وأعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، خلال منتدى الدوحة، السبت الماضي، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تباحث هاتفياً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، قبل يومين، بموضوع إدلب. وقال: "نعتقد أن أي عملية عسكرية ستؤدي إلى نتائج وخيمة للغاية، وموجة هجرة أخرى، وهذا الوضع سيشكل مزيداً من الضغط علينا وعلى الأوروبيين".
وتنشر تركيا في "منطقة خفض التصعيد الرابعة" 12 نقطة مراقبة عسكرية. وتشمل هذه المنطقة كامل محافظة إدلب، بالإضافة إلى أجزاء كبيرة من ريف حماة الشمالي والشمالي الشرقي، وجزء من ريف حلب الغربي، ومناطق في الريف الشرقي من اللاذقية. إلا أن قوات النظام، بدعم من سلاح الجو الروسي، شنت هجوماً في إبريل/ نيسان الماضي، وقضمت كامل الجزء التابع لريف حماة، بالإضافة إلى سيطرتها على خان شيخون وعدد من القرى حولها جنوب إدلب. ورغم سيطرة قوات النظام وروسيا على خان شيخون في أغسطس/آب الماضي، وإعلان موسكو لهدنة في نهاية الشهر ذاته، إلا أنها وقوات النظام لا تزالان تستهدفان القرى والبلدات بعشرات الغارات يومياً، موقعةً العديد من الضحايا. كذلك رفعت روسيا من وتيرة هجماتها دعماً لقوات النظام التي شنت هجوماً جنوب شرق إدلب حيث استطاعت السيطرة على خمس قرى.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، رأى شحود الجدوع، وهو ناشط صحافي من ريف حماة هُجّر من قريته خلال الحملة العسكرية الأخيرة لقوات النظام عليها، أن "على تركيا مسؤولية إيقاف الهجمات الجوية والبرية، فهي ضامن، وعليها أن تتحرك لإيقاف هذه الكارثة، أو على الأقل منع حدوث كوارث جديدة". وقال: "المطلوب من تركيا بالدرجة الأولى حالياً إيقاف العنف المفرط المستخدم من قبل روسيا والنظام بحق المدنيين. يجب أن يضغطوا على الروس، فهم من يؤمنون غطاءً للنظام لمواصلة تجاوزاته وجرائمه، وعليها أيضاً إيضاح بنود الاتفاقيات التي اتُّفق عليها بشأن المنطقة". وأضاف: "هناك نقطة مهمة أيضاً في هذا الإطار، إذ إن النظام سيطر على مساحة كبيرة من المنطقة بعد الاتفاق الروسي - التركي في سوتشي، وتشكل هذه المساحة بين ريف حماة الشمالي والغربي وإدلب الجنوبي ما نسبته 20 في المائة من كامل منطقة خفض التصعيد، وقد هُجّر منها الآلاف الذين أصبحوا نازحين في العراء. يجب أن نعرف ما هو مصير هذه المناطق. بصراحة، الناس في الشارع داخل إدلب باتوا يتداولون أن الأتراك يتعمدون تسليم المناطق للنظام تباعاً. على أنقرة إثبات العكس، وإلا فهذه النظرية صحيحة، وعليها العمل لاستعادة هذه المناطق إما باتفاق جديد، أو دعم المعارضة بعمل عسكري جديد، ولو أن الأمر الأخير مستبعد".
وعن خصوصية المنطقة سياسياً وعسكرياً، قال القيادي في "الجيش السوري الحر"، العميد فاتح حسون، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد حالياً لدى النظام وداعميه قدرات عسكرية لاقتحام المنطقة"، مضيفاً أن "الدول الكبرى تتعامل مع منطقة خفض التصعيد في الشمال السوري كورقة ضغط متعددة الاستخدامات ومتنوعة الغايات. ففي الوقت الذي يحدث فيه تقارب تركي أميركي في الملف السوري، تعمل روسيا على زيادة القصف على إدلب، لوضع بصمتها على قائمة الحضور، وتستخدم إدلب لإيصال رسائل بعدم السماح للتقارب التركي الأميركي بالتأثير في مصالحها، وخصوصاً في شرق الفرات".
من جهته، أشار مصطفى سيجري، وهو رئيس المكتب السياسي لـ"فرقة المعتصم" التابعة لـ"الجيش الوطني" السوري الذي يضم فصائل معارضة والمدعوم من أنقرة، إلى أن "تركيا تُعتبر الجهة الضامنة للمعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، وبالتالي يقع على عاتقها المزيد من الحراك الدبلوماسي والضغط باتجاه إيقاف جرائم الاحتلال الروسي بحق السوريين في إدلب وما حولها. وأسوة بما يقوم به الروس من تقديم دعم لامحدود لنظام (بشار) الأسد، يقع على تركيا أيضاً أن تقدم الدعم الكامل للمعارضة العسكرية، بعد أن أيقنت أن روسيا دائماً ما تتملص من اتفاقاتها السياسية. إن أردنا في المرحلة المقبلة وقف هجمات النظام وروسيا على المنطقة، فلا بد من استعادة زمام المبادرة والانطلاق بعمليات عسكرية باتجاه قوات النظام". واعتبر سيجري، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنه "مثلما الجيش الوطني يشارك في العمليات العسكرية في شمال شرق سورية إلى جانب الحلفاء في الجيش التركي، ينبغي لأنقرة أن تتخذ خطوات أكثر جرأة باتجاه المضي بدعم القوى المعتدلة الموجودة في إدلب، في سبيل حماية المنطقة وتأمينها، وأيضاً دعمها لردع أي محاولة لدخول إدلب أو اقتحامها". وأضاف: "تركيا اليوم مسؤولة أمام الشعب السوري، ومطالبة بأن يكون لها موقف أكثر حزماً في وجه العربدة الروسية والإرهاب الإيراني باتجاه مناطق المعارضة".
وحول تواصل المعارضة السياسية مع الحكومة التركية في سبيل التشديد عليها للوقوف عند مسؤولياتها بما يخص إدلب، أكد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات يحيى العريضي، لـ"العربي الجديد"، أن "التواصل مستمر مع الحكومة التركية في هذا الإطار. الجميع يطالب الجميع بالتزام الاتفاقيات والتفاهمات، ولا أحد يلتزم، ومطلوب من تركيا الضغط أكثر على الضامنين من حلفائها، روسيا وإيران، وقد قالوا لنا أكثر من مرة إنهم لا يدخرون جهداً في هذا الإطار".
وقال يوسف كاتب أوغلو، وهو سياسي تركي مقرب من الحكومة، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد تراخٍ تركي في ملف إدلب، وسياسة أنقرة واضحة حيال هذه المنطقة التي تعتبر منطقة خفض تصعيد، ولتركيا 12 نقطة مراقبة فيها، ولن تسمح بأن يكون هناك أي تجاوزات بحق المدنيين". وأضاف: "نعم هناك خرق لوقف إطلاق النار، لكن أنقرة جنّبت هذه المنطقة، من خلال اتفاق سوتشي، مجزرة أو إبادة جماعية كان يخطط لها النظام بدعم من روسيا، والأمور في إدلب بالتأكيد ليست مرضية لتركيا، التي تتعامل مع هذا الملف بحساسية مطلقة، وهناك ضغوط من أنقرة على موسكو حتى يتوقف خرق وقف إطلاق النار". يشار إلى أنه يقطن في إدلب ومحيطها نحو 3.5 ملايين شخص، سواء من سكان إدلب أو أرياف حماة وحلب واللاذقية، أو من المهجرين إلى هذه المنطقة من محافظات عديدة بعد حملات التهجير، ولا سيما من ريف دمشق وحمص وحلب وغيرها من المحافظات الأخرى.