وأعلن البنتاغون، الأربعاء الماضي، أن وزير الدفاع مارك إسبر، جمّد لمدة شهرين كلّ تنقلات العسكريين والمدنيين الأميركيين حول العالم، بما فيها عمليات إرسال الجنود إلى مناطق القتال أو إعادتهم إلى وطنهم، وذلك في إطار مساعي وزارة الدفاع لكبح انتشار وباء كورونا وسط الجنود. وأوضح أن التجميد يشمل أيضاً أفراد أسر هؤلاء الموظفين إذا كانوا يعيشون معهم في الخارج.
وأوضح بيان البنتاغون أنّ قرار التجميد، الذي سيسري على نحو 900 ألف عنصر في القوات المسلّحة الأميركية منتشرين في الخارج، "سيكون له أثر على عمليات التدريب والانتشار وإعادة الانتشار وتحركات أخرى للقوات"، لكنه أوضح أن من غير المتوقّع أن يكون لهذا القرار تأثير بانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، الذي من المفترض أن يكتمل بعد 135 يوماً من توقيع الاتفاق مع حركة "طالبان" في الدوحة في 29 فبراير/شباط الماضي.
وأحصت وزارة الدفاع الأميركية، حتى الأربعاء الماضي، 435 إصابة بالفيروس في صفوف موظفيها العسكريين والمدنيين وأفراد أسرهم والمتعاقدين معها، فيما توفي متعاقد واحد. وأعلنت البحرية الأميركية، من جهتها، تسجيل ثلاث إصابات بالفيروس على متن حاملة الطائرات "يو إس إس ثيودور روزفلت" التي تبحر في المحيط الهادئ، في أول عدوى تسجّل على متن سفينة حربية أميركية. وأوضحت أنّها أجلت المصابين الثلاثة ووضعت كل من خالطهم في الحجر الصحي. وهناك نحو 5 آلاف عنصر من قوات البحرية على متن حاملة الطائرات. وأعلن البنتاغون أيضاً ثبوت إصابة ضابط من مشاة البحرية داخل مبنى وزارة الدفاع بالفيروس. وقال مسؤول في البنتاغون إن آخر مرة وُجد فيها الضابط في البنتاغون كانت في 13 مارس/ آذار الحالي، موضحاً أن الضابط يعمل في مكتب الخطط والسياسات والعمليات في مقر مشاة البحرية. وهو أول العسكريين في البنتاغون الذين تثبت إصابتهم بالفيروس.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن المسؤولين في البنتاغون يحاولون تقرير الدور الذي سيقوم به الجيش الأميركي في حماية البلاد من عدو جديد داخلي، في الوقت الذي ينتشر فيه الوباء في صفوف عناصره. ولأكثر من 18 سنة، عُرِّف الجيش الأميركي على أنه ذراع واشنطن لشنّ حروب في الخارج، عبر مداورة مئات الآلاف من الجنود بالانتشار في مناطق ساخنة، وشنّ حروب فيها. لكن الكثير من القيادات، العسكرية والمدنية، في البنتاغون، والذين تمرسوا في الحروب، يحاولون الآن إيجاد جواب لسؤال واحد: ما دور الجيش الأميركي في حماية البلد من عدو فتاك داخل حدود الولايات المتحدة الأميركية؟
وأشارت الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي يعتبر فيه بعض المسؤولين العسكريين أنه يمكن وزارة الدفاع الاستعداد لجميع الاحتمالات، من إمكانية اندلاع حرب مع الصين وروسيا، وقتال تنظيم "داعش"، وإرسال مستشفيات ميدانية إلى سياتل ونيويورك، فإن تصرفات المسؤولين في وزارة الدفاع تظهر عكس ذلك، إذ لا يزال القادة الكبار يدرسون كيفية الموازنة بين حماية الأميركيين في الداخل مقابل الاستعداد لشنّ حرب في الخارج إذا أمروا بذلك. وقال حاكم نيويورك أندرو كومو: "الرئيس (دونالد ترامب) قال إنها حرب" ضد الفيروس، مضيفاً: "علينا اتخاذ قرارات على أنها حرب".
كذلك تزايدت أعداد المطالبين للجيش الأميركي بتقديم مساعدة، إذ ظهر الكثير من حكام الولايات والبلديات، في مدن أصابها الفيروس، على شاشات التلفزة لدعوة وزارة الدفاع إلى مساعدتهم. وقال محافظ نيويورك بيل دي بلاسيو، على شاشة "أن بي سي" الأحد الماضي، إن "لدى الجيش قدرة طبية ضخمة مخصصة لوقت الحروب. يمكنهم تولي أي وضع. يجب إرسال كل الطاقم الطبي إلى مناطق تتعرض لأزمة كبيرة، مثل نيويورك، فوراً". يشار إلى أن القوات المسلحة يمكنها إقامة مراكز قيادة، ونقل الأطباء والممرضين والمواد الطبية بسرعة داخل البلد. وكان رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارك ميلي، قد أعلن أن الجيش نقل مستشفيين عسكريين ميدانيين إلى نيويورك وسياتل، ما يرفع قدرة كل مدينة على الاهتمام بنحو 250 مريضاً إضافياً، مشيراً إلى أنه جُهِّزَت مستشفيات حربية نقالة، على أن تُنشَر في المناطق المنكوبة قريباً.
لكن بعض النقاد اعتبروا أن هذا الأمر غير كافٍ، وهو لا يمثل ما يجب أن يكون عليه أحد أقوى الجيوش في العالم، وما يمكن أن يقوم به. وقال الجنرال المتقاعد بول أيتون، لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن البنتاغون "خسر وقتاً ثميناً في ما يخص التخطيط لرد حربي"، معتبراً أن على البنتاغون الآن "فتح المجال أمام المخططين العسكريين لإيجاد خطة رد واسع، من أجل التأكد من أن تحصل كل منطقة على حاجاتها، من دون الضغط على الموارد" في البلد. وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش لم يهبّ إلى الجبهات الأمامية لمحاربة الفيروس لأسباب عديدة، إذ إن على ترامب أولاً فتح المجال بشكل أوسع أمامه للتدخل، كذلك فإن المسؤولين في البنتاغون يفطنون إلى ما سيكون عليه ردّ الفعل لمشاهدة قوات عسكرية تسير في المدن الأميركية، خصوصاً بعد انتشار شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي عن أحكام عرفية. وأوضحت أن عملية رد كل ولاية على انتشار كورونا رفعت من الدور الذي يقوم به الحرس الوطني.
وكالة "بلومبيرغ" الأميركية أشارت، من جهتها، إلى أن البنتاغون، في إطار رده على انتشار الفيروس، رفع من نسبة الدفعات إلى الشركات الدفاعية، الكبيرة والصغيرة، من أجل الإبقاء على السيولة في السوق. وأوضحت أن القرار اتخذ بعد وفاة متعاقد جراء إصابته بالفيروس السبت الماضي، بحسب البنتاغون، الذي أشار إلى أنه كان يعمل لدى وكالة التعاون الدفاعي والعسكري في فرجينيا. وقال المتحدث باسم البنتاغون مايك أندروز، إن مكتب التعاقدات والتثمين أصدر مذكرة الجمعة الماضي تشير إلى رفع نسبة الدفع من 80 إلى 90 في المائة للمؤسسات الكبيرة، ومن 90 إلى 95 في المائة للمؤسسات الصغيرة. وأوضح أن هذا الأمر مهم من أجل تحسين مستوى السيولة، وتسريع عملية الدفع من قبل المتعاقدين الرئيسيين إلى المقاولين الفرعيين. وفيما أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة خطة "تاريخية" بقيمة ألفي مليار دولار لدعم أكبر اقتصاد في العالم في مواجهة التداعيات الكارثية لجائحة كورونا، أشارت صحيفة "ذا هيل" الأميركية إلى أن الصفقة تتضمن بنداً يمنع البنتاغون من تحويل الأموال المخصصة لمحاربة فيروس كورونا لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك.