من المرتقب أن تشهد الساعات القليلة المقبلة من اليوم، الأربعاء، تصعيداً جديداً من قبل المتظاهرين العراقيين في بغداد ومدن جنوب ووسط البلاد، وذلك بعد يوم دامٍ آخر واجهت فيه السلطة المتظاهرين بمزيد من عمليات القمع التي أدت إلى مقتل عدة متظاهرين وجرح عشرات آخرين فضلاً عن توسعتها عمليات الاعتقال، بينما عاد مجدداً كابوس الاختطاف الذي يتعرض له الناشطون والمتظاهرون. وسجل نهار أمس، الثلاثاء، حوادث دامية في صفوف المتظاهرين، إذ قتل 4 متظاهرين جدد، أحدهم في كربلاء والآخر في ديالى المُنضمة حديثاً إلى خارطة التظاهرات العراقية، إضافة إلى اثنين آخرين في العاصمة بغداد، ليرتفع عدد الضحايا العراقيين الذين سقطوا منذ صباح الإثنين إلى 9 قتلى، بينهم فتى في السادسة عشرة من العمر يدعى علي حسن غيدان، قضى برصاصة في الرأس، وفقاً لتقارير طبية رسمية. كما ارتفع عدد الجرحى إلى 200، غالبيتهم في بغداد وكربلاء والناصرية، حسبما أكد مصدران في مدينة الطب ببغداد وقسم الإحصاء في وزارة الصحة العراقية لـ"العربي الجديد"، لكن مفوضية حقوق الإنسان أكدت أن الحصيلة 6 وليس 9 مع تأكيد إصابة العشرات، وفسّر مسؤول طبي تفاوت الحصيلة بأن المفوضية أخذت معلوماتها من وزارة الداخلية وليس من وزارة الصحة.
في المقابل، فإن عمليات الاعتقال طاولت ناشطين ومتظاهرين في البصرة وديالى وبغداد، ضمن مدينة الصدر والحسينية والشعب تحديداً، فضلاً عن الحيدرية في النجف والناصرية في ذي قار والعمارة في ميسان وأجزاء من البصرة، تحديداً في أم قصر وشط العرب، وهي أبرز مناطق البصرة المتظاهرة. وروّجت السلطات الأمنية العراقية خصوصاً قيادة عمليات بغداد، بالتزامن مع عمليات القمع المتصاعدة بحق المتظاهرين، رواية المندسين مجدداً، عبر بيانات قالت إن عناصرها تعرضوا لإطلاق نار من قبل مندسين في التظاهرات وتمت ملاحقتهم، أو تحدثت عن تعرض قوى أمن لدهس من قبل مندسين في التظاهرات. وهي روايات لم يؤكدها أي من أطراف المعادلة العراقية، وحتى أن المستشفيات في بغداد لم تسجل دخول أي من أفراد الأمن الذين قالت السلطات إنهم أُصيبوا جراء هجمات لـ"مجاميع عنفية"، و"مندسين"، في التظاهرات.
وبحسب أعضاء في تنسيقيات التظاهرات في كربلاء وبغداد والناصرية والبصرة، فإن التصعيد المرتقب من قبل المتظاهرين هو معاودة إغلاق الطرق المؤدية إلى حقول النفط والموانئ والدوائر الخدمية، مع اختيار ساحات جديدة في المدن المتظاهرة لإقامة اعتصامات جديدة. وقال عضو لجنة تنسيقيات كربلاء عباس الكليدار، لـ"العربي الجديد"، إن "التصعيد سيستمر، وهناك أدوات أخرى ضد السلطة وأحزابها، لكن في النهاية عليهم أن يتأكدوا أننا لن نعطي لهم فرصة بأن تتحول أي من أدوات احتجاجنا إلى عنف أو مخالفة قانون، لأنهم يقتلوننا ونحن عُزّل في الساحات، فكيف إن حاولنا حتى الدفاع عن أنفسنا بالحجارة؟".
وتركزت التظاهرات، طيلة نهار أمس الثلاثاء، في بغداد ضمن ساحات التحرير والخلاني، وجسري الجمهورية والسنك ومحيط المطعم التركي المجاور، فضلاً عن بدايات شارعي السعدون والرشيد. كما دخل شارع محمد القاسم، وهو الطريق الدائري المحيط ببغداد من جهة الجنوب، على خط التظاهرات، بعد قطع المتظاهرين له والتجمع فيه بكثافة. وفي البصرة، تركزت التظاهرات في عدة مناطق، أبرزها ساحتا البحرية وذات الصواري، وشارع المحافظة وطريق أم قصر القديم، والطريق المؤدي إلى حقل السندباد النفطي، إضافة إلى العشّار وشط العرب وسفوان على الحدود مع الكويت. فيما تركزت التظاهرات في كربلاء بساحة التربية وشارع ميثم التمار وشارع الضريبة القديمة. وفي البصرة، بساحة الصدرين مجسر ثورة العشرين، وعادت مجدداً، عصر أمس، تجمّعات المتظاهرين قرب مرقد زعيم المجلس الإسلامي الأعلى السابق محمد باقر الحكيم، الذي توجد فيه عناصر "سرايا عاشوراء" التابعة لعمار الحكيم، المتهمة بقتل وإصابة عشرات المتظاهرين مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
كما شهدت ذي قار تظاهرات في مدن وبلدات عدة، أبرزها الناصرية والغراف والمجر والمشخاب وسوق الشيوخ. وشهدت العمارة، مركز محافظة ميسان، تظاهرات واسعة، شاركت فيها اتحادات ونقابات عمالية. وعمّت الديوانية، مركز القادسية، تظاهرات مماثلة، إلى جانب علي الغربي والحمزة وبلدات أخرى. وفي المثنى، ضمن السماوة والكحلاء، وفي بابل، بالحلة والهاشمية والمسيب، وفي واسط، بالكوت والصويرة، عدا عن بلدات أخرى في محافظات جنوبية عدة. وفي ديالى، تركزت في بعقوبة، مركز المحافظة، لكنها تراجعت مقارنة بيوم الإثنين، بفعل القمع المفرط الذي وجهته الشرطة والجيش للمتظاهرين وسط معلومات متضاربة عن مشاركة مليشيا "بدر" و"العصائب" بمواجهة المتظاهرين الذين حصروا وجودهم في مناطق وسط بعقوبة وبشعارات ويافطات فقط من دون أن يسعفهم ذلك في تجنب القمع الذي أوقع منهم قتيلاً واحداً وعشرات الجرحى خلال اليومين الماضيين.
ودفعت حكومة تصريف الأعمال العراقية، برئاسة عادل عبد المهدي، مساء أمس الثلاثاء، بمزيد من قوات الجيش والشرطة الاتحادية التي وثق ناشطون إطلاقها النار الحي والمباشر باتجاه المتظاهرين في بغداد والبصرة، كما وصلت قوات جديدة إلى محافظتي كربلاء والنجف ومركز محافظة ذي قار مدينة الناصرية، في وقت تتزايد اعتداءات "قوة الصدمة"، وهي قوة خاصة شكلت أخيراً في البصرة، على المتظاهرين.
في سياق آخر، أعفى وزير الداخلية العراقي ياسين الياسري قائد شرطة محافظة ذي قار، اللواء ريسان الإبراهيمي، من منصبه. وذكرت وكالة الأنباء الرسمية، أمس، أن وزير الداخلية أعفى الإبراهيمي من منصبه وعيّن بدلاً عنه العميد ناصر لطيف، فيما انتقل الإبراهيمي إلى وكالة وزارة الداخلية لشؤون الأمن الاتحادي، من دون توضيح أسباب الإعفاء.
سياسياً، أكد مسؤول في ديوان الرئاسة، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن الحوارات مستمرة بين الرئيس العراقي برهم صالح وقادة كتل سياسية بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي قبل يوم الجمعة المقبل، للإعلان عن تكليف رسمي لأحد المرشحين لمنصب رئيس الحكومة. وأوضح أن الضغط الذي ولّده الشارع في اليومين الماضيين أعاد الكتل السياسية إلى طاولة المفاوضات مجدداً، وهناك خوف من أن تحصل هناك احتكاكات أو مواجهات بين المتظاهرين والمشاركين في تظاهرات ينظمها أعضاء وأنصار لقوى سياسية ومليشيات في بغداد يوم الجمعة المقبل، قالوا إنها للمطالبة بطرد القوات الأميركية من العراق، من دون أن يتم تحديد مكانها حتى الآن، وسط مخاوف من أنهم سينظمونها في ساحة التحرير أو بالقرب منها. ولفت إلى أن الحوارات حالياً محصورة بين مقتدى الصدر وهادي العامري وصالح، والتركيز على ضرورة اختيار شخص غير مستفز للشارع وفي الوقت نفسه له دراية بالوضع الحكومي والسياسي العراقي.
وكشف المسؤول نفسه أن أسهم محمد توفيق علاوي ما زالت مرتفعة لرئاسة الحكومة، مع رئيس جهاز المخابرات العراقي الحالي مصطفى الكاظمي، كاشفاً عن أن الرئيس العراقي أخّر سفره إلى مؤتمر دافوس، الذي كان يفترض أن يكون صباح أمس الثلاثاء، بسبب الحاجة إلى مزيد من المباحثات وقد يتوجه في وقت لاحق، إذ من المقرر أن يلتقي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب هناك على هامش المؤتمر، ولكن قد تلغى زيارته بشكل نهائي في حال تراجعت التفاهمات المتحققة في الساعات الأخيرة.