سرّعت الحكومة التونسية خطواتها في اتجاه صياغة ميثاق أخلاقيات السياسة، الذي يقوم على مقاربة أخلاقية وأخرى حقوقية، تراعي حق جميع الفاعلين في الخوض في الشأن العام وفق التصور العام المعلن عنه. وانطلقت، أول من أمس الثلاثاء، فعلياً، اللقاءات حول الخطوط العامة لنص مدونة السلوك السياسي، على الرغم من أن فاعلين كثراً ما زالوا ينظرون بعين الريبة لهذه المبادرة، فيما يعوّل داعموها أيضاً على ألا تكون زاداً انتخابياً ليس أكثر. ومنذ إعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد عزمه على الدعوة لصياغة مدونة أخلقة السياسة في تونس، لم تلقَ المبادرة إجماعاً والتفافاً حولها. فعدا مساندي الشاهد والأحزاب المتحالفة معه، لم يرحب بالمبادرة إلا قلة ربطوا نجاحها ومصداقيتها بشروط واضحة، وفي مقدمتهم المنظمات المهنية، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان وعمادة المحامين.
وأكد رئيس الرابطة التونسية جمال مسلم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مبادرة الشاهد لم تكن الأولى من نوعها، وإنما سبقته إليها المنظمات الوطنية التي دعت لتوقيع "عهد المواطنة". واشترك في صياغة العهد كل من المعهد العربي لحقوق الإنسان والنقابة الوطنية للصحافيين والاتحاد العام التونسي للشغل وعمادة المحامين والرابطة وجمعيات أخرى، واتفقت جميعها على الدعوة للرفع من المواطنة والانتماء لدى التونسيين وتحسين التعامل السياسي، الذي أصبح حراً في تكوين الأحزاب والمنظمات. وفي المقابل، ارتفعت حدة العنف، ما نفر المواطنين من الطبقة السياسية. واعتبر مسلم أن النقاش السياسي يجب أن يحترم الحد الأدنى من الأخلاقيات والمبادئ، لذلك عندما جاء مقترح الحكومة للمعهد العربي بأن يعد مشروع وثيقة لأخلقة السياسة، قبلت الرابطة، لاعتبارها أن السجال السياسي يجب أن يقوم على مبدأ الاختلاف والتعايش وقبول الآخر والخفض من منسوب العنف، مع تنظيم الصراعات السياسية في ظل حد أدنى من القبول بالآخر. وقال "إذ يهم المجتمع التونسي، الذي لم يألف المشاركة السياسية والحوار فيها سابقاً، خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة من الانتقال الديمقراطي التي تتطلب المحافظة على المكتسبات وتكفل التعايش السلمي ونبذ العنف، فإن الرابطة، ولهذه الغاية، قبلت الخوض في تجربة نقاش المفاهيم العامة للمدونة، على ألا يتم استعمال هذه المبادرة كزاد انتخابي أو ضد الخصوم السياسيين".
في المقابل، تُعد "الجبهة الشعبية" اليسارية من ألد خصوم رئيس الحكومة وحزبه "تحيا تونس"، لذلك تُعتبر من بين المعنيين بالمدونة، التي يسعى من خلالها لخلق مناخ سياسي سليم ونقي في فترة الانتخابات وما بعدها. وتعتبر الجبهة أن المدونة مجرد تغطية على نتائج سنتين ونصف السنة من العمل الحكومي الذي لم يسجل نتائج إيجابية. ولفت القيادي في الجبهة أيمن العلوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأخلاق السياسية من خلال هذه المبادرة بدت كمسألة تُصاغ على الورق في حين يجب أن تكون مسألة قناعات وممارسات. وفسر العلوي أن الممارسة السياسية يجب أن تكون قائمة على احترام الالتزامات والمبادئ المرتبطة بمصالح الشعب، وأهم مكوناتها الالتزام بين الدولة وشعبها والإخلاص في الوعود. وأضاف أن "حكومة لا تراعي الالتزام بالمسار الثوري واحترام الخصوم السياسيين واحترام المعارضة وتطبيق القانون على الجميع ومحاربة الفساد المالي والاقتصادي، والمحاسبة بصرامة في كل القطاعات التي نخرها الفساد، وتحييد الإدارة ودور العبادة والتصدي للتشويهات الشخصية للخصوم، لا يمكن أن تدعو الفاعلين السياسيين لصياغة مدونة، ولا يمكن أن تكون هذه المحاولة غير قفزة بهلوانية لرئيس الحكومة"، حسب تعبيره. وفي تقدير الجبهة "تعد صياغة عقد للأخلاق السياسية ترذيلاً للساحة السياسية، وهروباً من تحمل المسؤولية في ارتفاع حدة العنف والتعمية على فشل حكومي وغياب أي نتائج تذكر".
في المقابل، ترى أطراف سياسية أخرى أن المذكرة ضرورية من أجل تنظيم المناخ السياسي في البلاد، لا سيما في فترة الحملة الانتخابية وخلال السباق الانتخابي. وقال القيادي في حركة "النهضة" عبد اللطيف المكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الفكرة ضرورية للمساعدة على الأخلاق الديمقراطية، فالديمقراطية ثقافة وأخلاق في الممارسة، خصوصاً في ظل مناخ يسوده ترويج الأكاذيب حول الخصوم ومال سياسي مشبوه يؤثر على الحياة السياسية وطُرق غير سليمة في التنافس الانتخابي من خلال شراء الأصوات". ورأى أنه يجب أن تتم صياغة المدونة بصرف النظر عن التأويلات السلبية، موضحاً أنه سبق أن ساند مبادرات أخرى قدمها نواب أو مجتمع مدني، مشيراً إلى أن التشكيك في الفكرة محاكمة مبكرة للنوايا.