رفض سوداني للتدخلات السعودية-الإماراتية-المصرية: أوراق قوة تضمن استقلالية القرار

02 مايو 2019
محتجون أمام السفارة المصرية رفضاً لتدخّل السيسي بشؤون السودان(الأناضول)
+ الخط -
مع اقتراب مرور شهر على إطاحة عمر البشير، بدأت تبرز على نحو أكثر وضوحاً محاولات كل من السعودية والإمارات ومصر، تقديم نفسها كمنقذٍ سياسي واقتصادي للسودان. لكن نشطاء في الحراك الثوري وخبراء استراتيجيين يقابلون عروض الدول الثلاث لبلدهم بكثير من الحذر، مخافة تكرار تجربة البشير نفسها في ما يتعلّق بتقديم خدمات مدفوعة الثمن، على غرار قرار المشاركة إلى جانب التحالف السعودي الإماراتي في حرب اليمن، ويراهنون فقط على التحولات السياسية والإمكانات الاقتصادية في السودان، لتكون مانعاً من التدخلات السياسية في الشؤون الداخلية. 

وعلى الرغم من أنّ قرار الثورة على نظام البشير كان ذاتياً من قبل الشعب السوداني، إلا أنّ الرياض وأبوظبي والقاهرة، حاولت التدخل في مسار الحراك، وتسخير التطورات لصالح أجندتها في المنطقة، وذلك من خلال مسارين؛ اقتصادي وسياسي.
فعلى المستوى الاقتصادي، جرى الإعلان عن تقديم مساعداتٍ مالية إماراتية وسعودية تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار، منها 500 مليون دولار كوديعة في البنك المركزي، وذلك لمعالجة التشوهات الاقتصادية الناجمة عن سياسات نظام البشير، بحسب ما قالت الدولتان.
أما على المستوى السياسي، فقد سارعت الإمارات إلى عقد مشاورات مع حركتي تحرير السودان، والحركة الشعبية - قطاع الشمال، في دارفور والنيل الأزرق، وذلك على التوالي، بغية التوسّط بينها وبين الخرطوم. كما حاولت توظيف علاقاتها مع بعض قيادات المجلس العسكري الانتقالي. مع العلم أنّ الحركات المسلحة في السودان أعطت إشاراتٍ إيجابية بشأن أدوارها في المرحلة المقبلة، من خلال إعلان جاهزيتها للتفاوض والدخول بحوار "سوداني - سوداني" يُفضي إلى تسوية سياسية تنهي حالة الاحتراب بالبلاد، وذلك بدلاً من الحلول المعلبة، التي تصل من خارج الحدود، وكانت قد انتهت في العام 2011 بفصل جنوب السودان.
ودافع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، في تغريدة باللغة الإنكليزية على حسابه على موقع "تويتر"، أمس الأربعاء، عن موقف أبوظبي بشأن السودان، قائلاً إنه "من المشروع تماماً للدول العربية أن تدعم انتقالاً منظماً ومستقراً في السودان. انتقال يوازن بين التطلعات الشعبية واستقرار المؤسسات"، قبل أن يضيف "عرفنا أوضاعاً من الفوضى التامة في المنطقة، ولسنا بحاجة إلى المزيد منها".
بدورها، حاولت مصر التودّد للمجلس العسكري، وضغط الرئيس عبد الفتاح السيسي أخيراً على الاتحاد الأفريقي لتمديد المهلة التي كان قد منحها لهذا المجلس لتسليم السلطة لحكومة مدنية، من 15 يوماً إلى 3 أشهر، فيما أمهل مجلس السلم والأمن الأفريقي المجلس الانتقالي العسكري، أمس الأربعاء، ستين يوماً فقط. كما أن مصر أدت في وقتٍ سابق دوراً في رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، تمهيداً لتجسير علاقات الخرطوم والغرب.



ولم تجد التدخلات السعودية والإماراتية والمصرية من يقتنع بها، تحديداً في صفوف الحراك الثوري، وسط اعتقاد بأنّ كل ما تريد أن تقدمه الدول الثلاث من خدمات، سيكون السودان في غنى عنها بعد الإطاحة بالبشير.
ويؤكد فاعلون في الحراك ومراقبون أنّ تلك الدول ستجد نفسها في حاجة أكثر مما مضى للسودان بعد تعافيه السياسي والاقتصادي، خصوصاً السعودية، التي تدرك تماماً أنّ بقاء الجنود السودانيين في اليمن، هو خطّ الدفاع الأول عن أمنها من هجمات جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وذلك نتيجة الاستعانة بقوات سودانية في مهمات على الحدود السعودية - اليمنية.
كما يشير مراقبون إلى أنّ أي حكومة مقبلة متى ما ضبطت عملية الفساد في مفاصل الدولة، واتجهت للتركيز على الإنتاج الزراعي والحيواني والنفطي، ستصل بالبلاد إلى حدّ الاكتفاء الذاتي، لافتين إلى أنّ إنتاج الذهب الحالي في السودان، والذي تغافل نظام البشير عن عمليات تهريبه التي كانت تتم بمطار الخرطوم، كفيل بتحقيق قفزة اقتصادية كبيرة. وينتج السودان قرابة المائة طن من الذهب سنوياً، بقيمة تفوق الـ4 مليارات دولار، لكن ما يدخل الخزينة العامة فعلياً يتخطى مداخيل 20 طناً بقليل، وذلك نتيجة عمليات التهريب والفساد.
كذلك، أدّت سياسات البشير إلى تدمير قطاع الزراعة الحيوي، وتحوّل السودان من أرضٍ كان ينتظر لها أن تكون سلة غذاء العرب، إلى بلاد تعاني صعوبات في توفير القمح، في ظلّ عدم استغلال 80 مليون فدان صالحة للزراعة.

ويقول القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير، محمد ضياء الدين، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه لا بدَّ من الالتفات للتأثيرات الخارجية على مسار الأوضاع السياسية في السودان.
ويرى أن الدعم الذي يقدمه محور الإمارات - السعودية - مصر للسودان، بما في ذلك  الاقتصادي، إنما يهدف إلى تثبيت دعائم المجلس العسكري، ولو كان على حساب توق السودانيين إلى حكومة مدنية تلبي تطلعاتهم في الحرية والسيادة والديمقراطية.
ويحثَّ ضياء الدين هذه الدول على الاحتذاء بالدول والكيانات التي أعلنت انحيازها لخيارات الشعب السوداني، والتوقف عن الخطى التي تؤجل الحكم المدني، "تماشياً مع رغبات بقايا النظام السابق، وأحزاب الردة على النظم الديمقراطية"، على حد وصفه.

في السياق، يحذر المحلل السياسي محمد نورين، في حديث مع "العربي الجديد"، من خطورة تقرّب المجلس العسكري من الإمارات والسعودية، كون ذلك "يخلق شرخاً في الصف الوطني السوداني"، معتبراً أنه في حال اختار المجلس رهن قراره للثنائي الخليجي، فإنّ "عليه الاستعداد ساعتئذٍ لسداد فاتورة سخط شباب الثورة المطالبين بفرض السيادة الوطنية، واستقلال القرار".
وظهرت لافتات عديدة في ميدان اعتصام القيادة العامة بوسط الخرطوم، ترفض التدخلات الإماراتية السعودية. كما سيّر محتجون مواكب إلى أمام السفارة المصرية منددين بتدخّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الشؤون الداخلية لبلدهم، وقاطعين بسودانية منطقة حلايب المتنازع عليها بين البلدين.
ويطالب نورين بالتريّث قبل اتخاذ أي خطوات يمكن تصنيفها بأنها محابية لحلفٍ دون غيره في المنطقة، وذلك لحين تكوين مجلس سيادة يبتّ في أمر علاقات السودان الخارجية.
من جهته، يقرّ الخبير الاقتصادي يوسف خميس أبو رفاس، في حديث مع "العربي الجديد"، بأهمية الدعم للسودان في الوقت الراهن، لكونه في حاجة عاجلة إلى برامج إسعافية تساعد على استقرار الأوضاع الاقتصادية المأزومة، وذلك لحين تنشيط موارده المُجمدة. لكنه يلفت إلى أنّ أي دعم حالي يحمل في طياته أجندة سياسية وعسكرية، محذراً من أنّ الدعم الاقتصادي الذي تقدمه الإمارات والسعودية لبلاده ليس استثناءً. وبحسب تقديره، فإنّ المطلوب هو "التخطيط لنهضة اقتصادية شاملة يمتلك السودان كل إمكاناتها".
وعلى غرار كثير من الاقتصاديين، يرى أبو رفاس أنّ نهوض السودان من عثرته الاقتصادية يتطلّب نظرة إلى الداخل من خلال تفعيل الإنتاج، وليس بالاتجاه إلى الخارج، والغرق في مزيد من الديون الواصلة على شكل مساعدات ومنح وقروض.

كذلك يعارض محمد سليمان، وهو ناشط شبابي داعم للاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم، في حديث مع "العربي الجديد"، رهن الإمارات والسعودية ومصر تقديم مساعداتها للشعب السوداني في مقابل حزمة مواقف سياسية تضع الخرطوم في قلب صراع المحاور بالمنطقة. ويقول في حديث مع "العربي الجديد"، إن على الدول الثلاث "استثمار دعمهم في القطاعات الإنتاجية بما يحقق مصلحة الجميع".
من جهتها، تستبشر شيماء بخاري، عضو تنسيقية شباب الثورة في حي الامتداد، جنوبي الخرطوم، بالمرحلة المقبلة، باعتبارها ستكون محروسة من قبل قوى الثورة، بحسب تعبيرها، مؤكدةً على حالة التوافق بين مكونات هذه القوى، خلافاً لما يشاع عن وجود خلاف في ما بينها.

وتعرّض السودانيون لمعاناة كبيرة خلال حقبة البشير بسبب تحملهم الحصار والعزلة، كون الأخير كان مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن العقوبات المفروضة على بلدهم، تحديداً من قبل الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية في مركز العلاقات الدولية في الخرطوم، الرشيد محمد إبراهيم، أنّ الموانع التي كانت تحول دون ولوج السودان إلى المنظومة العالمية قد انتفت، وبات بمقدوره بعد 3 عقود التعاطي بندية مع أقرانه في المنطقة وباقي العالم.
ويشدد إبراهيم، في حديث مع "العربي الجديد"، على ضرورة أن يضطلع السودان بأدواره في هذه المنظومة الدولية، عبر العلاقات الخارجية القائمة على الاستقلالية وعدم التدخل في شؤون الغير، فضلاً عن مواصلة سياساته الرامية لمكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود.
ويتوقّع إبراهيم أن يُفكّ طوق العزلة عن السودان بمجرد نقل السلطة إلى المدنيين، مع ما يرافق ذلك من إزالة اسم البلاد من قوائم الدول الراعية للإرهاب، وهو ما يسمح له بالتالي بالنفاذ إلى مؤسسات التمويل العالمية كافة، مع إمكانية كبيرة لاستفادته من مبادرة "الهيبك" لتخفيض الديون الخارجية.