رئاسيات السنغال: فوز متوقع لماكي سال مع تغييب المعارضين

24 فبراير 2019
احتفال انتخابي مؤيد لماكي سال (كزاومي أويروس/Getty)
+ الخط -

تعود السنغال إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقررة اليوم الأحد، كتقليد ديمقراطي، رسّخته مفاهيم أول رئيس لها بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1960: ليوبولد سيدار سينغور. ومع أن القضاء السنغالي بات أقرب إلى أداة طيّعة للرئيس الحالي، ماكي سال، والمرجح فوزه لولاية جديدة، إلا أن سال نفسه لن يمكنه تحمّل أي رد فعل سلبي قد ينجم عن تداعيات نافرة في الانتخابات. مردّ ذلك يعود إلى أن أحد أبرز الوجوه المعارضة له هو كريم واد، نجل الرئيس السابق عبد الله واد، الذي حكم السنغال بين عامي 2000 و2012. كريم ولج الساحة السياسية في البلاد عبر تسلّمه وزارة التعاون الدولي والنمو الإقليمي والنقل الجوي والبنى التحتية، بين عامي 2009 و2012. حتى أنه عقد اجتماعاً مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، من أجل تموين البلاد بالطاقة النووية، تعويضاً عن مشكلة الكهرباء المزمنة. وقد مُنع كريم من الترشح لأحكام مرتبطة بالفساد، ما اعتبره كثر محاولة من سال لإبعاد منافسيه وتكريس نفسه زعيماً ثابتاً في السنغال.

وقد اختتمت حملة الانتخابات الرئاسية، يوم الجمعة، وينافس ماكي سال أربعة خصوم فقط نجوا من نظام الرعاية والقرارات القضائية التي استبعدت كل الخصوم الأقوياء، بمن فيهم كريم واد وخليفة سال (لا تربطه قرابة بماكي سال) المنشق عن الحزب الاشتراكي. في المقابل، يترشح رئيس الوزراء السابق إدريسا سيك للمرة الثالثة، والوزير السابق ماديكي نيانغ، والنائب المناهض للنظام والمفتش السابق في مصلحة الضرائب عثمان سونكو، الذي يؤيد الوطنية الاقتصادية، وعيسى سال (لا تربطه أيضاً أي قرابة بماكي سال أو خليفة سال)، القريب من حركة المسترشدين الدينية المنبثقة عن الطريقة التيجانية.

ودُعي نحو 6.4 ملايين ناخب إلى التصويت، اليوم، في أكثر من 6500 مركز اقتراع موزعة في السنغال. ويضاف إلى هؤلاء 310 آلاف سنغالي مغترب مسجلين في 48 بلداً، فُتح فيها 746 مركزاً للاقتراع. ويتوقع أن تعلن النتائج الأولية عند إغلاق مراكز التصويت في الساعة 6 مساءً بالتوقيت المحلي، لكنها لن تصبح رسمية قبل 25 أو 26 فبراير/شباط الحالي. ولن تجرى دورة ثانية على الأرجح قبل 24 مارس/آذار المقبل، نظراً للمهل القانونية لإعلان النتائج وطعون محتملة فيها والحملة الانتخابية. وتظاهر الآلاف من أنصار المرشحين المستبعدين، خلال الأشهر الأخيرة، للمطالبة بانتخابات حرة وشفافة، مشككين في نزاهة وزارتي العدل والداخلية.



ويقول الرئيس ماكي سال إنه "واثق من الفوز بولاية جديدة من الدورة الأولى". أما عبد الله واد وأمام رفض ترشيح ابنه كريم، فقد دعا إلى مقاطعة الاقتراع قائلاً، لدى عودته إلى داكار بعد سنتين من الغياب، يوم الخميس الماضي: "لا تعرّضوا أنفسكم للسخرية بالمشاركة في هذا الاقتراع". وأثارت تصريحات واد الجدل والمخاوف على حسن سير الانتخابات، خصوصاً أنه حث السنغاليين على إحراق بطاقات الاقتراع والقوائم الانتخابية. وقال "علينا مهاجمة مكاتب التصويت حتى لا تجرى الانتخابات. يكفي أن تتناول شيئاً من البنزين لإحراق قائمة الناخبين. وهي ليست جنحة. إنها بطاقات زور تساهم في نظام غش. من واجب المواطنين إتلافها".

مع العلم أن السنغال هي إحدى الدول الأقل تعرضاً لهجمات إرهابية في غرب أفريقيا، بفضل سياستها في مكافحة التطرف، مع تعزيز السلطات التدابير الأمنية منذ سنوات عدة. لكن هذه السياسة الأمنية تبدو محدودة، ففي يوليو/تموز الماضي تمّت محاكمة 30 شخصاً متهماً بالإرهاب، ما يشير إلى أن البلد ليس بمنأى عن التيارات المتطرفة، لا سيما في صفوف الشباب. رغم ذلك وبصفة عامة، وفقاً لإحدى الدراسات، فإن الشباب السنغالي يبدي حذراً من الفكر المتطرف، مع رفض 90 في المائة منهم الانضمام إلى جماعات تدافع عن الإسلام الراديكالي.

وعلى عتبة الانتخابات الجديدة، تقف السنغال أمام تحديات عدة، منها داخلية ومنها خارجية. في الداخل، فإن إقليم كازامنس، المتاخم لغامبيا، أبدى مراراً نيته الاستقلال عن السنغال، لأسباب عرقية واقتصادية، معتبراً أن داكار تستغلّ مقدراته الخاصة، من دون أن يستفيد منها الإقليم. وقد أدى النزاع الذي اندلع في عام 1982 وانتهى في عام 2014، قبل أن يعود بمستوى منخفض من العنف، إلى مقتل نحو 5 آلاف شخص وتشريد 60 ألفاً آخرين. كما أن السنغال المتاخمة لمالي، مهتمة بمواجهة الوضع الأمني لدى جارتها، خصوصاً في الصراع مع الحركات الاستقلالية التابعة لأزواد، فضلاً عن "عمليات مكافحة الإرهاب" في الساحل الأفريقي، الذي تقوده فرنسا.

كما أن الجيش السنغالي، البالغ عدده 19 ألف جندي، يشارك، منذ عام 2015، في التحالف السعودي ـ الإماراتي في اليمن، وذكر البعض أن عديد الجنود المشاركين بلغ 2100 عنصر، وفقاً لموقع "آر أف إي" الفرنسي في عام 2016. في المقابل، فإن الوضع الاقتصادي والاجتماعي احتلّ حيّزاً واسعاً من اهتمامات ماكي سال، تحديداً بعد تنفيذه إصلاحات اجتماعية واقتصادية تشمل الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والصحة، وتوفير المزيد من فرص العمل. وتمتعت حكومة الرئيس بالشعبية بين المواطنين السنغاليين، نتيجة المنح الاجتماعية التي وزعتها على الأسر الفقيرة، ومن المرجح أن تسهم هذه السياسة في حصد ماكي سال الكثير من الأصوات في الانتخابات المقبلة، تحديداً في المناطق الريفية. وقال المعلق السياسي عمر دينغ، لوكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ"، إن "كثيراً من المستفيدين من الإعانات الاجتماعية حريصون على الانتفاع بالإنجازات التي وعد بها سال، في المجالات الاجتماعية ومشروعات البنية التحتية، في إطار المرحلة الثانية من برنامجه الإصلاحي".

غير أن كل شيء يتوقف على مدى "تقبّل" المعارضة، خصوصاً عبد الله واد، نتائج الانتخابات، إلا في حال حصول تسوية ما بينه وبين ماكي سال، تتضمّن إعادة نجله كريم إلى الواجهة. حتى الآن، يبدو الأمر مستبعداً، غير أن ماكي سال، الذي يسعى لإثبات وجود واسع النطاق في داكار، لن يسمح بسقوط رهاناته الاقتصادية والاجتماعية بسبب خلاف سياسي ـ قضائي، يدمّر ما فعله، ويدمّر سمعة السنغال كإحدى الدول القليلة التي تعتنق الديمقراطية في القارة الأفريقية.



دلالات