وقبيل هذه العملية، كان الحوثيون قد شنّوا هجمات صاروخية استهدفت مدينة مأرب، أبرز معاقل الشرعية، وذلك تمهيداً للعملية العسكرية المعدة سلفاً. ومع هذا الهجوم والخسائر في صفوف قواتها، تداركت قيادة الشرعية الأمر، وأجرت تغييرات عسكرية سريعة، وحشدت القبائل في الجوف ومأرب وشبوة والبيضاء، وقواتها المتواجدة في مأرب، في الوقت الذي انتهجت فيه سياسة الحرب الإعلامية المضادة للتخفيف من حدة تداعيات شائعات الحوثيين المصاحبة لعملياتهم. وإثر ذلك، تمكّنت قوات الشرعية من استعادة العديد من المواقع التي كانت سقطت بيد خصومها، وفي مقدمها استعادة مفرق الجوف الذي يربط المحافظات الرئيسية الثلاث، صنعاء ومأرب وجوف، وهو يشهد حالياً أعنف المواجهات العسكرية.
مقابل ذلك، وعلى الرغم من أن قيادة الجيش التابع للشرعية أبلغت قيادة التحالف بعدم تدخّل الطيران لاستهداف الحوثيين بعد العملية العكسية لقواتها عقب اجتماع وزارة الدفاع وقيادة هيئة الأركان وقادة الألوية، والتي أكدت أنها ستتعامل مع المليشيات الحوثية ميدانياً، لكن أثناء سيطرة قواتها على مفرق الجوف، فوجئت بغارات يُعتقد أنها من قبل التحالف، استهدفت مفرق الجوف وقوات الشرعية، ما طرح تساؤلات واتهامات بين أنصار الشرعية وأنصار التحالف عن هذا الاستهداف وتداعياته.
في هذه الأجواء، تسعى الشرعية والحوثيون للحديث عن انتصارات حققها كل طرف على حساب الآخر، في ظل سيطرتهما على التغطية الإعلامية، فيما ينفي كل واحد منهما تلقيه هزائم. في بداية الأمر، اعترفت الشرعية بانسحاب تكتيكي لوحداتها في نهم ومفرق الجوف، بعدما كان مؤكداً تعرضها لهزائم. في المقابل، كان الحوثيون يؤكدون سيطرتهم على الجوف وأغلب مأرب، كما أنهم لم يتراجعوا عن موقفهم هذا بعد العملية العكسية للطرف الآخر، وتعرّضهم لنكسات، واستعادة قوات الشرعية العديد من المواقع. من جهتها، أعلنت قوات الشرعية وقياداتها أن المعركة أصبحت تهدف إلى الوصول لصنعاء، وأن هناك ضوءاً أخضر من قيادة التحالف لاستمرار عمليتها لاستعادة صنعاء، محمّلة الحوثيين تبعات هذا الانفجار العسكري وإفشال مساعي السلام، على الرغم من المحاولات دولية لإيقاف التصعيد العسكري في المحافظات الثلاث.
ويبدو أن تداعيات المواجهات بدأت تلقي بظلالها على الحوثيين، بعدما تمّ جرهم إلى صحاري وجبال في الجوف ومأرب وصنعاء من دون غطاء، ما جعلهم يخسرون قوات كثيرة، ودفعهم لاتخاذ قرار بإجبار طلاب الجامعات والمدارس على التبرع بالدم، نظراً لتزايد المصابين بعد فتح جبهات مأرب والجوف وصنعاء.
في سياق آخر، أظهرت هذه التطورات العسكرية جزءاً من الصراع في صفوف الجبهة الواحدة، إذ بدأ أنصار الإمارات والموالون لها بالتشفي مما تعرضت له قوات الشرعية في مأرب، وأطلقوا إشاعات متناسقة مع التي أطلقها الحوثيين، ومنها أن قوات الشرعية تتبع "الإخوان المسلمين" وأن هناك اتفاقاً بين الجماعة والحوثيين لتسليم مأرب والجوف. هذا الأمر سعى قادة الشرعية للرد عليه في الميدان، وسط اتهامات عن إمكانية وجود تنسيق بين الحوثيين والإمارات وأتباعها. وقالت مصادر مقربة من الشرعية، إن هذا التنسيق يهدف لإسقاط أهم وأبرز معاقل الشرعية، وهما الجوف ومأرب، فضلاً عن شبوة التي وقفت ضد الانفصاليين الموالين للإمارات، كما أن شبوة ومأرب والجوف، إلى جانب كونها معاقل الثروة، إلا أنها البوابة الأهم لمحافظة الثروة الأبرز، حضرموت.
وربطت هذه المصادر بوجود هذا التنسيق، ليس فقط في التعاطي مع العمل العسكري الجاري، بل أيضاً باستمرار رفض الإمارات وأتباعها تنفيذ اتفاق الرياض، وتهيئة الأجواء لمعركة جديدة فاصلة ضد الشرعية لفرض الانقلاب في كامل الجنوب والسيطرة على المحافظات الغنية بالثروات الطبيعية، وهو ما قد يتزامن مع تهيئة الأجواء للحوثيين لفرض سيطرتهم على مناطق الشمال وفي مقدمها مأرب، ومنها قطع أي دعم لأي مقاومة للشرعية في شبوة وحضرموت وأبين والمهرة وحتى سقطرى.