ووُلد تشكيل تحالف "سائرون" منتصف يناير/كانون الثاني من العام الماضي، إذ نجح التيار الصدري في احتواء أقدم الأحزاب العراقية، الشيوعي. وقد تشارك الطرفان طيلة الفترة السابقة لهجة التهديد باللجوء إلى المعارضة، والاتكال على التظاهرات لتصحيح مسار الدولة. إلا أنّ النتيجة التي بلغها التحالف، وبحسب شيوعيين، لم تكن بمعزل عن نتائج التحالفات الأخرى، لجهة صراع فرض الإرادات والحرب من أجل نيل أكبر عدد من المناصب والامتيازات.
ومع استعداد الأحزاب لدخول حلبة التنافس في الانتخابات المحلية التي من المفترض أن تُجرى نهاية العام الحالي، قد يتهشّم التحالف الذي يُشيع تماسكه، خصوصاً أنّ الحزب الشيوعي بات يدرك أن لا نصيب له من مقاعد الحكومات المحلية في ظلّ قانون انتخابات حسم النتيجة لصالح الأحزاب الكبيرة، وفقاً لقانون "سانت ليغو" المعدل الذي اعتمد قاسماً انتخابياً 1.9 في احتساب أصوات الناخبين وتوزيعها بين الكتل المتنافسة. إلا أن الحزب يملك الآن خيار التوجه إلى القوى المدنية المشتتة وخلق جبهة جديدة بهدف المشاركة في الحكم.
وعلى الرغم من ذلك، رأى النائب في البرلمان العراقي عن تحالف "سائرون" رعد المكصوصي، أنّ "تحالف سائرون تمكّن من كسر العرف السياسي الذي دمّر البلاد، وهو بناء التحالفات على أساس الطائفة والمذهب، واختار أن يكون متنوعاً بلا اكتراث للتخندقات الطائفية، الأمر الذي ساهم بخلق تحالف رديف آمن بالفكرة نفسها، وهو تحالف البناء الذي ضمَّ السنة والشيعة". وأوضح المكصوصي في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "تحالف التيار الصدري مع الأحزاب العلمانية والشيوعية، مثّل تغييراً نوعياً عن التحالفات السابقة، وتمكّن من خلق كيان عابر للطائفية"، مضيفاً أنّ التحالف "ما زال موحداً، وتجمعه رؤية واحدة مع الحزب الشيوعي والأحزاب المدنية. وليس بعيداً أن يستمر سائرون بتشكيلته الحالية لدخول الانتخابات المحلية بمكوناته".
أمّا جهاد جليل، وهو عضو بارز في الحزب الشيوعي العراقي استقال عقب إعلان تشكيل تحالف "سائرون" ودخول حزبه مع التيار الصدري، فقال لـ"العربي الجديد"، إنّ "تحالف سائرون مكوّن من الحزب الشيوعي وحزب الاستقامة"، معتبراً أنّ "الأخير هو حزب شكلي أدرج ضمن دائرة تسجيل الأحزاب، ولكن واقعياً ليس له أي وجود، لأنه التيار الصدري باختصار، وتقوده هيئة سياسية وبعض الشخصيات القريبة من مكتب مقتدى الصدر، والدليل على ذلك أنّ أكثر من سنة مرت، ولم نشهد أي فعالية لحزب الاستقامة ولا حتى أي بيان أو موقف، مع العلم أنه يملك غالبية الأصوات والمقاعد في البرلمان. لذلك، لا يمكن القول إنّ الشيوعي تحالف مع حزب، إنما تحالف مع جماعة دينية".
ولفت جليل إلى أنّ "تحالف سائرون تمكّن من جمع نقيضين، وهذه سابقة تحسب له، ولكن النتيجة لم تختلف عن التحالفات السياسية الأخرى، ونهج سائرون لم يختلف عن نهج كتلة الأحرار السابقة (تابعة للتيار الصدري)، لجهة التذبذب بالمواقف، وقد برهن تراجعه بشكل كبير بعد أن فشل بتقديم نموذج جديد في الساحة السياسية. كما أنه بسبب عدم انسجامه، خسر استمرار بقاء شخصيات سياسية مهمة في البلد ضمن تحالفه، مثل عمار الحكيم وحيدر العبادي، لأنه ظلّ يبحث عن توسيع نفوذه داخل الدولة ومؤسساتها".
وبشأن دخول الحزب الشيوعي في الانتخابات المحلية مع التيار الصدري، اعتبر جليل أنه "الانتحار بعينه"، مضيفاً أنه "بعملية حسابية بسيطة ضمن قانون انتخابات مجالس المحافظات، سيتبيّن أن الشيوعي لن يتمكن من الحصول على مقعد واحد، ولكنه إذا دخل مع قوى مدنية أخرى من الممكن أن يحصل على شيء، ولكن الطامة أن القوى المدنية التي لم تتحد مع الإسلاميين باتت لا تثق بالشيوعي".
من جهته، أشار عضو التحالف المدني حذيفة صالح، إلى أنّ "سائرون يشيع عبر وسائل الإعلام وبياناته أنه التحالف الأكثر تماسكاً، إلا أنّ الحقيقة عكس ذلك تماماً، وحتى في الأيام الأخيرة وقع خلاف بشأن حصة الحزب الشيوعي من مناصب الدرجات الخاصة". وأوضح صالح في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الشرخ في التحالف سيُعلن عنه قريباً، مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية، لأنّ بقاء الحزب الشيوعي مع التيار الصدري، سيحرم الأوّل من الحصول على أي منصب أو مقعد ضمن الحكومات المحلية في المحافظات".
ويقول مراقبون إنّ الحزب الشيوعي كان أكثر دعوة وأعلى صوتاً في قضايا الحريات المدنية وحقوق الإنسان والفساد والانتهاكات المختلفة في البلاد قبل دخوله مع الصدريين.
إلى ذلك، أكّد الباحث والمراقب للشأن المحلي محمد الشريفي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "تجربة تحالف سائرون أثبتت نجاحاً في ساحات الاحتجاج فقط، خلال فترة التظاهرات، ولكنها فشلت على المستوى السياسي والبرلماني"، وأن "الشيوعيين لا تأثير واضحاً لديهم ضمن سائرون"، معتبراً أنّ "القرارات التي تحكم مصائر جميع أعضاء التحالف تأتي من النجف". وأضاف الشريفي أنّ "الخلاف بين الشيوعي والصدري، ما يزال قائماً، وقد يهدد مصير التحالف، بشأن قانون انتخابات مجالس المحافظات، خصوصاً في ما يتعلق بفقرة القاسم الانتخابي، فالصدريون صوتوا لصالح 1.9، الذي اعترضت عليه جميع الكتل والأحزاب الصغيرة"، مؤكداً أنّ "الانتخابات المحلية، تتطلب تحالفات سياسية جديدة. وحسب المؤشرات، فإنّ الحزب الشيوعي سيخوضها بتحالف سياسي جديد، بعيد عن التيار الصدري، وهذا الرأي مدعوم من أغلب القيادات السياسية الشيوعية".