تاريخ حفتر يعيد نفسه في ليبيا: طبول الحرب تُقرع مجدداً

15 فبراير 2020
ظهر حفتر في مشهد احتفالي وسط بنغازي(عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -
لا تكاد الأحداث في ليبيا تختلف عن بعضها منذ بروز اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بمشروعه العسكري الهادف للسيطرة على البلاد في فبراير/شباط 2014؛ وفي آخر فصول تشابهها القريب، إعلانه، أمس الجمعة، وسط تظاهرة لأنصاره في بنغازي، رفضه لقرارات الأمم المتحدة بشأن تمكين البلاد من حلّ أزمتها سياسياً، ما يعني قرب انقلابه على مخرجات اتفاق برلين ذي المسارات الثلاثة، كما انقلب العام الماضي على جهود الأمم المتحدة التي كانت على وشك تتويجها بملتقى غدامس منتصف أبريل/ نيسان.

وظهر حفتر في مشهد احتفالي وسط بنغازي، في استنساخ واضح لشخصية ومظاهر رفيقه القديم معمّر القذافي، وهو يعلن أن "لا رجوع عن بلوغ الهدف، ولن نتوقف حتى السيطرة على طرابلس"، مؤكداً أن قواته "اليوم على تخوم قلب العاصمة طرابلس، وقاب قوسين أو أدنى من السيطرة عليها". وهذا الظهور بعد اختفاء دام لأشهر، من دون أن يعلّق بشكل شخصي وعلني على أي حدث من الأحداث الماضية، بدءاً من مفاوضات التوقيع على وقف إطلاق النار في موسكو، وانتهاءً بقمة برلين، يعني جدية قراره، بل رفضه لكلّ ما مرّ من مساعٍ دولية وأممية لوقف الحرب في ليبيا، ما يدفع للسؤال ما إذا كان رفضه هذا إعلاناً لبداية حرب جديدة.

وكشف تطابق شهادات مصادر عسكرية وبرلمانية مقربة من حفتر لـ"العربي الجديد"، عن انتقال قيادة حفتر من تحشيد الأسلحة والمقاتلين، إلى مناقشة خطط لها علاقة بميدان المعركة.
وقال أحد تلك المصادر إن "توزيع المواقع في محاور القتال، خصوصاً في محيط أبوقرين شرق مصراته بدأ فعلياً"، لكن معلومات المصادر لم تتوفر على موعد معين لاستئناف حفتر القتال.
ويستذكر عقيلة الأطرش، الناشط السياسي الليبي المهجر من بنغازي، المتابع عن قرب لسياسات ومواقف حفتر، طريقة تعاطي الأخير مع جهود المبعوث الأممي غسان سلامة، إبان تحضيره لعقد ملتقى يجمع كل الأطياف الليبية السياسية والمجتمعية في غدامس، لإنتاج حلّ سياسي توافقي ينهي فترات الانتقال في ليبيا، ويفضي إلى انتخابات برلمانية ورئاسية، ويعتمد الدستور الدائم في البلاد. ويقول إن "حفتر تعاطى بمرونة كبيرة مع تلك الجهود، لكنه كان في ذات الوقت يكمل اكتساح الجنوب الليبي، وينقل عتاده وجنوده إلى مناطق جديدة في غرب البلاد، من دون أن يعلن عن نواياه"، مشيراً إلى أن المناخ السياسي في ذلك الوقت كان يتعاطى بكليته مع جهود سلامة، وكان هناك اهتمام دولي كبير بالحدث، سيما وأن حفتر أبدى ليونة كبيرة.
ويتابع الأطرش، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حفتر يكرّر التاريخ، فكل التعاطي الذي أبداه في موسكو وبرلين، يشبه بشكل كبير مرونته السابقة قبيل انعقاد متلقى غدامس"، مرجحاً أن إعلان حفتر في بنغازي رفضه الصريح لقرارات المجتمع الدولي، يعني أنه أصبح على أهبة الاستعداد للتصعيد.
ويرى أن توقيت إعلان حفتر رفضه لقرارات مجلس الأمن، قبل ساعات من اجتماع ميونخ للجنة وزارية لمتابعة قرارات برلين، "يشبه إلى حدّ كبير إعلانه رفض إطلاق ملتقى جامع في غدامس، في وقت كان الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس في طرابلس، للوقوف على الاستعدادات النهائية لإطلاقه".
ويُعقد في ميونخ، اليوم السبت، اجتماع لجنة المتابعة الوزارية لقرارات مؤتمر برلين، لمناقشة تطبيق وقف إطلاق النار في ليبيا وحظر الأسلحة.
ولم يصدر أي موقف رسمي من جانب حكومة الوفاق حتى الآن، من إعلان حفتر رفضه لقرار مجلس الأمن، لكنّ وزير داخلية حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، عبّر في تصريح، أمس الجمعة، لصحيفة "ديلي تلغراف"، عن يأسه من التوصل إلى حلّ مع حفتر، قائلاً إن "الحرب في ليبيا لن تنتهي إلا بموته".
وكانت عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق قد أكدت، عبر صفحتها الرسمية، في مناسبات قريبة، وصول عدد الرحلات الجوية التي تقلّ أسلحة وعتاداً عسكرياً لحفتر من قاعدة الظفرة في الإمارات إلى الخادم شرق البلاد، إلى 40 رحلة في الفترة بين 12 يناير/ كانون الثاني، وحتى الأسبوع الماضي، فيما قال موقع "انتلجنس أونلاين"، الاستخباراتي الفرنسي، في تقرير له الأسبوع قبل الماضي، إن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد زوّد خليفة حفتر خلال أسبوعين بثلاثة آلاف طن من المعدات العسكرية، مؤكداً أن ما زوده به في هذه الفترة يعادل الدعم الذي قدمه خلال عام كامل، مقابل ترجيح أوساط ليبية أن يكون وصول دعم عسكري تركي لقوات حكومة الوفاق، منها دفاعات جوية، السبب في اختفاء الطيران المسيّر والحربي من سماء طرابلس في الآونة الأخيرة.
ويرى الأطرش أن فشل الجولة الأولى لمحادثات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في جنيف له علاقة بسياسة حفتر التي ينحو فيها باتجاه المرونة لكسب الوقت، استعداداً لمعركة وشيكة، فـ"رفض ممثلي حفتر للخروج من الأحياء الجنوبية لطرابلس في الجولة الأولى، يعني عدم رغبة حفتر في السلام وإنهاء الحرب"، بحسب الأطرش، خصوصاً وأن المتحدث باسمه، أحمد المسماري، كان طيلة الوقت يؤكد أن "لا حوار إلا بالبندقية والرصاص".
وعن موقف المجتمع الدولي، ومصير قرار مجلس الأمن القاضي بوقف إطلاق النار، الأربعاء الماضي، يرى الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، أن القرار كان فقط لدعم المحادثات العسكرية في جنيف التي أظهرت فشلاً واضحاً منذ الجولة الأولى، فـ "البعثة لا ترغب في فشل جهودها من اللحظة الأولى، ولذلك أعلنت عن جولة جديدة ستكون يوم الثلاثاء المقبل"، لافتاً إلى أنّ يوم الثلاثاء المقبل سيبيّن بشكل واضح عن نية حفتر.
ويتابع البرق حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن "خطاب حفتر بالأمس لم يكن واضحاً بشكل كافٍ، ولكن إذا رفض إرسال ممثليه الثلاثاء المقبل لجنيف، فهذا يعني رفضاً صريحاً"، مرجحاً أن تكون عودة نشاط حفتر مجدداً وخروجه الجديد، قد جاءا لاستثمار الموقف الروسي المتحفظ على صدور قرار مجلس الأمن الأربعاء الماضي.
ولا يرى البرق في قرار مجلس الأمن إجماعاً، فـ"لا يزال المجتمع الدولي منقسماً بشأن ليبيا، وعلى عكس ما فهم المراقبون، فإنّ القرار مع تحفظ روسيا، أعطى مجالاً جديداً لحركة حفتر بحرية، ولو نسبياً".

وإثر عرقلة روسيا لمشروع قرار تقدمت به بريطانيا لمجلس الأمن، الأربعاء ما قبل الماضي، لوقف القتال وعودة المرتزقة المقاتلين إلى ديارهم، احتدم نقاش وجدل طويلان في ردهات مجلس الأمن، بحسب تقارير بعض الصحف العالمية، بسبب تحفظ روسيا على صياغة البند المتعلق بالمقاتلين الأجانب في ليبيا، ما اعتبرته أوساط تحفظاً روسياً له علاقة بمقاتلي شركة "الفاغنر" الموجودين في صفوف حفتر في محيط طرابلس.

ولقاء تصريحات مسؤولي الخارجية الأميركية أمام مجلس الشيوخ، الخميس الماضي، المستنكرة للتدخل الروسي، والمطالبة بضرورة وقفه واتخاذ مواقف صريحة منه، يرجح البرق أن تخفت كل الأصوات الأخرى، مقابل ارتفاع جدل روسي أميركي بشأن الملف الليبي، مؤكداً أنه "لن يكون من الممكن تكهن الجديد في الملف الليبي وقتها، خصوصاً إذا أقدم حفتر على إطلاق عملية عسكرية يستعدّ لها حالياً"، وهو سيناريو سيؤجل مسارات الحل الثلاثة وكل الجهود الدولية، بحسب البرق.
المساهمون