ولفت المصدر إلى أنّ "ألمانيا تحديداً تولي ملف إدلب اهتماماً بالغاً، فهي لا تريد أن تصلها موجات إضافية من اللاجئين، ربما يتسّرب بينهم متطرفون. ولذلك هي على تضغط على الروس بشكل متواصل كي لا يتخذوا الخطوة ويتوغلوا في إدلب أكثر من ذلك". وقال المصدر إنّ "هناك دوراً ألمانياً سيكون ملحوظاً في ملف إدلب ولا سيما خلال الأشهر المقبلة، وكل جهد ستقوم به برلين في المحافظة، سيصبّ في سبيل منع تدفق اللاجئين نحوها في حال أقدم النظام أو الروس على السيطرة على إدلب أو شنّ هجوم عليها".
وحضر الوضع السوري في اتصال هاتفي مطلع الأسبوع الماضي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. كما تكررت الاتصالات بين الطرفين بشأن سورية، على غرار ما جرى في أكتوبر الماضي عندما أطلع الرئيس الروسي المستشارة الألمانية على تطورات الوضع السوري، وذلك في وقت كان قد برز مقترح وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارنباور بشأن تأسيس منطقة أمنية دولية في المنطقة الحدودية بين سورية وتركيا.
ويكثّف سلاح الجو الروسي وذلك التابع لقوات النظام من قصفه لقرى وبلدات ريف إدلب ولا سيما في الجنوب الشرقي والغربي، مع استهداف مدفعي وصاروخي لتلك المناطق بشكل يومي ما يؤدي لوقوع ضحايا من المدنيين. لكنّ الجديد هو التقدم المشار إليه سابقاً في الريف الجنوبي الشرقي ما يعد مؤشراً خطيراً حول مصير المحافظة التي تخضع لتفاهمات إيرانية – تركية – روسية، لكن موسكو دائماً ما تعمد لخرق كل تلك الاتفاقات.
في السياق، أشار النقيب ناجي المصطفى، المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" التي انضمت أخيراً للجيش الوطني التابع للمعارضة، إلى أنّ "التصعيد الأبرز والتقدم الأكبر الذي يحرزه النظام والروس هو بسبب الدعم الجوي من خلال استهدافهم المدنيين وارتكاب المجازر في القرى والبلدات ولا سيما في ريف إدلب الجنوبي". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "أما عن محاولات التقدم العسكرية، فحاول النظام أكثر من مرة ودائماً كنا (الفصائل الثورية) في مواجهته والتصدي له، وكانت أكثر وأبرز تلك المحاولات عند تلة الكبينة بريف اللاذقية".
وحول استعدادهم لاحتمال نشوب مواجهة جديدة جنوب إدلب، قال المصطفى: "نحن من جهتنا في الجبهة الوطنية وضعنا خططا لكافة السيناريوهات المحتملة، لأننا نعلم أنّ عصابات بشار الأسد لن تتوانى عن ارتكاب المجازر بحق المدنيين، ولا عن محاولات التقدم البري باتجاهنا وعلى أي جبهة من الجبهات المتعددة والمختلفة. ولذلك قمنا باستعدادات كبيرة، كتعزيز خطوطنا الدفاعية وأقمنا معسكرات لمقاتلينا بغية إعدادهم بشكل نوعي ليكونوا جاهزين في التصدي لأي محاولة، وأيضاً دربنا مقاتلينا على التعامل مع سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها روسيا في هجماتها علينا، كما عززنا الجبهات بالأسلحة اللازمة ووضعنا الخطط الهجومية والدفاعية للتعامل مع أي محاولة بحسب حجمها ونوعها وعلى أي جبهة كانت".
ومنذ أشهر تحاول قوات النظام بدعم جوي روسي ومساندة مليشيات مدعومة من إيران إحراز تقدم في تلة الكبينة بريف اللاذقية الشرقي من دون تحقيق نتيجة تذكر، نظراً للتصدي الكبير لمقاتلي المعارضة هناك. ويريد النظام من سيطرته على هذه التلة الاستراتيجية، فتح الطريق أمامه نحو ريف إدلب الشمالي الغربي وتحديداً الالتفاف على مدينة جسر الشغور ورصدها نارياً من الأعلى في حال السيطرة على قمة التلة.
من جهته، رأى قيادي في "الجيش السوري الحر"، العقيد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من المتوقع أن تستمر روسيا من خلال القصف، محاولاتها لقضم أجزاء من منطقة إدلب، وهي تريد من ذلك تشكيل أداة ضغط على تركيا والاتحاد الأوروبي ليس إلا". وأضاف "لا أرى أن موسكو بصدد القيام بعملية عسكرية كبيرة، فهي ليس لديها القوات البرية اللازمة لذلك، والمجتمع الدولي لن يتقبل الأمر وسيضغط عليها لإيقافها إن فعلت، وقد يكون إخراجها من التفاهمات شرق الفرات وسيلة ضغط، وهي تعرف ذلك تماماً، ولا تريد من أنقرة وواشنطن أن تمارسا هذا الضغط عليها".
واعتبر حسون أنّ "فشل الروس والإيرانيين ومرتزقتهم في اقتحام الكبينة منذ شهور وبكل الوسائل، جعل روسيا تلجأ كعادتها للضغط بأدواتها الإجرامية على المدنيين والبنى التحتية، فأصبح القصف على جسر الشغور يستهدف مراكز الرعاية الطبية والمنظومات الإسعافية والمدارس والبنى التحتية، انتقاماً من ذوي المقاتلين في الكبينة في المقام الأول، ولإرسال رسالة واضحة لتركيا بأنّ اتفاق سوتشي حول إدلب الموقع في سبتمبر 2018، لم يتم تنفيذه بما يتعلق بالفصائل المصنفة إرهابية، وبفتح الطرق الدولية وبتشكيل منطقة عازلة، بالتالي وفي المقابل على تركيا التغاضي عن عدم تنفيذ كامل الاتفاق حول شرق الفرات بما يتعلق بمليشيا قوات سورية الديمقراطية (قسد) المصنفة إرهابية من قبل تركيا".
وتابع القيادي في "الجيش الحر": "كما أنّ لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة للولايات المتحدة، إضافة للتقارب الأميركي -التركي في الفترة الأخيرة، علاقة بما يحدث في إدلب. فواشنطن صرحت مراراً بضرورة الحفاظ على المنطقة وعدم تنفيذ عمليات عسكرية واسعة فيها، والاتحاد الأوروبي كذلك، ولهذا تحاول روسيا استثمار الوقت قبل أي تقارب ممكن أن يحدث بين أنقرة وواشنطن، مذكرة بضرورة أن تكون جزءاً في أي تفاهم دولي قد يحدث على الأراضي السورية، كونها المتحكم الرئيس بنظام الأسد الفاشل"، على حد تعبيره.
وأشار حسون إلى أنّ "روسيا في الوقت نفسه تعطي إشارات للمضي بالاتجاه المعاكس، فتصريحات (وزير الخارجية الروسي سيرغي) لافروف قبل أيام، والتي قال فيها إنّ منطقة إدلب مرتبطة باتفاقيات مع تركيا، كانت قبل زيارة أردوغان للولايات المتحدة، ولا شك في أنها تأتي كإشارة لتركيا كي لا تميل باتجاه أميركا"، معتبراً أنّ "هذه التصريحات والتصرفات من موسكو تأتي ضمن استخدامها سياسة العصا والجزرة".
وتنتشر في إدلب ومحيطها 12 نقطة مراقبة للجيش التركي، وتعدّ أنقرة الضامن للمعارضة ضمن اتفاقات أستانة وبعدها سوتشي حول المحافظة، ولذلك أدخلت جنودها ليراقبوا وقف إطلاق النار الذي أعلن مراراً وتكراراً من دون تنفيذ. إذ لا تزال الخروقات من قبل الروس والنظام مستمرة في إدلب ومحيطها، ولا سيما لجهة ارتكاب مجازر بحق المدنيين، من دون جهد فعلي من تركيا نحو إيقاف هذه الخروقات بصفتها ضامنة.
في السياق، وضع الصحافي فراس ديب، والذي يعمل في صحيفة "ريفرنس" التركية المحلية، تقدّم "الجيش الوطني" بدعم تركي شرق الفرات، مقابل تقدّم قوات النظام شرق إدلب، في ميزان واحد. وأشار ديب في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه "من البساطة التعويل على مصداقية تعهدات الطرف الروسي في ما يخص استهداف أو عدم استهداف المناطق الخاضعة لقوات المعارضة، ولنا في مناطق خفض التصعيد التي تعهدت روسيا بعدم المساس بها عبرة، بعد قضمها لصالح النظام".
وتابع ديب: "أما في ما يخص توجّه تركيا بما يتعلّق بإدلب، والحراك العسكري الروسي-الأسدي باتجاهها، فإنّ الأتراك والروس يعيشان حالة تجاذب مصالح بين ثنائيتي إدلب - شرق الفرات. فروسيا غير راضية تماماً عن التغلغل التركي عبر الجيش الوطني على امتداد الحدود التركية السورية، وتريد ضمان الشريط الحدودي لمصلحة النظام، ولو عبر نموذج الدوريات المشتركة ولجان المصالحة، في حين تريد تركيا بسط سيطرتها على كامل الحدود. وبالتالي، فالروس يحاولون عبر الضغط العملياتي على جبهة إدلب، إجبار أنقرة على مزيد من المرونة حول القبول بتمدد قوات النظام على الخط الحدودي، خصوصاً في المنطقة الممتدة من رأس العين إلى المالكية، وإيقاف تقدم قوات الجيش الوطني باتجاه المحاور المذكورة".
وتخضع إدلب مع أجزاء من أرياف حلب وحماة واللاذقية لتفاهم تركي روسي إيراني، بعد أن بقيت المنطقة ضمن مناطق خفض التصعيد المتفق عليها في مباحثات أستانة برعاية الأطراف الثلاثة، ثمّ خضعت إدلب لتفاهمات واتفاقات في لقاءات سوتشي في روسيا، وغيرها من اللقاءات والاجتماعات، سواء في أنقرة أو طهران أيضاً ودائماً بين الأطراف الثلاثة. إلا أنّ النظام ومنذ ربيع العام الحالي شنّ حملة عسكرية انطلاقاً من ريف حماة، فسيطر على قلعة المضيق وكفرنبودة بريف المحافظة، وأنهى حملته بالسيطرة على خان شيخون وعدد من القرى حولها جنوبي إدلب، وكلها قرى وبلدات كانت تتبع للمنطقة ذاتها المتفق عليها (منطقة خفض التصعيد الرابعة).
ويخشى المدنيون في إدلب من هجوم جديد يريد منه النظام والروس الوصول إلى عمق المحافظة، ولا سيما السيطرة على معرة النعمان وسراقب لتثبيت نقاط على الطريقين الدوليين "أم4 وأم5"، لكن يبدو أنّ المجتمع الدولي والأوروبيين تحديداً لا يزالون يضعون خطوطاً حمراء أمام روسيا، في مواجهة هذا الاحتمال.