حسنة أكيدة تلك التي يحتفظ بها الجزائريون في خلافاتهم على مر التاريخ السياسي للبلاد، برفض أي تدخّل خارجي أو وساطات أجنبية للمساعدة في حل الأزمات الداخلية. وحتى في أكثر الأزمات التي عصفت بالبلاد في التسعينيات، لم يلجأ الجزائريون إلى الفاعل الأجنبي للمساعدة في حل الأزمة، أو القبول بالتدويل، على الرغم من قساوتها.
عام 1958 قرّر قادة ثورة الجزائر نقل مقر الحكومة المؤقتة من العاصمة المصرية القاهرة إلى تونس، وكانت الأسباب المعلنة حينها تتصل بقرب تونس من الجزائر وضرورات القرب من ميدان الثورة والمعارك والشعب. لكن الأسباب الحقيقية كانت تتعلّق برغبة قادة الثورة في الحفاظ على استقلال القرار الوطني والثوري ومنع أي تدخّلات مصرية أو عربية في خيارات وقرارات الثورة. وفي عام 1977 قال الرئيس الراحل هواري بومدين، وقد كانت بوادر خلافات سياسية ومشاكل داخلية قد بدأت تظهر، إن الجزائريين يستطيعون حل مشاكلهم ولو "بالزرواطي" (العصا)، لكن فيما بينهم ومن دون أن يتدخّل الآخر.
في الراهن السياسي للجزائر المتسم بأزمة انسداد سياسي في البلاد نتيجة تباين المواقف والخيارات بين السلطة التي يمسك الجيش بتلابيبها، والمعارضة والحراك الشعبي الحريص على ألا تخطئ الجزائر هذه المرة منعطف التحوّل الديمقراطي، وبخلاف الحالة السودانية التي أدت فيها الوساطة الإثيوبية والأفريقية دوراً في تحقق الاتفاق السياسي، اهتدت الأطراف الجزائرية إلى التوافق على مبدأ تشكيل هيئة حوار تضم شخصيات وطنية مستقلة وذات مصداقية، تتولى الوساطة السياسية بين السلطة والمعارضة، وصياغة ترتيبات الانتقال السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة.
من الناحية السياسية، ليس هناك ما يعيق بدء حوار جزائري-جزائري عبر فريق وساطة جزائري، خصوصاً أن طول فترة الأزمة السياسية بدأ يُضعف البلاد على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. لكن من الناحية العملية ثمة صعوبات في تسمية أعضاء فريق الحوار، ليس من باب انعدام الشخصيات التي يثق بها المكوّن الشعبي أو المجتمع المدني والفاعل السياسي، ففي الجزائر الكثير من الشخصيات التي بادر الحراك الشعبي أصلاً إلى اقتراحها كمدير للمرحلة والهيئات الانتقالية، بحكم مواقفها والتزامها السياسي. ولكن المعضلة في أن السلطة التي استهلكت كامل مخزونها من الثقة والصدقية السياسية، تجد صعوبات كبيرة في إقناع شخصيات مرجعية بالمساعدة في الوساطة، وأصبحت كل مقترحاتها مشوبة بالحذر من الاحتيال والاستغلال والالتفاف، بسبب سلوكها السياسي المتحايل في استحقاقات ومحطات سياسية سابقة.
نفد رصيد النظام الجزائري من الثقة، إلى درجة أن خزانة النظام من الشخصيات التي أنتجها بنفسه، لم تعد قادرة على الإيمان بإمكانية تسليمه السلطة للإدارة والإرادة الشعبية. وفي النهاية تبدو القضية ليست قضية وساطة أجنبية أو محلية فحسب، أو مبتغى هيئة مستقلة وهدف تنظيم انتخابات نزيهة أو حتى مسألة وقت، بقدر ما هي قضية رجال يمتلكون قدراً من المسؤولية في الحد من التلاعب السياسي وإنهاء نصف قرن من مصادرة الحق الشعبي باسم الماضوية واحترام قواعد المستقبل التي تقوم على الحرية والمعرفة، فحيث يوجد الرجال يصنع المنجز ويختصر الوقت، وفي تجربة منتخب كرة القدم أكثر من معنى.
عام 1958 قرّر قادة ثورة الجزائر نقل مقر الحكومة المؤقتة من العاصمة المصرية القاهرة إلى تونس، وكانت الأسباب المعلنة حينها تتصل بقرب تونس من الجزائر وضرورات القرب من ميدان الثورة والمعارك والشعب. لكن الأسباب الحقيقية كانت تتعلّق برغبة قادة الثورة في الحفاظ على استقلال القرار الوطني والثوري ومنع أي تدخّلات مصرية أو عربية في خيارات وقرارات الثورة. وفي عام 1977 قال الرئيس الراحل هواري بومدين، وقد كانت بوادر خلافات سياسية ومشاكل داخلية قد بدأت تظهر، إن الجزائريين يستطيعون حل مشاكلهم ولو "بالزرواطي" (العصا)، لكن فيما بينهم ومن دون أن يتدخّل الآخر.
في الراهن السياسي للجزائر المتسم بأزمة انسداد سياسي في البلاد نتيجة تباين المواقف والخيارات بين السلطة التي يمسك الجيش بتلابيبها، والمعارضة والحراك الشعبي الحريص على ألا تخطئ الجزائر هذه المرة منعطف التحوّل الديمقراطي، وبخلاف الحالة السودانية التي أدت فيها الوساطة الإثيوبية والأفريقية دوراً في تحقق الاتفاق السياسي، اهتدت الأطراف الجزائرية إلى التوافق على مبدأ تشكيل هيئة حوار تضم شخصيات وطنية مستقلة وذات مصداقية، تتولى الوساطة السياسية بين السلطة والمعارضة، وصياغة ترتيبات الانتقال السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة.
من الناحية السياسية، ليس هناك ما يعيق بدء حوار جزائري-جزائري عبر فريق وساطة جزائري، خصوصاً أن طول فترة الأزمة السياسية بدأ يُضعف البلاد على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. لكن من الناحية العملية ثمة صعوبات في تسمية أعضاء فريق الحوار، ليس من باب انعدام الشخصيات التي يثق بها المكوّن الشعبي أو المجتمع المدني والفاعل السياسي، ففي الجزائر الكثير من الشخصيات التي بادر الحراك الشعبي أصلاً إلى اقتراحها كمدير للمرحلة والهيئات الانتقالية، بحكم مواقفها والتزامها السياسي. ولكن المعضلة في أن السلطة التي استهلكت كامل مخزونها من الثقة والصدقية السياسية، تجد صعوبات كبيرة في إقناع شخصيات مرجعية بالمساعدة في الوساطة، وأصبحت كل مقترحاتها مشوبة بالحذر من الاحتيال والاستغلال والالتفاف، بسبب سلوكها السياسي المتحايل في استحقاقات ومحطات سياسية سابقة.
نفد رصيد النظام الجزائري من الثقة، إلى درجة أن خزانة النظام من الشخصيات التي أنتجها بنفسه، لم تعد قادرة على الإيمان بإمكانية تسليمه السلطة للإدارة والإرادة الشعبية. وفي النهاية تبدو القضية ليست قضية وساطة أجنبية أو محلية فحسب، أو مبتغى هيئة مستقلة وهدف تنظيم انتخابات نزيهة أو حتى مسألة وقت، بقدر ما هي قضية رجال يمتلكون قدراً من المسؤولية في الحد من التلاعب السياسي وإنهاء نصف قرن من مصادرة الحق الشعبي باسم الماضوية واحترام قواعد المستقبل التي تقوم على الحرية والمعرفة، فحيث يوجد الرجال يصنع المنجز ويختصر الوقت، وفي تجربة منتخب كرة القدم أكثر من معنى.