قمّتا مكة لتعويض استبعاد الحرب: السعودية تحشد ضد إيران

20 مايو 2019
من تدريبات عسكرية أميركية سابقة في الخليج(مروان نعماني/فرانس برس)
+ الخط -
خفّفت إيران، أمس الأحد، للمرة الثانية في غضون يومين، من لهجتها التصعيدية بشأن تطورات التوتر مع الولايات المتحدة، مؤكدة على لسان القائد العام للحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، أنها لا تبحث عن الحرب وإن كانت لا تخاف منها، وبالتزامن مع إعلان الأسطول الأميركي الخامس (مقره البحرين)، أمس الأحد، أن دول مجلس التعاون الخليجي بدأت "دوريات أمنية مكثفة" في المياه الدولية بالخليج أول من أمس السبت، وأنها "تزيد على نحو خاص الاتصالات والتنسيق مع بعضها بعضاً لدعم التعاون البحري الإقليمي والعمليات الأمنية البحرية في الخليج.
هذه التطورات جاءت في وقت كانت السعودية تكثف تحركاتها لحشد حلفائها للتضامن معها في مواجهة إيران، عبر بيانات الإدانة على الأقل، وذلك من خلال الدعوة إلى عقد قمتين طارئتين عربية وخليجية في 30 مايو/أيار الحالي، على هامش القمة الإسلامية.




ولا شك في أن السعودية تدرك استحالة تحصيل موقف عربي واحد مؤيد لها في "حربها" غير المباشرة ضد إيران، ذلك أن العالم العربي منقسم بين داعمين لها وآخرين مؤيدين لإيران (مثل لبنان والعراق) ودول خارجة عن استقطاب المعسكرين (مثل قطر وتونس....). كذلك تعرف السعودية أن حماستها الحربية ضد إيران لا تحظى بدعم في الخليج إلا من البحرين والإمارات. وبالتالي، فإن أقصى ما تتوقعه الرياض من قمتي مكة، العربية والخليجية، تضامن لفظي ربما يثير أيضاً أزمة في البيان الختامي، أو مقاطعة دول عربية للقمتين درءاً لخلاف في قاعة الاجتماع. بكل الأحوال، يستحيل أن تحظى المملكة بتأييد حربي كالذي تشتهيه، وذلك بسبب الانقسامات العربية المعروفة حيال الملف الإيراني والصراع بين المعسكرين الإقليميين في المنطقة. بالتالي، ربما يكون لقمتي مكة مجرد قيمة رمزية بالنسبة للسعودية تعوّضها عن تراجع احتمالات توجيه ضربة عسكرية لإيران بحسب ما توحي به الأجواء الآتية خصوصاً من واشنطن. ويُخشى أن تتسبب قمّتا مكة، بناءً على هذه الظروف، بالمزيد من الانقسامات العربية، التي قد تترجم إما مقاطعةً للاجتماعين، أو اعتراضاً على بنود بيانيهما الختاميين.
ودعت السعودية ليل السبت إلى عقد قمّتَين "طارئتين"، خليجيّة وعربيّة، للبحث في الاعتداءات التي حصلت في الآونة الأخيرة في منطقة الخليج، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء السعوديّة، وذلك فيما أعلنت وزارة الاتصالات السعودية أمس الأحد عن اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بحثا فيه "تطوّرات الأحداث في المنطقة والجهود الرامية لتعزيز أمن واستقرار المنطقة"، من دون أن تنشر أي تفاصيل إضافية حول فحوى الاتصال. ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر في وزارة الخارجيّة قوله إنّ الدعوة للقمتين تأتي "في ظلّ الهجوم على سفن تجاريّة في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وما قامت به مليشيات الحوثي الإرهابيّة المدعومة من إيران من الهجوم على محطّتَي ضخّ نفطيتين في المملكة، ولما لذلك من تداعيات خطرة على السلم والأمن الإقليمي والدولي وعلى إمدادات واستقرار أسواق النفط العالمية".
وسارعت وزارة الخارجية الإماراتية إلى الترحيب بالدعوة للقمتين معتبرة في بيان أن "الظروف الدقيقة الحالية تتطلب موقفاً خليجياً وعربياً موحداً في ظل التحديات والأخطار المحيطة"، في المقابل كان لافتاً عدم صدور مواقف مرحبة بالدعوة السعودية من العديد من الدول. وأعقب الدعوة بوقت قصير عقد وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، مؤتمراً صحافياً في الرياض أمس الأحد، أكد خلاله أن السعودية "لا تريد حرباً ولا تسعى لذلك وستفعل ما بوسعها لمنع قيام هذه الحرب، وفي الوقت ذاته تؤكّد أنّه في حال اختيار الطرف الآخر الحرب، فإنّ المملكة ستردّ على ذلك بكلّ قوّة وحزم وستدافع عن نفسها ومصالحها". ودعا الجبير إلى "التحلي بالحكمة وأن يبتعد النظام الإيراني ووكلاؤه عن التهور والتصرفات الخرقاء وتجنيب المنطقة المخاطر".
وبينما أكد أن "الكرة الآن في ملعب إيران"، أشار الجبير إلى أن هناك تحقيقاً بقيادة الإمارات العربية المتحدة، في حادث الهجوم على ناقلات النفط الذي لم تتبنّه أي جهة. ولم تحمل الإمارات مسؤولية عمليات تخريب الناقلات لأي طرف، فيما قال مصدران حكوميان أميركيان الأسبوع الماضي إن المسؤولين في واشنطن يعتقدون أن إيران شجعت جماعة الحوثيين أو فصائل شيعية مقرها العراق على تنفيذ الهجوم. كما أفاد تقرير لشركات تأمين نرويجية، اطلعت وكالة "رويترز" عليه بأنه "من المرجح بشكل كبير" أن الحرس الثوري الإيراني سهل الهجوم على السفن قرب إمارة الفجيرة بدولة الإمارات.
في هذه الأثناء، قال القائد العام للحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، أمس الأحد، إن بلاده لا تبحث عن الحرب ولا تخاف منها، معتبرا أن "العدو (الأميركي) يخاف منها ولا يمتلك إرادة الحرب". وأضاف سلامي، وفقا لما أورده موقع "سباه نيوز" التابع للحرس في حفل التسلم والتسليم لقيادات في المؤسسة العسكرية، أن "المنطقة تحولت إلى ساحة للنار للأميركيين، والأحداث الأخيرة أظهرت حجم قوة العدو"، من دون أن يوضّح المقصود من "الأحداث الأخيرة".
بدوره، أكد النائب الجديد للقائد العام للحرس الثوري، علي فدوي، في الحفل نفسه "امتلاك إيران من القوة ما يمكنّها من تنفيذ خطوات عملية أكثر مما تقوم به اليوم"، من دون أن يشير إلى طبيعة الخطوات التي تقوم بها قوات الحرس.
في غضون ذلك، وعلى الرغم من تراجع احتمالات الحرب، سلّط تقرير لشبكة "إن بي سي" الأميركية، الضوء على إمكانية شنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب حرباً ضد إيران، من دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس، كاشفاً الحجج التي حضّرها مساعدوه لتبرير خطوة كهذه. وذكر التقرير أنّ مساعدي ترامب، وخلال الأسابيع الأخيرة، عملوا على إيجاد روابط بين تنظيم "القاعدة" وإيران، وتصوير الأخيرة كتهديد "إرهابي" للولايات المتحدة. ووفق التقرير، قد يعطي ذلك لترامب المبرر الذي يحتاج إليه لمحاربة إيران، من دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس، وذلك بموجب تفويض استخدام القوة عام 2001 الذي ما يزال ساري المفعول.
وبحسب التقرير فإن هذا الاحتمال يزعج معظم الديمقراطيين، وحتى بعض الجمهوريين في الكونغرس، لأنّ إيران لم تهاجم الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وبسبب وجود تردد في إشراك القوات الأميركية في مسرح حرب آخر، ولأنّ عدداً من المشرّعين يرون أنّ الكونغرس منح الكثير من صلاحياته الحربية للرئيس على مر السنين.
وأعطى هذا القانون الرئيس سلطة استخدام القوة ضد "الأمم أو المنظمات أو الأشخاص الذين يقدّر أنهم خططوا أو يخطط لهم أو ارتكبوا أو يساعدون في شنّ الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر/ أيول 2001، أو إيواء مثل هذه المنظمات أو الأشخاص، من أجل منع أي أعمال إرهابية مستقبلية ضد الولايات المتحدة، من قبل هذه الدول أو المنظمات أو الأشخاص".