ويخرج الجزائريون كل جمعة في مسيرات للتأكيد على مطالبهم السياسية الداعية لرحيل النظام وحكومة نور الدين بدوي، والرافضة لإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة الشهر المقبل.
واندلعت مظاهرات صاخبة بعد الفراغ من صلاة الجمعة، حيث غصت الشوارع والساحات بالمتظاهرين الذين رفعوا الأعلام الوطنية وصور شهداء ثورة التحرير ولافتات سياسية.
وسير متظاهرون ثلاث دفعات كبيرة من المظاهرات التقت كلها وسط العاصمة، انطلقت الاولى من ساحة الساعات الثلاث في باب الواد الشعبي، وقدمت الثانية من ساحة أول مايو وشارع حسيبة بن بوعلي، والثالثة من شارع ديدوش مراد.
وردد المتظاهرون هتافات مناوئة للانتخابات الرئاسية المقبلة معلنين رفضهم إجرائها، وتؤشر أعداد المتظاهرين على تمسك الحراك الشعبي بهذا الموقف، برغم إصرار وإعلان قائد الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، ورئيس الدولة في الفترة الانتقالية عبد القادر بن صالح، في خطابيهما الأخيرين، عن تنظيم الانتخابات في موعدها المقرر.
ودان المتظاهرون تهديدات وجهها قائد الجيش إلى الحراك الشعبي والمجموعات السياسية والمدنية الرافضة للانتخابات في حال قاموا بالتشويش على إجرائها، وتطبيق القانون ضدهم. وهتف المتظاهرون مطولا "ديكاج قايد صالح، هذا العام ماكانش الفوط" (ارحل قايد صالح، هذه السنة لن تكون انتخابات)، و"ماكانش انتخابات مع العصابات"، في إشارة إلى رفض إجراء الانتخابات في ظل بقاء رموز النظام.
وبرزت خلال المظاهرات، اليوم، شعارات مناوئة لتدخل المؤسسة العسكرية في المسار والقرار السياسيين، وهتف المتظاهرون ضد جنرلات الجيش وقائده "الشعب يريد إسقاط قايد صالح"، و"يا نامار (تعبنا) من الجنرالات"، و"الجنرالات إلى المزبلة"، وطالبوا بالسماح للشعب بإقامة دولة مدنية لا تهيمن فيها المؤسسة العسكرية على القرار.
وكان لافتا، في مظاهرات الجمعة التي تتزامن مع الاحتفال بعيد ثورة التحرير، رفع شعار "الشعب يريد الاستقلال"، في إشارة إلى عدم إنجاز استقلال حقيقي وهيمنة نظام سياسي على البلاد من الستينات، رفض السماح بإقامة ديمقراطية حقيقية وإشاعة الحريات السياسية والمدنية.
وتزين متظاهرون بالأعلام الوطنية، لكن أكبر حضور رمزي في مظاهرات الجمعة كان لرموز وشهداء ثورة التحرير، كالشهيدة حسيبة بن بوعلي وعلي لابوانت والعربي بن مهيدي ومصطفى بن بولعيد وعبان رمضان وغيرهم.
ورفعت خلال المظاهرات لافتات طويلة ضمت صور وأسماء عشرات الناشطين الموقوفين في السجون بسبب مواقفهم السياسية ومشاركتهم في الحراك الشعبي، أبرزهم المناضل، أحد قادة الثورة التحريرية، لخضر بورقعة وكريم طابو وسمير بلعربي وفوضيل بومالة وغيرهم.
وبرغم إغلاق السلطات الجزائرية لمداخل العاصمة ومنع دخول المتظاهرين القادمين من ولايات أخرى، فإن أعدادا كبيرة نجحت في الإفلات من المراقبة والحواجز الأمنية ووصلت إلى العاصمة للمشاركة في مظاهرات اليوم.
وراقبت الشرطة المظاهرات الصاخبة لكنها لم تتدخل، وانسحبت إلى أطراف الشوارع بعد تزايد أعداد المتظاهرين وتدفقهم على شوارع وساحات العاصمة.
وصبيحة اليوم، انتشرت قوات الشرطة على طول شارعي ديدوش مراد وزيغوت يوسف وفي ساحات أول مايو واودان والبريد المركزي وساحة الساعات الثلاث في حي باب الواد الشعبي، لمراقبة المظاهرات ومنعا لأي انزلاق للأوضاع.
وشوهدت عشرات المركبات التابعة للأمن مركونة في وسط العاصمة وفي الشوارع الخلفية، وعكس العدد الكبير للمركبات صورة عن أعداد قوات الأمن التي سخرتها السلطات لمظاهرات اليوم. وبحسب مصدر جزائري مسؤول، فإنه تم استقدام أكثر من ثلاثة آلاف عون أمن من ولايات أخرى لدعم القوة الأمنية الموجودة في العاصمة.
ونشرت السلطات أعدادا هامة من رجال الأمن بالزي المدني لتعزيز مراقبة المظاهرات، بعد التعبئة التي قام بها الناشطون خلال الأسبوع الماضي.
وحلقت طائرة عمودية منذ الصباح لتصوير ومراقبة وسط العاصمة، ومد غرفة المراقبة الأمنية بالصور، ومعلومات عن تحرك المظاهرات والمتظاهرين الذين تدفقوا منذ الصباح إلى وسط العاصمة.
واضطر متظاهرون وناشطون، قدموا من عدة ولايات إلى المبيت على الأرصفة حتى الصباح، للمشاركة في المظاهرات، تجنبا لمنعهم من الدخول إلى العاصمة الجزائرية اليوم. وشاهد مراسل "العربي الجديد" عددا من المتظاهرين وهم يبيتون على الأرصفة والساحات قرب البريد المركزي وساحة اودان وقرب المقر المركزي للأمن وفي ساحة بور سعيد وسط العاصمة.
وقال ماسينيسا ايت وعراب إنه اضطر، مع عدد من رفاقه، إلى المجيء الليلة الماضية إلى العاصمة قادما من مدينة عزازقة شرقي الجزائر، تجنبا لإغلاق المدينة، اليوم، في وجههم من قبل السلطة، ومنع المتظاهرين من الدخول، مضيفا أنه فضل البقاء مع رفاقه في ساحة البريد المركزي للغناء والحديث حتى الصباح.
ووفر حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" مقره المركزي، في شارع ديدوش مراد وسط العاصمة، لإيواء أكبر عدد ممكن من هؤلاء الشباب والمتظاهرين القادمين من بعيد.
وساهم ناشطون وعائلات وسط العاصمة، في توفير وجبات عشاء وإفطار صباحي بما أمكن لصالح هؤلاء المتظاهرين
وقال المحلل السياسي ناصر حداد إن "عددا كبيرا من الطلبة الشباب أقاموا في مقر التجمع، والعائلات الجزائرية قامت بواجبها دعما للشباب وللحراك الشعبي، لأنها آمنت بقضيتهم وقضية الشعب الجزائري الذي هم جزء منه".
وحتى وقت متأخر ظل الناشطون والشباب يرددون الأغاني والهتافات السياسية، فيما تمركزت قوات الشرطة بالقرب من أماكن تواجدهم المختلفة، من دون أن تتدخل تجنبا لأي انزلاق أو توتر. والليلة الماضية، شهدت العاصمة مظاهرات حاشدة، امتدت حتى ما بعد منتصف الليل، رفع فيها المتظاهرون شعارات تطالب برحيل النظام ووقف إجراء انتخابات ديسمبر/كانون الثاني.