بالتزامن مع اتساع رقعة التظاهرات العراقية، في بغداد وجنوب ووسط البلاد، أصدر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بيانا هو الأول من نوعه منذ مغادرته إلى مدينة قم الإيرانية الأسبوع الماضي، دعا إلى وقف الهتاف ضد من وصفها "الدول غير المحتلة"، أو التعرض لبعثاتها الدبلوماسية في إشارة واضحة إلى إيران.
وحمل البيان إشارات واضحة إلى تراجعه عن مطلب إقالة الحكومة العراقية عبر دعوته البرلمان إلى مواصلة إقرار الإصلاحات الجذرية كتغيير مفوضية الانتخابات وتشريع قانون جديد للانتخابات.
وقال الصدر في بيان مطول له: "أيها الشعب، إنها فرصة عظيمة لتجديد الوجوه (شلع قلع)، وبطرق عقلانية لا يقع العراق فيها في مهاوي الخطر ومنزلق الفراغ المرعب"، مبينا أنه يجدد مناصرة الثورة بأمور ثلاثة، وهي أنه "على الموظفين الشرفاء مساندة إخوانهم الثوار بإضراب شامل ولو ليوم واحد"، وعلى "الشرفاء في البرلمان العمل على إقرار الإصلاحات الجذرية كتغيير مفوضية الانتخابات وقانونها وكذلك تغيير بعض بنود الدستور، والعمل على تطبيق ما أقر من إصلاحات من خلال إقرار قوانينها فوراً".
كذلك أشار إلى أنهم "إن لم يستطيعوا فلا معنى لبقائهم في البرلمان مكتوفي الأيدي"، حاثا "أئمة الجمعة في كل المحافظات على أن يقودوا مظاهرة سلمية لمساندة الثوار لكي تتحقق الإصلاحات".
وحث الصدر "القوات الأمنية الشريفة التي حررت الموصل الجريحة أخيراً على عدم المساس بالمتظاهرين والمعتصمين بل وأن يحاولوا إبعاد المندسين وغير المنضبطين الذين يعتدون على الثوار بالقتل والخطف والقنص وما شاكل ذلك".
Twitter Post
|
كما دعا المتظاهرين إلى عدم "التعرض للبعثات الدبلوماسية أو سفارات الدول غير المحتلة ولو بالهتافات"، وذلك في إشارة واضحة إلى إيران التي يشجب المتظاهرون تدخلها في العراق، مع ما شهده ذلك من حرق لصور المرشد علي خامنئي وزعيم فيلق القدس قاسم سليماني، خاصة في ميادين التظاهرات في النجف وذي قار والبصرة وبغداد وكربلاء، التي تعرضت القنصلية الإيرانية فيها لحصار متظاهرين لثلاثة أيام. وانزل المحتجون على أثرها العلم الإيراني وأحرقوه، كما قتل عدد من المتظاهرين خلال محاولتهم اقتحامها بنيران قوات الأمن العراقية، قبل أن يرفعوا يافطة كتب عليها "مغلقة بأمر الشعب".
ويشير بيان الصدر بوضوح إلى تراجع عن مواقفه السابقة في إقالة الحكومة الحالية وإجراء انتخابات مبكرة عبر حديثه عن فرصة تجديد الوجوه وبطرق عقلانية، لا يقع العراق فيها في مهاوي الخطر ومنزلق الفراغ المرعب، وكذلك دعوته البرلمان الحالي لتنفيذ الإصلاحات وإقرار المشاريع.
ويأتي ذلك بالتزامن مع زيارة يجريها رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان البارزاني، منذ صباح اليوم الأربعاء، إلى بغداد، حيث عقد اجتماعا مغلقا مع رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي. وأكد مسؤولون في بغداد لـ"العربي الجديد"، أن البارزاني أعلن دعمه لعبد المهدي في زيارته التي لم يعلن عنها مسبقا وعقد اجتماعا خلالها مع رئيسي البرلمان والجمهورية محمد الحلبوسي وبرهم صالح، وفق بيانات صادرة عن الرئاسات الثلاث بالتتابع.
وأكد مصدر حكومي مطلع أن "زيارة البارزاني غير المعلنة، جاءت لتأكيد الدعم من أربيل لعبد المهدي"، مبينا لـ"العربي الجديد"، أن "البارزاني فضلا عن تجديد دعمه لعبد المهدي، فإنه يسعى لتمرير بعض الملفات العالقة أيضا، أبرزها موضوع موازنة العام المقبل وعائدات النفط المصدر من قبل الإقليم".
من جهته، رأى رئيس كتلة "بيارق الخير"، محمد الخالدي، أن "زيارة البارزاني هي تجديد للدعم الكردي لرئيس الحكومة عادل عبد المهدي، وبحث بعض التفاصيل المتعلقة بتعديلات الدستور في ما يخص الجانب الكردي"، مبينا لـ"العربي الجديد"، أن "أي مبادرة قد تطرح لا أتصور أنها ستساهم بتهدئة الوضع، فالتوجه الحالي هو نحو حل الحكومة".
وأشار إلى أن "هناك ضغطا كبيرا من الشارع، وضغطا أمميا وأميركيا باتجاه تلبية مطالب المتظاهرين، وهذا كله يقلق الجهات الداعمة للحكومة".
وقال الخبير في الشأن السياسي العراقي، علي القيسي، لـ"العربي الجديد"، إن "تغيير نبرة الصدر في خطابته ووصول البارزاني إلى بغداد كلها تشير إلى قوة الضغوط الإيرانية الحالية على مسار التظاهرات لوأدها".
وأضاف القيسي أن المتظاهرين بكل الأحوال عليهم ألا يعولوا على أي جهة سياسية حالية في البلاد حتى تلك التي أعلنت تأييدها لهم، ففي النهاية تكون محكومة بمصالح وولاءات وصفقات سياسية".
واعتبر أن "هناك تبدلات كبيرة في المشهد السياسي العراقي قد تطرأ في الأيام أو الساعات المقبلة لكن كلها تشير إلى بقاء عبد المهدي في السلطة، والأميركيون قد لا يجدون سوى التخلي عن دعوتهم السابقة لإجراء انتخابات مبكرة كون الحراك أو الفاعل الإيراني أكثر قوة"، معتبرا أن الكلمة الأخيرة يجب أن تكون للشارع وهو من سيقرر بالنهاية في حال استمرت التظاهرات.