيقات الدولية في ملف دارفور"، مشيرة إلى أنّ "كل ما يثار عن تنسيق كان قد تم في تلك السنوات بين كوشيب والبرهان مجرّد أحاديث لا أساس لها من الصحة".

بدوره، يرى الخبير العسكري عمر عثمان، أنّ كل التحقيقات بشأن عمليات دارفور، والتي شملت لجنة وطنية برئاسة القاضي دفع الله الحاج يوسف، ولجنة دولية شكلها مجلس الأمن، وكذلك تحقيقات المدعي العام للمحكمة الجنائية، لم يذكر فيها اسما البرهان وحميدتي، مضيفاً أنّ "المجال ليس متاحاً لإضافات جديدة بعد إغلاق ملفات التحقيق".

ويوضح عثمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه حسب خبراته الشرطية في مجال التحري، "كثيراً ما يلجأ المتهمون إلى ذكر أسماء تحايلاً، بغرض الحصول على براءة أو تعطيل القضايا، وهذا ما يمكن أن يفعله علي كوشيب، من دون أن يحدث ذلك أي أثر، لعدم وجود أدلة وقرائن". ويتابع: "يمكن أن يفعلها كوشيب من باب الحنق والكيد، أو مدفوعاً بعناصر من النظام البائد، ليشير بأصابع الاتهام إلى مسؤولين في الحكومة الآن، بقصد خلق حالة من الإرباك والاضطراب بغرض عرقلة مسار الفترة الانتقالية وهزّ الشراكة بين العسكر والمدنيين، لكن في تقديري سيكون ذلك اتهاما سياسيا لن يرقى إلى مستوى مساءلة قانونية".

من جانبه، يقول اللواء المتقاعد، أمين إسماعيل مجذوب، إنّ "كل الاحتمالات واردة داخل المحكمة، حيث يتلاشى العمل السياسي، ويأتي دور العمل القانوني الذي يحدد من هم المتهمون الحقيقيون، ومن يقف وراءهم من القادة العسكريين والسياسيين، شريطة أن يتم كل ذلك بالأدلة والقرائن والشهود". ويضيف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "علي كوشيب لن يستطيع توريط شخص من دون بيّنة، ولن يستطيع في الوقت نفسه في ظلّ التحقيقات التي تمت سابقاً، إخفاء أي معلومة".

ويبدو أنّ حزب "الأمة" القومي، وهو واحد من أحزاب "قوى إعلان الحرية والتغيير"، قد استشعر إمكانية ملاحقة آخرين من قبل المحكمة الجنائية الدولية بعد تسليم كوشيب نفسه، فأصدر بياناً رحب فيه بالخطوة، وجدّد المطالبة بتسليم بقية المطلوبين إلى المحكمة الجنائية الدولية. لكن ومن دون مقدمات، قال الحزب في بيانه إنه "في حال كان بين المطلوبين للعدالة من انحازوا للثورة وساهموا في طرد المخلوع؛ يأمل الحزب أن يعاملوا بمفهوم العدالة الترميمية"، منوهاً إلى أنه "سبق وأن تقدم العام الماضي بمشروع قانون العدالة الانتقالية الذي يساهم في تحقيق العدالة وتأمين الاستقرار الضروري".

أمّا عضو هيئة الدفاع عن الرئيس المعزول عمر البشير، والقيادي في حزب "المؤتمر الوطني" (حزب البشير)، محمد الحسن الأمين، فيقول إنهم يحتاجون لمزيد من المعلومات "حول الطريقة التي سلم بها علي كوشيب نفسه، وما إذا كان ذلك للحصول على براءة، كما حصل عليها من قبل بحر أبو قردة (وهو قيادي في حركات التمرد سابقاً، كانت اتهمته المحكمة الجنائية بارتكاب جرائم حرب، ومثل أمامها في مايو/أيار 2009، قبل أن تسقط التهم عنه في إبريل/نيسان 2010، وينضم لنظام البشير لاحقاً كوزير للصحة)، أم الأمر حدث عبر صفقة أكبر مما يتصورها الناس".

ويضيف الأمين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه شخصياً، وليس من منطلق عضويته في هيئة الدفاع عن البشير، يرى أنّ الأمر كله "فيه كثير من الغموض، لا سيما أنّ الفرصة كانت متاحة أمام كوشيب لتسليم نفسه للقضاء المحلي"، موضحاً أنّ "من بين الاحتمالات وراء تسليمه نفسه، هو تخطيط طرف سياسي معيّن لإثارة شكوك حول قيادات عسكرية عليا للضغط عليها مستقبلاً والحصول على مكاسب".

ويذهب رئيس تحرير صحيفة "الصيحة"، الطاهر ساتي، من جهته، أبعد من ذلك، ويقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "أيّ ذكر أو اتهام يوجّه لكل من البرهان وحميدتي أو أي من القيادات العسكرية، سيعيد اليوم تجربة اتهام البشير بواسطة المحكمة الجنائية الدولية، والتي كان من نتائجها رهن الرئيس المعزول مصير البلاد بمصيره هو. وهو ما سيقود اليوم إلى إضعاف الفترة الانتقالية، وتضييق فرص التحول الديمقراطي وهزم الثورة". لكن ساتي يعود ويقول إنّ "المحكمة الجنائية نفسها بات مصيرها على كف عفريت، بعد الموقف الأميركي الأخير منها، والذي سيضعف قدراتها مستقبلاً، ويؤكد المؤكد عن انتقائية عملها واستهدافها للضعفاء فقط"، على حدّ وصفه.

المساهمون