قبل أمس، الأحد، كانت الأجواء والمباحثات والمشاورات بين الأحزاب السياسية الرئيسية قد أجمعت على أن تحركات الشارع تراجعت وأن الزخم بات محصوراً، وأن القدرة على إنتاج حكومة سياسية مطعمة ببعض الوجوه "المستقلّة" كافية لامتصاص غضب الشارع أو ما تبقى منه، قبل أن يعيد ليل أمس الجميع إلى المربع الأول.
وفاجأ المحتجون اللبنانيون الطبقة السياسية، بعدما استعادت انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول زخمها، بخروج عشرات الآلاف إلى الساحات في مختلف المناطق، أمس الأحد، تحت شعار "أحد الوحدة"، ما أربك حسابات هذه القوى، وأعاد خلط أوراقها، خصوصاً في ما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة، ومحاولة فرض خيارات مرفوضة في الشارع.
فعلى مدار الأيام الماضية، كان واضحاً أن خيار حكومة التكنوقراط قد تراجع لصالح حكومة تكنو- سياسية كما أطلق عليها البعض. وساهم في بروز هذا الطرح رفض الأحزاب الرئيسية لاستبعادها من الحكومة، وخصوصاً "التيار الوطني الحر" الذي يترأسه وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، جبران باسيل. كما أن "حركة أمل" تتخذ موقفاً مماثلاً، فيما كان رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري يتبنى طرح حكومة تكنوقراط.
رفع تيار باسيل في مواجهة هذا الطرح مقايضة واضحة مع الحريري، مفادها أن معيار حكومة التكنوقراط يجب أن يسري على جميع الأحزاب، وتالياً يجب أن يكون رئيس الحكومة أيضاً من خارج الأحزاب. حاول الحريري تقديم بعض الأسماء التي من الممكن أن تشكل تقاطعاً بين تيار المستقبل والصفة التكنوقراطية، إلا أنها اصطدمت بتمسك "التيار الوطني الحر" برفض صيغة حكومة التكنوقراط، رفضاً لاستبعاد باسيل منها، حتّى أنه ترددت معلومات عن طرح اسم باسيل كوزير في أي حكومة تكنوقراط، في إشارة واضحة إلى عدم السماح بتشكيل حكومة، أياً كانت طبيعتها، من دونه.
لكن مع انتهاء تظاهرة بعبدا، وانطلاق تظاهرات بيروت والمناطق، صُدمت الطبقة السياسية بقدرة الشارع على الحشد مجدداً، على الرغم من كل محاولات الترهيب على مدار الأيام الماضية، وكذلك بإعادة الشارع إنتاج شعارات المرحلة الجديدة، وخصوصاً تأليف حكومة مستقلين، ورفض خيار الحكومة التكنو-سياسية؛ حتى أن رهان البعض على انحسار التظاهرات في أماكن معينة وعدم عودة بعض المناطق ذات الخصوصية المسيحية، قد سقط.
ولم تكن الطبقة السياسية قد أدركت مشهدية الساحات في بيروت، وطرابلس، والبقاع، وعكار، وصيدا، والنبطية، وعند مدخل المدن، أي عملياً معظم لبنان، حتى أطلق المتظاهرون دعوات الإضراب العام، فتلقت الطبقة السياسية صفعة جديدة، خصوصاً مع قطع الطرقات الذي بدأ ليل الأحد على طول الخط الساحلي الرابط بين بيروت وطرابلس، على الرغم من الانتشار الكثيف للجيش اللبناني الذي وقف عاجزاً أمام أعداد المتظاهرين في أكثر من منطقة.
ومع ساعات الصباح الأولى، بدا واضحاً أن الشارع استعاد زخمه، وأن حركة قطع الطرقات تمددت إلى مناطق جديدة بالمقارنة مع بدايات هذه الانتفاضة، على الرغم من محاولة بعض التيارات، وخصوصاً "تيار المستقبل"، قطع بعض الطرقات، والتماهي مع الشارع المعارض، في محاولة للضغط من أجل تمرير طرح حكومة تكنوقراط برئاسة الحريري.
وفيما أعاد الشارع الطبقة السياسية إلى المربع الأول، رافضاً كل ما طرحته ومحاولاتها الالتفاف على مطالب وشعارات الانتفاضة، بدا واضحاً أن النقاشات بعد الصدمة عادت إلى نقطة الصفر، وأن الاستشارات النيابية خرجت من الأفق حتى إشعار آخر، ينتظر معرفة ما إذا كانت الطبقة السياسية على استعداد هذه المرة لسماع صوت الشارع ومطالبه وتنفيذها.
في السياق، جاءت تصريحات رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، خلال لقائه المنسق العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، خالية من أي جديد، لا سيما بعدما نُقل عنه قوله إنه "لا بد من الحوار مع المتظاهرين من أجل التوصل إلى تفاهم على القضايا المطروحة"، مشيراً إلى أن "من أولى مهام الحكومة الجديدة متابعة عملية مكافحة الفساد، وأن التحقيق سوف يشمل جميع المسؤولين في الإدارات من مختلف المستويات".