على وقع ازدياد زخم التظاهرات في بغداد وجنوب ووسط العراق، وارتفاع عدد الضحايا والمصابين، رصد برلمانيون وحقوقيون عراقيون وسائل جديدة للحكومة على مستوى مواجهة التظاهرات تتعدى الذخيرة وقنابل الغاز والاعتقالات، من خلال مجاميع تتبع أجهزة استخبارية وأخرى تابعة لأحزاب موالية لحكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، تم الزج بها أخيراً بين المتظاهرين في بغداد والبصرة وكربلاء والنجف وذي قار على وجه التحديد، لتنفيذ عمليات حرق وتخريب وإثارة مشاكل بين المتظاهرين أنفسهم، وكذلك استهداف قوات الأمن بشكل يبرر عمليات القمع المفرط التي تستخدمها الحكومة ضد المتظاهرين.
يأتي ذلك مع حراك واسع يجريه رئيس الجمهورية برهم صالح، مع قادة كتل سياسية مختلفة بهدف التوافق على عقد اجتماع مغلق خلال الساعات المقبلة لبحث الأزمة بعد استنفاد كل الخيارات والوعود، وكذلك رفض الشارع منح حكومة عبد المهدي أي مهلة زمنية لتنفيذ الإصلاحات، التي لم يُلمس منها شيء لغاية الآن منذ شهر ونصف الشهر، وسط تأويل واضح لبيان المرجعية الدينية بالنجف حول المقصد من عبارة "مهلة زمنية للإصلاح"، بين من اعتبرها تأييداً لبقاء حكومة عبد المهدي ومنحها فرصة تنفيذ الوعود وآخرين اعتبروها تشمل العملية السياسية برمتها، أو الذهاب لحل شامل يطاول الرئاسات الثلاث والدستور.
لليوم الثاني على التوالي تتواصل التظاهرات في محافظة ذي قار بمدنها الرئيسية، الناصرية والرفاعي والشطرة وسوق الشيوخ، مع سقوط أكثر من 10 أشخاص خلال يومين وأكثر من 500 جريح. ما دفع الحكومة إلى إرسال قوات من وحدات الرد السريع، وهي قوات قتالية شاركت في عملية طرد تنظيم "داعش" من ساحل الموصل الأيمن، لنشرها في مدن المحافظة إلى جانب قوات الشرطة وجهاز مكافحة الشغب والجيش الموجود أصلاً منذ بداية التظاهرات. ووفقاً لناشطين ومصادر محلية في ذي قار، فإن القوات الجديدة تأتي تحسباً من رد فعل عشائري على مقتل عدد من أبنائهم في التظاهرات.
في المقابل، فإن مدن كربلاء والنجف وميسان والمثنى والقادسية وبابل والبصرة تواصل عملية التظاهر في الميادين العامة والساحات، مع استمرار الإغلاق شبه الكامل في المدارس والجامعات منذ مطلع هذا الأسبوع، وسط اتساع رقعة المشاركين وتوقعات بارتفاع عددهم، اليوم الأربعاء، بعد دعوات وجّهتها نقابة المعلمين للمشاركة بالتظاهرات، وكذلك اتحاد العمال الذي يمتلك الحزب الشيوعي في الجنوب مفاصل رئيسية فيه.
ووزع متظاهرون في كربلاء بياناً هو الأول من نوعه تضمن مطالبهم الحالية، من بينها استقالة الحكومة وحل البرلمان وتشكيل حكومة مؤقتة استناداً إلى المادة 81 من الدستور، تعمل على تشكيل هيئة مستقلة للانتخابات بحسب الدستور وتحت إشراف أممي، ووضع قانون انتخابي واضح وعادل ومن دون أي إضافات أو التواءات فيه، ومنع سفر جميع الذين شاركوا بالعملية السياسية والحكومة والبرلمان منذ عام 2003 ولغاية الآن، ونصب محكمة شبيهة بمحكمة الرئيس الراحل صدام حسين، والدعوة لانتخابات مبكرة بعد ذلك في مدة أقصاها 6 أشهر. ودعا البيان الذي حمل عبارة مطالب الشعب، إلى الوحدة ونبذ الفرقة الطائفية والعنصرية وأن يكون الولاء للعراق ولا شيء سواه، وتمّ توزيع نسخ منه بشكل متطابق في ساحة التحرير، وسط بغداد.
وتتسع التظاهرات في بغداد وسط تحذيرات رفعها متظاهرون من أنه في حال التضييق عليهم أو محاولة فض ساحة التحرير ستعود التظاهرات لتنتقل إلى داخل الأحياء والمناطق الشعبية بشكل أوسع. من جهته، أكد عضو في البرلمان وناشط في التظاهرات، أنهما رصدا مجموعات لها صلة بالحكومة وأحزاب مقرّبة منها، تم دسّها في التظاهرات وقامت بعمليات حرق وتدمير واعتداء ورشق الأمن بالحجارة، لإحداث مشاكل وتبرير العنف الذي تواجه به الحكومة وقواتها المتظاهرين. وقال أحد النواب لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة تعمل على تشويه سمعة التظاهرات وإحداث شغب وتخريب، لإكسابها صفة يسهل معها مواجهتها بشكل أعنف"، فيما أكد ناشط رَصْد تلك الحالات بمحافظات جنوبية وبغداد منذ ليلة الاثنين.
بدوره، يجري الرئيس برهم صالح حراكاً واسعاً في بغداد لإقناع قادة الكتل أو من يمثلهم بعقد اجتماع موسع في قصر السلام، علماً أنه يبدو أن صالح لا يحظى بثقة جميع الأطراف السياسية في بغداد، خصوصاً كتل تحالف "الفتح"، بسبب مواقف سابقة له مع شركائه السياسيين في السليمانية وأربيل خلال السنوات الماضية. ووفقاً لمصادر سياسية، فإن الاجتماع يهدف للخروج بموقف سياسي جديد في ظل التطورات الحالية والمواقف الدولية المتشددة حيال عمليات القمع وضرورة تلبية مطالب المتظاهرين.
وأكد قيادي في تحالف "الإصلاح" البرلماني لـ"العربي الجديد"، أن "الاجتماع الذي يسعى إليه صالح مرتبط بالخروج بموقف جديد متفق عليه ويُخاطب الشارع في سبيل التهدئة وكذلك المجتمع الدولي". واعتبر أن الجميع تيقن باستحالة خروج مرجعية النجف ببيان يطالب المتظاهرين بوقف تظاهراتهم، كما أن كتلاً سياسية والحكومة تحاول إيهام المواطنين بأن المرجعية تريد بقولها إجراء إصلاحات في مدة زمنية محدودة، منح الحكومة فرصة واستمرارها بالعمل وعدم إقالتها، وهذا غير صحيح تماماً".
من جهته، أشار عضو البرلمان عن تحالف "الفتح" عدي عواد، إلى أن "الأزمة في العراق باتت تتسع مع استمرار بعض الأحزاب والكتل السياسية بعدم تصديقها واقتناعها بأن ما يجري من تظاهرات واعتصامات هي رد فعلٍ جماهيري على الفساد المستشري في البلاد، وغياب الإجراءات الإصلاحية الجادة لتهدئة الشارع". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "بعض الأحزاب ما زالت مؤمنة بأن الاحتجاجات ليست سوى زوبعة تنتهي خلال أيام، وبالتالي فهي لا تقبل بتقديم التنازلات السياسية والإصلاحات وتنفيذ مطالب المتظاهرين".
بدوره، رأى المحلل غالب الشابندر، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "قادة الأحزاب السياسية الحالية لا يفكرون بقيم دستورية وخارطة طريق حقيقية ولا يفكرون باستبدال مواقعهم واختيار شخصيات جديدة، بل مشغولون بالوصول إلى طريقة للحفاظ على وجودهم، والخلاص من نهاية مأساوية يتوقعونها بسبب الغضب الجماهيري. لذلك فإن الاجتماعات التي تعقد بين قادة الأحزاب والكتل السياسية تكون غير منتجة". ولفت الشابندر إلى أن "مرجعية النجف (علي السيستاني) وبالاتفاق مع الأمم المتحدة، سيكون لها دور كبير في تعديلات كثيرة وتأسيس دولة الاختصاصات والتكنوقراط. لكن هذا الأمر لن يتحقق بسهولة لوجود إصرار إيراني على أن عادل عبد المهدي هو الخيار الأول والأخير خلال المرحلة الحالية".
أما رئيس حزب الوركاء جوزيف صليوا، فأكد لـ"العربي الجديد"، أن "الصدر يعاني حالياً من ضغوط إيرانية، ولم يعد يمتلك الاستقلالية التامة في تحركاته"، مبيناً أن "الولايات المتحدة تريد أن يكون العراق جزءاً من المجتمع الدولي عبر الالتزام بمبادئ الديمقراطية، ومع أننا لا نثق بالديمقراطية التي تأتي من الخارج، ولكن العراق بحاجة إلى عوامل خارجية لتثبيت الديمقراطية، في وقتٍ يزداد القمع والنفوذ الإيراني في العراق". وأكمل قائلاً إن "الحلول السياسية للأزمة، لن تنتج غير الغضب الجماهيري، لأن الأحزاب في العراق باتت غير مرغوبة، وهي مستفزة بكل خياراتها واتجاهاتها، حتى أن مرجعية النجف محرجة من قبل الشيعة بسبب الأحزاب الفاسدة والفاشلة التي تدّعي أنها شيعية، ومع أن السيستاني تأخر كثيراً في موقفه من حكومات مع بعد 2003، إلا أن موقفه الأخير من التظاهرات يمثل علامة أمل من أجل التغيير".