فشل مفاوضات إدلب ينبئ باشتعال الجبهات

10 فبراير 2020
مسلحون من المعارضة في قميناس(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
يفتح فشل الاجتماع الطارئ، وهو الثاني من نوعه بين مسؤولين روس وأتراك خلال يومين، في أنقرة، بشأن إدلب، الباب أمام سيناريو اندلاع مواجهة مباشرة بين القوات التركية وقوات النظام، وهو ما بانت ملامحه اليوم الإثنين، عبر تبادل القصف المدفعي الذي أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الجنود الأتراك، فضلاً عن تهديدات روسية بـ"سحق إدلب بدءاً من جسر الشغور".

وكان الطرفان الروسي والتركي قد استبقا الاجتماع بتوجيه رسائل عسكرية لبعضهما لبعض، إذ سقط قتلى وجرحى من الجيش التركي في قصف لقوات النظام، التي واصلت التقدم في المنطقة، وسيطرت على مناطق جديدة في ريف حلب الغربي، فيما كانت المدفعية التركية تمهد الطريق أمام قوات مسلحة من المعارضة السورية لاسترداد مدينة سراقب وقرية النيرب القريبة منها. في هذا الوقت، تتجه واشنطن إلى الدخول على الخط، إذ أفادت وسائل إعلام تركية بأن المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري يبدأ، الأربعاء، زيارة إلى أنقرة، ضمن إطار الحراك الدبلوماسي حول التطورات في إدلب. وتعتبر هذه الزيارة الثانية لجيفري خلال فترة وجيزة، إذ زار أنقرة قبل أسابيع، حيث تم بحث التطورات في إدلب. كما عاد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، اليوم الاثنين، ليعرض استعداد طهران للتوسط بين أنقرة والنظام السوري، معتبراً أن "تصعيد التوترات لا يخدم سوى مصالح الإرهابيين ورعاتهم".

وأكدت مصادر تركية وأخرى في المعارضة السورية لـ"العربي الجديد"،  فشل الاجتماع الثاني. وقال مصدر تركي مطلع لـ"العربي الجديد"، أن اجتماع اليوم الاثنين، باء بالفشل ولم يحقق أي اتفاق بين الطرفين، بعد تعنت الأطراف بالمطالب المقدمة، خصوصاً روسيا. ولفت إلى أن "الوصول إلى طريق مسدود يستدعي إجراء اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، اليوم، أو غداً (الثلاثاء)، للنظر في طريقة حلحلة المشاكل المستعصية". وبحسب المصدر، فإن تركيا، ومن خلال الجهود الأخيرة، ستعطي الفرصة الأخيرة قبل انطلاق العملية العسكرية وإعلان الحرب على النظام، بعدما رفض الروس انسحاب النظام من المناطق والنقاط التي تقدم إليها أخيراً على الطرق الدولية والبلدات المحيطة بها.

كما أكد المصدر أن روسيا ردت على تهديدات تركيا ببدء عملية عسكرية ضد النظام، عبر مطالبة أنقرة بتطبيق اتفاق أضنة الذي يعطيها الحق بالتوغل في الأراضي السورية ضمن حدود تراوح بين 5 و10 كيلومترات، فضلاً عن تهديد موسكو بـ"شن حرب على إدلب وسحقها، بدءاً من مدينة جسر الشغور". واعتبر المصدر أن الموقف الروسي هو تهديد لرفع سقف التفاوض، ولا يمكن الوصول إلى هذه المرحلة، إذ يُنتظر أن تلجأ تركيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" في حال تدهورت الأمور، خصوصاً أن أنقرة تنتظر زيارة المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري الأربعاء. وأكد المصدر أنه إلى حين تبلور كل هذه الأمور والحراك الدبلوماسي، فإن تركيا ستواصل دعم فصائل المعارضة السورية بهدف إنهاك النظام واستهدافه قبيل إعلان الحرب في حال فشلت الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق. وهو ما يتوافق مع إعلان القوات التركية، اليوم، أنها تقصف مواقع قوات النظام السوري بشكل مكثف وبدون انقطاع رداً على الهجوم في إدلب.

وفي سياق متصل، قال مصدر عسكري من المعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، إن "الجانب التركي أصر، خلال الاجتماع الذي دام أكثر من أربع ساعات، على تطبيق مخرجات سوتشي بالكامل، وبالتالي انسحاب قوات النظام من كافة المدن والبلدات التي دخلتها". وأوضح أن "الوفد الروسي رفض هذا الأمر، لكنه أبدى ليونة للانسحاب من بعض المناطق"، معرباً عن اعتقاده بأن سراقب ومحيطها قد تكون من بينها. وأوضح المصدر أن "الأتراك أبلغوا الجانب الروسي بأنهم سيطبقون اتفاق سوتشي بحدوده الجغرافية، ما يعني استمرار تركيا بالتصعيد والتحضير لعملية عسكرية وشيكة، وبالمقابل أبلغ الروس نظراءهم الأتراك بأنهم ماضون بالعمليات العسكرية حتى تطهير المنطقة من الإرهاب".



وكانت مصادر دبلوماسية تركية قد ذكرت أن الوفد التركي ترأسه مساعد وزير الخارجية سادات أونال، بينما ترأس الوفد الروسي نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف. وكان مصدر في المعارضة السورية قد كشف، لـ"العربي الجديد"، أن الوفد الروسي قدم في مباحثات السبت الماضي، خريطة جديدة لـ"منطقة خفض التصعيد"، تمتد من الحدود التركية – السورية وحتى عمق 30 كيلومتراً، إلا أنّ الجانب التركي رفض الخريطة والطرح الروسي بالمطلق. وبحسب المصدر، فإنّ الروس أصرّوا أيضاً على استكمال العمليات العسكرية حتى السيطرة على كامل الطريقين الدوليين حلب – اللاذقية "إم 4"، وحلب – دمشق "إم 5"، والإبقاء على كل المدن والبلدات التي دخلتها قوات النظام على جانبي الطريقين تحت سيطرته. ولفت المصدر إلى أنّ الوفد التركي أصرّ على انسحاب قوات النظام السوري والمليشيات التي تساندها، إلى ما وراء النقاط التركية، تطبيقاً لاتفاق سوتشي دون قبول التفاوض على أقل من ذلك.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، اليوم الإثنين، إن "الجانب المهم بالنسبة لتركيا، هو وقف إطلاق النار في إدلب وإتاحة الفرصة لعودة النازحين إلى ديارهم". وأضاف "لو تم التوصل إلى اتفاق في الاجتماع الماضي مع الوفد الروسي حول إدلب، لما كانت هناك حاجة لاجتماع اليوم"، مشيراً، في الوقت ذاته، إلى أنه "جرى تبادل وجهات النظر، وعرض مقترحات خلال اجتماع السبت بين الوفدين التركي والروسي". وتابع أن "الرئيس (التركي) رجب طيب أردوغان أكد مراراً لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، أن تركيا ستتخذ تدابير في حال استمر النظام السوري بهجماته. كما أبلغت نظيري سيرغي لافروف بذلك". وشدد على "استحالة الحديث عن المسار السياسي وتفعيل عمل لجنة صياغة الدستور، في ظل استمرار هجمات النظام السوري وتهجير المدنيين وقتلهم". ولفت إلى احتمال عقد لقاء بين أردوغان وبوتين في حال فشل اجتماع الوفدين في التوصل إلى اتفاق بشأن الأوضاع في إدلب. لكن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أشار إلى أنه لا خطة لعقد لقاء بين أردوغان وبوتين، مشيراً إلى أنه سيتم عقد اجتماع إذا استدعت الحاجة ذلك، وقال "ما زلنا قلقين من الوضع في إدلب".

وتعقيباً على هجوم المعارضة على سراقب والنيرب وفتح خطوط الجبهة مجدداً، قالت مصادر في وزارة الخارجية التركية إن "هذا الهجوم لا يعتبر هجوماً للجيش التركي بعد، بل مجرد دعم لفصائل المعارضة، وإنه يأتي ضمن إطار التشدد في المفاوضات مع الجانب الروسي، وإيصال رسائل ميدانية وسياسية في الوقت ذاته خلال المفاوضات". وأشارت المصادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الوفد وصل إلى أنقرة على عجل، الليلة الماضية، بعد أن كان مقرراً وصوله في الأيام المقبلة". وأوضحت أن "الاجتماع يأتي في ظل تشدد تركي، بسبب الوضع المعقد والصعب ميدانياً في إدلب، وسط جدية كبيرة من الجانب التركي وحزم كبير". وأعلنت أنّ "العملية العسكرية، التي بدأت الاثنين، هي عبارة عن تقديم دعم عسكري للجبهة الوطنية، وتأتي ضمن إطار الضغوط التركية، والتشويش على المروحيات والطائرات التابعة للنظام ليس الأول من نوعه، فالتحرك العسكري هو للفصائل بدعم مدفعي فقط من تركيا". وبينت أن "كل ما يحدث الآن ميدانياً هو رسائل ضغط في الاجتماع، وستشمل المباحثات سراقب ومعرة النعمان والمناطق الأخيرة التي تقدم فيها النظام".

وسبق الاجتماع تبادل الروس والأتراك رسائل عسكرية في الشمال الغربي من سورية، حيث بدأت فصائل سورية عملية عسكرية في ريف إدلب، بالتزامن مع تقدم قوات النظام، بدعم جوي روسي، في ريف حلب الغربي. وأعلنت وزارة الدفاع التركية، في بيان، مقتل 5 جنود، وإصابة خمسة، في قصف مدفعي لقوات النظام على نقطة في مطار تفتناز. وأوضحت أن "القوات التركية قامت بالرد الفوري على مصادر النيران، ودمرت مواقع للنظام". وأعلنت وزارة الدفاع التركية، في بيان، أنها "حيدت" 101 من عناصر النظام السوري، ودمرت ثلاث دبابات ومدفعين، كما أصيبت مروحية جراء القصف. وقال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، في تغريدة، إنه "تم الرد بالمثل على الهجوم، ودُمرت مواقع العدو على الفور، وتم الانتقام لشهدائنا، ومجرم الحرب الذي أعطى أمر هذا الهجوم، لم يستهدف تركيا فحسب، بل استهدف المجتمع الدولي برمته". وأكد جاووش أوغلو، في تغريدة، أنه تم الرد على قوات النظام، مشدداً على أن "جيشنا سيواصل القيام بما يجب". وخلال الأسبوع الماضي كان سبعة جنود أتراك ومدني قد قتلوا في قصف لقوات النظام السوري.



ورغم الاجتماعات الروسية التركية للتوصل إلى حلول تجنب الشمال الغربي من سورية السيناريو الأسوأ، واصلت قوات النظام التقدم في ريفي حلب وإدلب، حيث سيطرت، بدعم جوي روسي، على قرية جدرايا، وتحاول اقتحام قرية معارة النعسان بريف إدلب الشرقي، وفق مصادر محلية أشارت إلى أن هذه القوات سيطرت أيضاً على قرية كفر حلب بريف حلب الغربي. وذكرت وكالة "سبوتنيك" الروسية أن قوات النظام "سيطرت على بلدات ميزناز وكفر حلب، جنوب شرق مدينة الأتارب، لتقطع بذلك الأوتوستراد السريع 60 الواصل بين مدينتي إدلب وحلب". كما ارتكب الطيران الروسي مجزرة في قرية أبين سمعان المكتظة بالنازحين، الواقعة بريف حلب الغربي، حيث قتل 9 مدنيين، جلهم أطفال ونساء، كما أصيب 20 شخصاً آخرين.

وأشارت شبكة "المحرر" الإعلامية، التابعة لـ"الجيش الوطني السوري" المعارض، اليوم الإثنين، إلى إطلاق فصائل المعارضة عملاً عسكرياً واسع النطاق لاستعادة مدينة سراقب وقرية النيرب القريبة منها، بدعم مباشر من الجيش التركي الذي نقل قوات ومعدات عسكرية ضخمة إلى الداخل السوري. وذكرت الشبكة أنه سبق العمل العسكري تمهيد مدفعي وصاروخي عنيف من قبل الجيش التركي. وقالت مصادر مطلعة من "الجبهة الوطنية للتحرير"، أكبر تجمع لفصائل المعارضة في إدلب، لـ"العربي الجديد"، إن قوات الأخيرة بدأت بمهاجمة قوات النظام في محور طليحة المشرفة، بعد تمهيد مدفعي مكثف مصدره القوات التركية المتمركزة في النقاط العسكرية التي أنشأها حديثاً في المنطقة في محور شرق إدلب. ووفق المصادر، فإن الهجوم يهدف إلى دحر قوات النظام في منطقتي النيرب وآفس، وهما المحوران المؤديان إلى مدينة سراقب، وطردها منهما يعني عودة المعارضة المسلحة إلى أطراف سراقب، كمقدمة للعودة إلى الطريق الدولي، بالإضافة إلى وقف تقدم النظام نحو مدينة إدلب. من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان، أن القوات التركية والفصائل نفذتا قصفاً صاروخياً مُكثفاً على مواقع قوات النظام في ريف إدلب الشرقي، مشيراً إلى أن عمليات الاستهداف تتركز على سراقب وقرى بريفها، وذلك بالتزامن مع تحركات للقوات التركية والفصائل انطلاقاً من بلدة النيرب.

وكان مصدر عسكري قد أكد لـ"العربي الجديد"، أن أنقرة طلبت، مساء الأحد، من فصيل "فيلق الشام"، التابع لـ"الجيش الوطني السوري"، استنفار قواته من أجل معركة محتملة ضد قوات النظام في إدلب. وأشار المصدر، المنضوي ضمن الفصيل الذي يتلقّى دعماً تركياً، إلى أن "الفيلق" حشد آلياته الثقيلة على محاور سراقب والنيرب وبلدة كفروما، شرق وجنوب مدينة إدلب. لكن قيادياً في فصائل المعارضة السورية أكد، لـ"العربي الجديد"، أن ما يجري في محيط مدينة سراقب "ضغط إعلامي على الجانب الروسي لإبداء مرونة في المفاوضات".

ونقلت وسائل إعلام روسية، اليوم الإثنين، عن مصدر عسكري في وزارة الدفاع التركية قوله إن الجيش التركي يواصل إرسال تعزيزات قد تكون مرتبطة بالتحضير لعملية عسكرية في محافظة إدلب. ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول تركي بارز قوله إن بلاده أرسلت تعزيزات كبيرة لقواتها في محافظة إدلب، مشدداً على أن أنقرة تستعد لكل السيناريوهات في المنطقة. وقال المسؤول إنه "تم إرسال دعم كبير، بالجنود والعتاد العسكري، إلى إدلب في الأسابيع القليلة الماضية"، موضحاً أن 300 مركبة دخلت المنطقة، السبت الماضي، ليصل العدد الإجمالي للتعزيزات إلى نحو ألف مركبة. لكن المسؤول لم يوضح بالتحديد عدد القوات التي تم نشرها، واصفاً إياها بـ"كبيرة الحجم". واتهم "النظام السوري بأنه ينتهك بدعم من روسيا كل الاتفاقات والمعاهدات"، مضيفاً "نحن مستعدون لأي شيء. وبالطبع كل الخيارات مطروحة على الطاولة".