سياسة "التعفيش" الممنهج للنظام السوري: إدلب آخر الضحايا

06 ابريل 2020
تهدد عمليات النهب عودة النازحين (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
لم ينتظر السوريون التقرير الصادر عن منظمة "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، حول عمليات النهب الواسعة التي تقوم بها قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية في إدلب وما حولها، حتى يتأكدوا من حقيقة هذه السياسة المُمنهجة، والتي اعتمدتها قوات النظام والمليشيات الرديفة لها، منذ بدئها عمليات اقتحام المدن والبلدات لوأد الحراك المناهض للنظام. وهذه السياسة لها جذورها في تاريخ جرائم النظام السوري، لا سيما خلال أحداث الثمانينيات، عبر عمليات النهب الكبيرة التي طاولت مدينة حماة وأحياء من مدينة حلب، بالإضافة إلى قرى وبلدات في ريف إدلب، علاوةً عن معاناة اللبنانيين من عمليات النهب والسرقة من قبل تلك القوات خلال احتلالها للبنان، طيلة 30 عاماً.

وتشكل سياسة النهب و"التعفيش"، كما بات يطلق عليها السوريون، مصدراً اقتصادياً هاماً لقوات النظام منذ اندلاع الثورة ومحاولات وأدها في المناطق الثائرة على حكمه بدايةً من عام 2011، وتعتبر وسيلة إرضاء ومكافأة للضباط الذين لا يزالون يساندونه، لحضّهم على المشاركة والاستبسال في العمليات القتالية، لا سيما منذ العام 2015 بعد التدخل الروسي في سورية.

وأشارت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، في تقريرها، إلى أن عمليات النهب الواسعة التي تقوم بها قوات النظام والمليشيات الإيرانية في إدلب وما حولها، تُهدد عودة النازحين وتزرع الأحقاد الدينية. وسجَّل التقرير عمليات نهبٍ لقرابة 30 منطقة، منذ إبريل/نيسان 2019 وحتى الآن، ما يُشكّل جريمة حرب.

كذلك استعرض التقرير عمليات نهبٍ قامت بها قوات النظام والمليشيات المحلية والإيرانية، لمحتويات منازل تركها أهلها وهربوا خوفاً من تلك القوات منذ إبريل 2019 في المناطق التي استعاد النظام السيطرة عليها، وكذلك منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي. ويأتي التقرير، بحسب المنظمة، على أنه جزءٌ من ورشة توثيق وتقرير أوسع يتم العمل عليها، عن عمليات السيطرة على المنازل التي تركها أهلها وتشردوا في مناطق متعددة من سورية.

وذكر التقرير الذي جاء في 11 صفحة، أن ما يزيد على 98 في المائة من المواطنين السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، يهربون منها عند تقدّم قوات النظام والمليشيات الإيرانية نحوها، على الرغم من موجات البرد القارس، وعدم توفر الخيام والمقومات الأساسية للحياة، لأن كل الصعوبات والتحديات التي سوف يلاقونها هي أقل ضرراً بكثير من الوقوع في قبضة النظام وحلفائه.

وأكد التقرير أن عمليات النهب الواسعة التي وقعت، لا يمكن أن تتم بمعزل أو من دون انتباه قادة جيش النظام والقوات الروسية، مشيراً إلى أن هذا النهب هو جزء من الدخل الشهري لقوات النظام والإيرانيين والروس. ولهذا، بحسب التقرير، يتم التغاضي عن هذه الممارسات الممنهجة على هذا النحو الصارخ، إذ تبلغ عمليات النهب حدَّ تفكيك النوافذ والأبواب وتجهيزات الصرف الصحي وأسلاك الكهرباء، والغالبية العظمى من جيش النظام من أعلى القيادات وحتى العناصر على علم بها. وذكر التقرير كذلك، أن عمليات بيع الممتلكات تحدث بشكل علني في مناطق يسيطر عليها النظام وحليفاه الإيراني والروسي، وتظهر في هذه الأسواق كميات من المفروشات وتجهيزات كهربائية، وأدوات زراعية، وماشية.


ورصدت "العربي الجديد" في أوقات متفرقة، قيام مجموعات تابعة للنظام أو المليشيات المتحالفة مع قواته، وهي تقوم بعمليات النهب الممنهج هذه، أو "التعفيش"، في كل المدن والبلدات التي دخلت إليها، لا سيما بعد معارك قضم المناطق في إدلب وما حولها، أو "منطقة خفض التصعيد"، التي تضم كامل محافظة إدلب وأجزاء من أرياف حماة الغربي والشمالي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي. وفي مقدمة تلك المجموعات، "الفرقة 25-مهام خاصة"، التي شكلتها روسيا تحت مسمى "قوات النمر" سابقاً، والتي يقودها العميد في الاستخبارات الجوية التابعة للنظام سهيل الحسن، الذي يعتبر الشخصية العسكرية الأولى المدعومة من روسيا داخل النظام، بالإضافة إلى مجموعات أخرى، سواء من المليشيات الإيرانية أو قوات النظام.

وأظهرت صورٌ ومقاطع مصورة، جنوداً من قوات النظام أو المليشيات المساندة لها أثناء قيامهم بعمليات "التعفيش"، في الكثير من البلدات، من دون توارٍ أو خوف، ما يشير إلى قوننة هذه السياسة "عرفياً". وتظهر الصور والمقاطع، إلى جانب الجنود، تلالاً من الأواني المنزلية والأبواب والنوافذ والبقايا المعدنية، تجهيزاً لتحميلها بعد تفكيكها في الكثير من المدن والبلدات. إلا أن مقطعاً مصوراً تمّ التقاطه أخيراً من قبل جنود النظام في مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب، والتي سيطر عليها النظام في أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أظهر قيام هذه القوات بحفر الطرقات، وتفكيك شبكات تمديد المياه والكهرباء والصرف الصحي وشبكات الاتصالات ونهبها، بالإضافة إلى عواميد الإنارة والتمديدات السلكية الخارجية، ما يشير إلى عدم اقتصارهم على نهب الممتلكات الخاصة، بل العامة كذلك.

وتشير المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر متفرقة، إلى أن عمليات "التعفيش"، تم تقسيمها بين الضباط المتنفذين، في مرحلة ما قبل بدء العمليات، على أن يعطى كل قطاع إلى ضابط أو قيادي متنفذ كمكافأة على دخوله مع جنوده إليه، ويقوم هذا الضابط بتقسيم القطاع بحسب المدن والقرى بين الضباط أو متزعمي المليشيات الذين تحت أمرته، لتسهيل عملية "التعفيش" وتنظيمها. وإثر ذلك، تبدأ عمليات التفكيك وتفريغ المنازل والمحال التجارية بعد الاستيلاء على المدينة أو القرية، تمهيداً لنقل المحتويات إلى أسواق متخصصة، أو تسليمها لمتعهدين مختصين، ولا سيما المنهوبات من مواد الحديد والألمنيوم والنحاس، لقاء مبالغ مالية كبيرة.

وبحسب المعلومات، فإن هذه المنهوبات، ولا سيما المعادن، يتم تجميعها في نقاط محددة، وجميعها داخل مناطق الحاضنة الشعبية للنظام، ومنها قرى في ريف حماة الغربي، في مقدمتها قرية سلحب، ومناطق في ريف ومدينة اللاذقية. كما تعتبر مدينتا السقلبية ومحردة في ريف حماة، مركزين هامين لتجميع تلك المنهوبات، قبل بيعها في السوق السوداء.

أما المنهوبات الفردية من قبل العناصر، فبات لها أسواق مخصصة في مناطق الحاضنة الشعبية للنظام، أو حتى داخل بعض الأحياء في المدن الكبيرة ولا سيما في حمص ودمشق. وتحتوي هذه الأسواق، على أثاث وأدوات كهربائية مختلفة وأوان منزلية، وغيرها من المنهوبات التي تلزم للاستعمال المنزلي.

وفي هذا الإطار، يقول أسامة الحسين، الرئيس السابق للمجلس المحلي لمدينة سراقب، الواقعة وسط محافظة إدلب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مقاتلي المعارضة، وبعد إعادة سيطرتهم على مدينة سراقب، بعد حوالي 20 يوماً من دخول النظام إليها في فبراير/شباط الماضي، رصدوا لجوء المليشيات إلى فرز المنهوبات بحسب النوع. الأواني المنزلية من معدن الألومنيوم على حدة، والأبواب من الحديد على حدة، والنوافذ كل حسب معدنه، بالإضافة إلى أدوات الأثاث المنزلي، وتمّ تجميعها على شكل تلال داخل الأحياء والساحات، تمهيداً لتسليمها إلى المتعهدين أو نقلها إلى الأسواق. وحصل ذلك قبل دخول قوات المعارضة ومشاهدتها، إلا أن قوات النظام أعادت السيطرة على المدينة، بعد يومين من دخول المعارضة إليها". وأشار الحسين إلى أن مدينة سراقب بالكامل، عُهد بمنهوباتها إلى أحد المتعهدين بقيمة 300 ألف دولار، بحسب المعلومات.

المساهمون