تونس: برلمان جديد ومشهد معقد ومخاوف من عدم الاستقرار

تونس
D8A6CEA0-1993-437F-8736-75AB58052F84
وليد التليلي
صحافي تونسي. مدير مكتب تونس لموقع وصحيفة "العربي الجديد".
07 أكتوبر 2019
11E3C875-3599-41E8-BA70-E7A3920D9489
+ الخط -

جرت انتخابات تشريعية أمس الأحد في تونس بهدوء تام، ونجح التونسيون مرة رابعة في إنجاز انتخابات حرة وديمقراطية، وتأصلت بشكل واضح ونهائي مسألة التداول السلمي للسلطة وقداسة الصندوق الذي يحمل في طياته قرار الشعب باختيار من يحكمه، وهو الإنجاز الأهم والأكبر الذي حققته التجربة التونسية.

واختار التونسيون الذين خرجوا إلى مكاتب الاقتراع برلمانهم الجديد وشكلوه ممن رأوا فيهم أحقية تمثيلهم، غير أن الجزء الأكبر منهم بقي في البيت وقرر عدم المشاركة في هذه الانتخابات لأسباب متعددة ينبغي البحث عنها.  

وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية كانت في حدود 41.32 في المائة داخل تونس و16.4 في المائة خارجها، وبدا الأسف واضحاً في المؤتمر الصحافي للهيئة عقب إغلاق مراكز الاقتراع، لأن تأصيل المممارسة الديمقراطية يمر حتماً عبر المشاركة المكثفة في الاقتراع.


وعزا متابعون ضعف نسبة التصويت لأسباب متعددة من بينها تلازم الانتخابات التشريعية والرئاسية وعدم قيام الهيئة بجهد في تشجيع الناخبين، وتركيز الجميع طيلة الأسبوع الماضي على مشاكل الانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى مسائل تقنية متعددة تتعلق ببعد مراكز الاقتراع وطريقة تسجيل الناخبين وغيرها، تضاف إليها تداعيات نفور الناخبين من العمل السياسي التي ظهرت في كل المواعيد الانتخابية الأخيرة، ما جعل حوالي 60 في المائة من الناخبين يمتنعون عن التصويت.

وكشفت الأرقام الأولية، التي قدمتها مختلف شركات سبر الآراء، أن 68.9 في المائة من الناخبين صوّتوا لأحزاب و17.7 لقائمات ائتلافية و13.4 في المائة لمستقلين.

ووضعت النتائج حركة النهضة في مقدمة الأحزاب بحوالي 18 في المائة من الأصوات يليها حزب قلب تونس متأخرا بنقطتين، ثم الحزب الدستوري بـ6.8 في المائة وائتلاف الكرامة بـ6.1 ثم حزب التيار الديمقراطي بـ5.1 وحركة الشعب بـ4.7 وتحيا تونس بـ4.7 وعيش تونسي بـ2.6 وحزب البديل بـ2.1 ونداء تونس بـ2 في المائة فقط من الأصوات.

وبحسب هذه النتائج الأولية، ستكون حركة النهضة صاحبة المرتبة الأولى بأكثر من 40 مقعداً، وربما تتجاوز 45 مقعداً بإضافة نواب الخارج، وحزب قلب تونس بـ33 مقعداً وائتلاف الكرامة بـ18 مقعداً وحركة "تحيا تونس" بـ16 مقعداً وحركة الشعب بـ15 مقعداً والحزب الدستوري الحر بـ14 مقعداً والتيار الديمقراطي بـ14 مقعداً وعيش تونسي بـ5 مقاعد وحزب البديل التونسي بـ3 مقاعد وحركة نداء تونس بما بين مقعد وحيد وأربعة مقاعد.

وتقود هذه النتائج إلى استخلاص شكل البرلمان الجديد، الذي لم يخيب توقعات كل الملاحظين لجهة أنه سيكون منقسماً ومشتتاً دون منح أي قوة سياسية أغلبية ولو نسبية تمكنه من العمل بأريحية وتنفيذ برامجه التي انتخب على أساسها، بل إن هذه النتائج ضاعفت المخاوف من دخول المشهد السياسي الجديد مرحلة تقلبات متواصلة وعدم استقرار قد يتكرر على مدى السنوات القادمة.

ويتذكر التونسيون أن حزبي النهضة ونداء تونس تمتعا بـ69 مقعداً و89 مقعداً على التوالي في البرلمان السابق، ومعهما أحزاب أخرى، ومع ذلك لم ينجحا في تكوين حكومة مستقرة بإمكانها تحقيق مطالب الناس، وتشكلت على مدى السنوات الخمس الماضية أربع حكومات، فكيف سيكون عليه الأمر بهذا التوزيع للمقاعد، ومن بإمكانه أن يتحالف مع من؟

ويخشى المتابعون من أن يعجز هذا البرلمان حتى عن تشكيل حكومته الأولى، حيث ستوكل مهمة تكوينها لحركة النهضة وفق ما ينص عليه الدستور، بينما أعلن كل من حزب قلب تونس والتيار الديمقراطي والحزب الدستوري عن عدم استعدادها للتحالف مع النهضة بمجرد صدور النتائج.

وأعلنت النهضة بدورها عن قاعدة اختيارها للحكومة القادمة، حيث أكّد القيادي بحركة النهضة عبد الكريم الهاروني في تصريح للقناة الوطنية الأولى أنّ الحركة ستجري مشاورات لتكوين حكومة كفاءات سواء من داخل الأحزاب أو خارجها.

وعبّر عن أمله في أن توفّق النهضة في تكوين الأغلبية حتى ''لا نجد أنفسنا أمام إعادة الانتخابات''، مضيفاً أنّ النهضة ستبني تحالفات مع الثورة وضدّ الفساد، حسب قوله.

واعتبر زعيم الحركة راشد الغنوشي في ندوة صحافية، أمس الأحد، أنّ حركته تعلمت من أخطاء المرحلة السابقة، وأنها تلقت رسائل وتحذيرات التونسيين، متعهّدا بأن تحكم النهضة ببرنامج ضدّ الفساد وتتخذ قرارات قوية وأن تضرب بقوة على أيدي الفاسدين، وأنّها في المقابل تطلب مساندة الشعب لتنفيذ تعهداتها، وفق تصريحه.

وشدّد الغنوشي على أنّ تونس تعيش مرحلة جديدة، مؤكّدا أهمية انسجام السلطة وقيامها على برنامج، وليس على توافقات بين أشخاص، على رأسها محاربة الفساد وتحقيق التنمية. وأشار إلى ضرورة الانسجام بين أقطاب السلطة، في قرطاج وباردو والقصبة، معتبرا أنّ من سلبيات المرحلة السابقة أن السلطة لم تكن على انسجام مرات كثيرة.


وفيما تميز برلمان 2014 بوجود أغلبية مطلقة في مقابل معارضة محدودة العدد، سيتميز هذا البرلمان بوجود أغلبية نسبية، إن تحققت، ومعارضة واسعة وقوية، ما يعني أنها ستصطدم بمعارضة قوانينها ومشاريعها، علاوة على استكمال وضع المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية.

وكما أبعدت نتائج 2014 أحزاباً وشخصيات تاريخية من المشهد، جاءت انتخابات 2019 لتنحي أحزابا أخرى من بينها التكتل والجمهوري وحراك تونس الإرادة ومشروع تونس وآفاق تونس، وخصوصا اليسار التونسي التقليدي ممثلا بالجبهة الشعبية، ونداء تونس الذي سقط من القمة إلى القاع سقوطاً مدوياً، أكد أن هذا الحزب لم يكن إلا محطة سياسية عابرة تأسست على فكرة مؤقتة ماتت بموت صاحبها.

لكنها في المقابل قدمت قوى جديدة للساحة السياسية، من بينها ائتلاف الكرامة وعيش تونسي، والجمعية التي تتحول شيئا فشيئا إلى حزب، وحزبا حركة الشعب التيار الديمقراطي اللذان رُفعا إلى مرتبة أعلى ومرحلة جديدة من مساريهما، بالإضافة إلى الحزب الدستوري الحر الذي يدخل البرلمان بقوة وسيكون صوتاً معارضاً قوياً على مدى السنوات القادمة.

وينتظر الإعلان عن النتائج بالتفصيل للتعرف على المستقلين الذين حازوا على نسبة مهمة، وهي حوالي 16 في المائة، وهو رقم يمكن أن يكون محدداً سواء لائتلاف الحكم أو المعارضة. 

لكن هذه الانتخابات تؤكد عدم وجود عائلة سياسية واحدة تمكنت من إقناع غالبية الناخبين، فقد شكلت خليطاً بين قوى الثورة والنظام القديم، والإسلاميين والحداثيين، واليسار الاجتماعي والأحزاب الليبرالية، بما يؤكد أن المزاج التونسي العام لا ينتصر لفكرة محددة أو لمرجعية أيديولوجية ثابتة، وإنما هو بصدد البحث أساسا عمن يمكن أن يحقق أهدافه التي ثار من أجلها.

ذات صلة

الصورة
البنزرتي طالب الاتحاد تحفيز اللاعبين مزدوجي الجنسية (الاتحاد التونسي/العربي الجديد)

رياضة

حقق المدير الفني للمنتخب التونسي فوزي البنزرتي بداية جيدة مع كتيبة "نسور قرطاج"، بعدما حقق فوزين متتاليين، في مستهل تجربته الرابعة مع الفريق.

الصورة
عبد اللطيف المكي في العاصمة التونسية، إبريل 2020 (ياسين قايدي/الأناضول)

سياسة

استخدم الرئيس التونسي قيس سعيّد القضاء لتوجيه ضربة لمنافسيه في الانتخابات التونسية الرئاسية، حيث صدرت أحكام بالسجن على عدد من المرشحين.
الصورة
مسيرة احتجاجية في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، 25 يوليو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

طالبت عائلات المعتقلين السياسيين في تونس بإطلاق سراحهم بعد مضي سنة ونصف سنة على سجنهم، وذلك خلال مسيرة احتجاجية انطلقت وسط العاصمة.
الصورة
مقبرة جماعية في منطقة الشويريف بطرابلس، 22 مارس 2024 (الأناضول)

مجتمع

أعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك، الثلاثاء، أن مكتبه يتابع تقارير عن اكتشاف مقبرة جماعية في الصحراء على الحدود الليبية التونسية.