اليمن: ضغوط على الانفصاليين للتراجع عن "الإدارة الذاتية"

02 مايو 2020
لا قدرة لعناصر "المجلس" بالسيطرة على كورونا(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
تتسع دائرة الانتقادات الموجّهة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي في اليمن والمدعوم إماراتياً، بعد أيام على إعلان حالة الطوارئ و"الإدارة الذاتية" في المحافظات الجنوبية، لتضمّ منظمات حقوقية ومسؤولين في السلطات المحلية، وحتى أن قيادات من "المجلس" تعتبر أن القرارات الأخيرة "متسرّعة"، خصوصاً أنها تفرض على "المجلس" تحمّل كل المسؤوليات في توقيت بالغ التعقيد، وفي ظل الأزمات القاتلة التي تهدد عدن والمناطق التي يسيطر عليها في الضالع ولحج، خصوصاً بعد بدء تسجيل إصابات ووفيات بوباء كورونا. وتنتشر في عدن أوبئة كورونا والمكرفس (حمّى يتسبّب بها بعوض مصاب بفيروس شيكونغونيا) وحمّى الضنك والملاريا، وبعضها متشابه إلى حد كبير في العوارض، ما يجعل حياة الناس جحيماً مع ارتفاع حصيلة الوفيات، وغياب أي احصائيات فعلية، بسبب عسكرة الحياة في عدن من قبل "المجلس الانتقالي". ويجمع كثر على أن "المجلس" اليوم في ورطة، فإما أن يتخلى مع داعمه الإماراتي عن الأطماع السياسية في هذه المرحلة، وإما أن يدفع نحو مزيد من الخطوات التصعيدية متسبباً في انتشار الأوبئة وارتفاع عدد الوفيات بسببها.

في السياق، يكشف مصدر سياسي في قيادة "المجلس" في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنهم يواجهون في "الانتقالي" ضغوطاً كبيرة بسبب التسرّع في اتخاذ قرار إعلان حالة الطوارئ و"الإدارة الذاتية" والتحركات غير الموفقة في التوقيت والهدف، والتي لا تخدم القضية الجنوبية ولا تخدم "المجلس"، نظراً لتداعياتها على الناس و"الانتقالي" نفسه. ويوضح أن القرارات الأخيرة يغلب عليها الطابع العسكري، لا الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، بحكم العقلية العسكرية التي تقود "المجلس"، واصفاً الأمر بـ"الكارثي" في هذه اللحظات المفصلية. وبحسب المصدر نفسه، فإن الضغوط ليست مقتصرة على الوضع الصحي الخطير جراء انتشار الأوبئة والأمراض القاتلة، خصوصاً في عدن، مثل كورونا والمكرفس وحمى الضنك، ولا على الخدمات شبه الغائبة، بل تشمل أيضاً ضغوطاً أخرى وهي اقتصادية واجتماعية وأمنية. ويضاف إلى كل ذلك الضغوط السياسية الداخلية والخارجية على المجلس بعد خطواته الأخيرة بإعلان "الإدارة الذاتية".

ويقول المصدر إن "الانتقالي" وجد نفسه في ورطة، مع غياب التجاوب الدولي حيال خطواته الأخيرة أو حتى مساعدته في الخروج من الأزمة، ومواجهة تردي الخدمات وانتشار الأوبئة وغيرها، بسبب عدم شرعية تحركه الأخير. ويشير إلى أن الأطراف الخارجية، من دول ومنظمات، حذرة في التعامل مع "الانتقالي" عقب تحركه الأخير في عدن، يُضاف إلى ذلك وقوع الإمارات في مأزق بين دعم تحركات "الانتقالي" وبين التحسب لردة فعل الشرعية حيال دورها على المستوى الدولي. بالتالي يرى المصدر أن تراجع "الانتقالي" عن إعلان "الإدارة الذاتية" يجب أن يكون "نتيجة شعور بالمسؤولية، والتخلي عن الغرور، وعدم ترك مصير الناس لمافيا النهب والمصالح الشخصية، حتى لا ينهي نفسه بنفسه، لأن وباء كورونا قادر على إنهاء الانتقالي إلى الأبد، خصوصاً أن هذا التخلي الخارجي في التعاطي معنا بمثابة عقاب غير مباشر".


ولا يوجد ما يوحي بوجود استعداد لدى "المجلس" للتراجع خطوة إلى الوراء، إذ أصدرت الإدارة العامة للشؤون الخارجية فيه بياناً بررت فيه القرارات الأخيرة، مدعية أن هدفها "حماية المدنيين واستعادة وإدارة مرافق ومؤسسات الدولة". وجاء في البيان "كمجلس انتقالي، نحن مسؤولون عن مواطني الجنوب وعن سلامتهم وحمايتهم، وكذلك حماية السكان المتواجدين في الجنوب من المناطق الأخرى. لذلك نحن ملتزمون، في الظروف الحالية، بالتدخل لضمان الاستقرار والسلامة والرفاه الإنساني للجنوب، ولقد وجهنا جهودنا ومواردنا لهذه المهمة".

ويسود اعتقاد واسع في عدن ومناطق الجنوب، سواء لدى أطراف سياسية أو سلطات محلية ومنظمات المجتمع المدني، أن "المجلس" في ورطة وأن الظروف في عدن أصبحت كارثية، بعد توقف مؤسسات الدولة الرسمية عن العمل عقب وضع "الانتقالي" يده عليها وتعرّضها للنهب من قبل قادة مليشيات في عدن، وبالتالي فإن قدرته على حلحلة الأوضاع شبه منعدمة تماماً والخيار الوحيد لديه هو التراجع لمصلحة الناس.

كما تنتقد مصادر في السلطة المحلية في عدن في حديث لـ"العربي الجديد" الإجراءات التي أعلنها "المجلس" بعد تفشي كورونا، واصفة إياها بـ"خطوات عسكرية وأمنية وليست صحية" خصوصاً بعد إعلان حظر التجول ثم رفعه. وتلفت إلى أن "الانتقالي" لم يقدم أي حلول أو معالجات لمنع موت كثر جرّاء انتشار الأوبئة القاتلة، خصوصاً أن المستشفيات أغلقت أبوابها أمام المرضى والمصابين. كما هرب مئات الأطباء والممرضين في كل المستشفيات الحكومية والخاصة في عدن، بسبب انعدام وسائل السلامة فيها من جهة، وعدم وجود أي استعدادات لمواجهة هذه الأوبئة من جهة أخرى، حتى أن ما تم توفيره من سيارات وبعض المعدات الطبية والمساعدات، تم نهبها مع تحرك "الانتقالي" الأخير.

ويرى عدد من المواطنين أن قرارات "المجلس الانتقالي"، بما في ذلك فرض حظر تجول، بمثابة وباء آخر يقتل الناس بشكل جماعي. فقرار إغلاق كل مؤسسات الدولة والأسواق ومنع الناس من الدخول والخروج، هو قرار قاتل، لأن الناس في عدن سيجوعون جراء هذه الإجراءات. في هذا الإطار، يعتبر رئيس إحدى المنظمات الحقوقية في عدن، أن كل ما يجري يهدف لمنع الناس عن معالجة مرضاهم من الأوبئة ودفعهم إلى مواجهة الموت بنفسها داخل المنازل والبيوت، وكل ذلك مفروض بقوة السلاح بعيداً عن أعين الجهات الدولية والإعلام.