ألمانيا: تأهب سياسي وأمني لمواجهة عنف اليمين المتطرف

16 اغسطس 2019
دعوات للتشدد مع خطابات الكراهية بألمانيا (روبرت ميشيال/فرانس برس)
+ الخط -

دفع العنف اليميني المتطرف في المجتمع الألماني، القيادات السياسية وعلى رأسها الرئيس فرانك فالتر شتاينماير، للمطالبة بالتشدد في مكافحة هذه المجموعات، فيما خصص البوندستاغ الشهر الماضي جلسة لمناقشة العنف اليميني، علماً أن هجمات النازيين الجدد استهدفت نحو 200 شخص، بينهم سياسيون.

ويأتي ذلك مع نشر تقرير استخباراتي يفيد بوجود 24100 ينتمون إلى اليمين المتطرف في البلاد، نصفهم على استعداد لاستخدام القوة والعنف، وبعدما كان ينظر فقط إلى "الإسلاميوية" على أنها الخطر الأكبر، فيما اعتبر أنه مؤشر إضافي على ضرورة البحث عن ثقافة جديدة للألمان.

وبشأن ذلك، دعا الحزب الاشتراكي الديمقراطي أخيراً إلى اتخاذ نهج أكثر صرامة ضد اليمينيين المتطرفين، وذلك ضمن ورقة تضمنت جملة من الأمور، بينها حظر شبكة النازيين الجدد "كومبات 18"، وهي الجناح المسلح لـ"شبكة الدم والشرف" الدولية المحظورة منذ عام 2000، والتابعة للنازيين الجدد. 

ويبدو أن ألمانيا بجميع تياراتها السياسية تريد تعزيز معركتها ضد التطرف اليميني بعد مجموعة من الجرائم، أهمها اغتيال محافظ منتمٍ للحزب المسيحي الديمقراطي في كاسل مطلع يونيو/ حزيران الماضي، إذ تبين أن المشتبه به الرئيسي ينتمي إلى هذه المجموعة، فضلاً عن جرائم أخرى استهدفت الأجانب بدوافع عنصرية، بالإضافة إلى السياسيين المتعاطفين معهم، فضلاً عن إلقاء القنابل على المقارّ الحزبية والتعرض للمساجد، وخاصة في مدن ديسبورغ وبرلين وماينز مانهايم.


 

ودعت ورقة الاشتراكي، التي حملت عنوان "تعزيز النظام الديمقراطي والدفاع عنه"، إلى بذل جهود أكبر من قبل الحكومة والسلطات الأمنية لتنفيذ أوامر الاعتقال بحق اليمينيين المتطرفين، التي لم يتم تطبيقها بشكل كاف.

وذكرت إذاعة "دويتشلاند فونك"، أن المطلوب هو سحب رخص الأسلحة واعتماد نظام الإنذار المبكر، وأنه من المفترض أن تتبادل الولايات معلوماتها حول المتطرفين اليمينيين وإمكانية تخطيطهم لأعمال العنف.

وفي السياق، ذكرت صحيفة "فيزير كورير" أن الجرائم المنفذة من قبل اليمين المتطرف لم تتراجع عام 2019، إذ ارتكب هؤلاء 8605 جرائم على مستوى البلاد من يناير/ كانون الثاني حتى يونيو/ حزيران من هذا العام، بينها 363 جريمة وصفت بـ"العنفية"، وإصابة 179 شخصاً على الأقل، فيما اكتشفت الشرطة 2625 مشتبهاً بهم، تم اعتقال 23 منهم فقط.

وأشارت الصحيفة إلى أن الأرقام جاءت في رد الحكومة الاتحادية على طلب إحاطة من نائب البوندستاغ عن حزب اليسار بيترا باو، خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، علماً أن النيابة العامة في ولاية بافاريا كشفت أن التهديدات بتفجير قنابل في مسجدين في المدينة، الشهر الماضي، حملت بصمات اليمين المتطرف. 

ومع بروز الأيديولوجية الفاشية في المشهد من خلال تجسيد العصر النازي وإظهار شعاراتها، يتجلى اليمين الجديد بصورة أكثر سطحية، إذ أصبح أكثر ارتباطاً بالتقاليد المناهضة للديمقراطية، وهذا ما يجعلهم أكثر خطورة من النازيين الجدد من الناحية السياسية، وظهر ذلك خلال التظاهرات في كيمنيتس، وأصبح المواطنون "غير آمنين".

ولمواجهة هذا الواقع والحدّ من خطورة تمدد خطاب الكراهية عبر الشبكة العنكبوتية، تعتزم الجهات الحكومية، بينها وزارة العدل في ولاية بافاريا، الخريف المقبل، إطلاق العمل على مشروع مشترك مع النيابات العامة وهيئة الإعلام في الولاية، يسمح بالإبلاغ عن "التعليقات المهينة والعنصرية المقيتة المشحونة بالكراهية والمثيرة للفتن"، ليصار التعرف إلى أصحابها وحذفها واتخاذ الملاحقات القضائية بحق مروّجيها، وهو ما عبّر عنه وبوضوح وزير العدل في الولاية الواقعة جنوب البلاد، في حديث مع وكالة الأنباء الألمانية، بقوله: "لا ينبغي لنا في مجتمعنا قبول أي أرضية خصبة للأفكار المتطرفة".

وأبرزت شبكة "إيه آردي" أن المحققين في مدينة كولن مثلاً، يرون أن تعليقات الكراهية على الإنترنت، ووفق تجربتهم، تأتي من أفراد ينتمون إلى جميع الطبقات الاجتماعية. 

ولم يبق الجيش الألماني بمأمن، إذ تفيد التقارير أن الاستخبارات العسكرية الألمانية نشطت للتحقق من مدى تسرب أعداد من اليمينيين بين صفوف الجيش، واستبعاده 21 طلباً من أصل 63 مرفوضة لأسباب أخرى في المدة الأخيرة، كان يودّ أصحابها العمل مع الجيش بعدما ثبت انتماؤهم للنازيين الجدد، ومن ضمنهم عناصر من "مجموعة الرايخ" التي لا تعترف بالدولة الألمانية ولا بدستورها، وفق ما بيّنت مجموعة "فونكه الإعلامية" نقلاً عن ردّ لوزارة الدفاع على سؤال من كتلة حزب اليسار. 

يشار إلى أن "دي فيلت" ذكرت أخيراً أنه تم، منذ عام 2014، تسريح 19 جندياً وموظفين مدنيين معتمدين من الجيش لأسباب تتعلق بميولهم اليمينية المتطرفة، إلا أن الهيئة الحربية لمكافحة التجسس خالفت كل التقارير التي تحدثت عن وصف الجيش بأنه "مرتع لليمين المتطرف"، بعد أن دققت بآلاف طلبات العسكريين بين يوليو/ تموز 2017 ويونيو/ حزيران 2019، وخلصت إلى نتيجة أن "التشكيك في غير مكانه، والاتهامات كانت غير مؤكدة". 

ويأتي ذلك في وقت تجري السلطات تحقيقات في 100 قضية تتعلق بالكراهية عبر تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن هناك إجراءات لتقديم المشتبه بهم للقضاء على خلفية اغتيال السياسي في مدينة كاسل على يد يميني متطرف، وفق ما بينت وكالة الأنباء الألمانية أخيراً نقلاً عن متحدث باسم الشرطة في ولاية الجنائية في مدينة فيسبادن، وتشمل التحقيقات تهماً بالإهانة والتهديد وإثارة الفتن والتحريض العلني على ارتكاب الجريمة. 

وكان رئيس الاستخبارات الداخلية توماس هالدنفانغ تحدث أخيراً عن قوة دفع جديدة في مجال التطرف اليميني، وعن أن هناك "خوفاً من زيادة التعاطف مع هذه الجماعات، بفعل منشوراتهم على مواقع التواصل التي تحضّ على الكراهية". 

من جهتها، تنفذ الشرطة دورياً مداهمات في العديد من الولايات، بينها براندنبورغ سكسونيا وشمال الراين فستفاليا، بحثاً عن يمينيين متطرفين على خلفية تحقيقات تجريها النيابات العامة وتشتبه بأفعال يقوم بها هؤلاء، من بينها تأليف مجموعات إجرامية، ما دفع وزيرة العدل الاتحادية كريستين لامبرشت للمطالبة بمواجهة الأمر بكثير من الصرامة، مشددة في حديث صحافي مع "فرانكفورت الغماينه"، على ضرورة بذل الشرطة أقصى جهودها لمكافحة عنف اليمين وجرائم الكراهية على الشبكة العنكبوتية، واصفة ما يحصل بـ"العنف الوحشي".

المساهمون