قتلة جمال خاشقجي بلا عقاب: قانون الغاب

02 أكتوبر 2019
لا يزال منفذو الجريمة أحراراً طلقاء (رونين تيفوني/Getty)
+ الخط -
مرّ عام كامل على قتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول، من دون أن تظهر أي بوادر لتحقيق العدالة. وقد يمضي وقتٌ طويل، أو قد لا يأتي، قبل أن يقرر المجتمع الدولي محاسبةً حقيقية لقتلته، المباشرين وغير المباشرين. وحتى لو كان هؤلاء معروفين، وبالأسماء، بحسب خلاصات أجهزة الاستخبارات التركية والأميركية والتي أشارت إلى مسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وعدد من المقربين منه، فإن الحماية التي سقطت على الأخير من قبل الولايات المتحدة، كشفت عورة القانون الدولي، ومحدودية القدرة على استخدامه أو تطبيقه، عندما تتداخل المصالح والقوة والنفوذ، لتغطي على حقّ إنساني بالحياة، وجريمة بشعة بحجم تلك التي ارتكبت بحق الصحافي الراحل. والجريمة، كما بدا على مدى عام كامل تحولت إلى ورقة ابتزاز للسعودية وحاكمها الفعلي محمد بن سلمان، المتهم بإصدار الأوامر لقتل خاشقجي، من الجهة التي تحميه تحديداً.

وتتشابه قضية مقتل خاشقجي مع جرائم سياسية كثيرة حصلت حول العالم، لم تأخذ العدالة مجراها للاقتناص من فاعليها أمام المحاكم، على الرغم من أن بعضها ذهب إلى تطبيق العقوبات على دول متورطة. هذه الجرائم التي نفذتها دول وأجهزة استخبارات عالمية، قلما عرفت طريقها إلى المحاسبة الفعلية، لكن حالة خاشقجي كانت من بين الأسهل لجهة تحديد المرتكبين، وبدت بعد أيام قليلة على تنفيذها بالوضوح الذي يسمح بإعادة تمثيلها بدقة، على الرغم من أنها تمّت على أعلى المستويات، ما يكشف في الوقت ذاته تحدي المسؤولين السعوديين لجميع القوانين الإنسانية والدولية والدبلوماسية. وللمفارقة، فإن الجريمة وقعت بعيد وقت قصير من إعلان أممي جديد لحماية الصحافيين حول العالم.
ولولا الأدوات الاستخبارية والأمنية "المرادفة" في تركيا، كالتجسس والتنصت والمراقبة، لظل مصير خاشقجي حتى اليوم غامضاً بالمفهوم القانوني، فالحصانة التي تمتعت بها قنصلية السعودية في إسطنبول، حيث وقعت الجريمة، ظلّت لوقت عائقاً دون معرفة فورية وسريعة لما جرى للصحافي المغدور إثر دخوله لها ظهر الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وبناء عليه كان ذلك القانون الوحيد، للمفارقة، الذي طبق في القضية برمتها، حتى اليوم.


في المقابل، سرت تساؤلات قانونية في العديد من المراكز والمواقع المتخصصة عما إذا كانت اعتراضات استخبارية، وخاصة أميركية، لمكالمات أجراها مسؤولون سعوديون رفيعو المستوى، قبل الجريمة، وحملت شكوكاً بخطر على خاشقجي، ملزمة قانونياً لهذه الأجهزة بتحذير الضحية قبل توجهه إلى إسطنبول. كما جرت تساؤلات حول مدى ضرورة التزام الولايات المتحدة بحماية خاشقجي، الذي كان يعيش على أراضيها، وله أولاد يحملون جنسيتها.

وبالعودة إلى المسار القانوني لقضية جريمة خاشقجي، فلا يبدو اليوم سوى أنها تسير بخط واحد، وهو المسلك التركي، الذي بدا مصمماً منذ اللحظة الأولى على استكمال التحقيق، مع فشل حتى الآن لمسعى تدويله، ولا يزال الأتراك يطالبون بمحاسبة القاتلين عبر القانون. غير ذلك، فإن التحقيق والأحكام التي أصدرتها السعودية بعد اعترافها بالجريمة وبجزء من فاعليها، بدت مسرحية هزلية، ولو أنها تقع في سياق تاريخ طويل من عمليات التصفية التي مارستها المملكة منذ نشأتها الحديثة بحق معارضيها.

أما الولايات المتحدة، التي كان الصحافي الراحل مقيماً فيها (فيزا من نوع "أو" وطالباً للإقامة الدائمة)، فلم يتمكن الكونغرس الذي شهد أعتى حملاته على المملكة رداً على جريمة القتل، من تمرير أي قانون لمعاقبة السعودية، في تواطؤ جمهوري مع الرئيس دونالد ترامب، ونتيجة إعاقة متواصلة للبيت الأبيض وللخارجية الأميركية. قرار يتيم أخذ طريقه إلى الصدور، بمنع سفر 18 شخصاً من فريق الاغتيال السعودي الذي نفذ القتل، والذي لا يزال بدوره حراً طليقاً على الأرجح في السعودية التي حجبت كل وسائل الشفافية في تحقيقها. أما أممياً، فتواصل المحققة أنياس كالامار المطالبة بالعدالة لدم خاشقجي، وليبقى تحقيقها الذي وصل إلى نهاياته في يونيو/ حزيران الماضي، رغم دقته في تسمية الأمور بأسمائها، وصولاً إلى ممارسات أخرى لبن سلمان شكلت تحدياً للقانون كقضية احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، حبراً على ورق في ظلّ الصمت الدولي.

التحقيق التركي

بعد أسابيع من التقارير الإعلامية والتسريبات التركية، التي خرجت إثر اختفاء خاشقجي، أعلن المدعي العام التركي لمدينة إسطنبول عرفان فيدان في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أن الصحافي السعودي قتل فور دخوله القنصلية "خنقاً"ً، وأن جثته قطعت وأتلفت، مشيراً إلى أن عملية القتل كانت "مدبرة". وطلب فيدان استرجاع المتهمين الـ18 بقتل خاشقجي الذين قالت السعودية إنها أوقفتهم إلى الأراضي التركية. وكان فيدان قد التقى في 29 أكتوبر بالمدعي العام السعودي سعود المعجب، في القصر العدلي لمدينة إسطنبول في إطار التحقيقات حول مقتل خاشقجي، علماً أن تركيا كانت قد وافقت بعد أيام من اختفاء خاشقجي على طلب سعودي بتشكيل فريق تحقيق مشترك في القضية. وفي سياق ذلك، أجرت فرق بحث جنائية تركية أعمال تحقيق وبحث في مقر القنصلية السعودية ومقر إقامة القنصل السعودي في إسطنبول، محمد العتيبي.

وفي الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني، قالت مصادر في مكتب المدعي العام التركي إن النيابة العامة أوقفت عملية البحث عن جثة خاشقجي، وأن كل نقاط البحث والمراقبة التي وضعتها السلطات التركية أصبحت لا قيمة لها، بعد وصول المحققين الأتراك إلى قناعة تامة بأن الجثة تم التخلص منها بإذابتها بالكامل بواسطة أحماض كيميائية. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتدويل القضية.

في 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أصدر القضاء التركي مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودية أحمد عسيري والمستشار السابق لولي العهد سعود القحطاني على خلفية الجريمة، وذلك إثر تقييم طلب تقدمت به النيابة بهذا الخصوص وفقاً لأدلة جديدة قالت إنه تم الحصول عليها في إطار التحقيقات. ووجهت النيابة التركية إلى عسيري والقحطاني تهمة "القتل المتعمد بطريقة وحشية أو عبر التعذيب مع سابق الإصرار والترصد".

السعودية

لأكثر من أسبوعين بعد اختفاء خاشقجي في قنصليتها بإسطنبول، ظلت الرياض تنكر معرفتها بمصيره، وتؤكد مغادرته للقنصلية في اليوم ذاته الذي دخلها فيه بعد إتمام معاملته.

في 20 أكتوبر/ تشرين الأول، أقرت السعودية بأن خاشقجي قتل في القنصلية بعدما فشل مستجوبوه في إقناعه بالعودة إلى المملكة، مع إصرار على توصيف العملية بـ"المارقة". وقال النائب العام السعودي إن التحقيقات الأولية أظهرت وفاة خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. ونقلت قناة الإخبارية السعودية عنه قوله إن "المناقشات التي تمت بين المواطن جمال خاشقجي وبين الأشخاص الذين قابلوه أثناء وجوده في قنصلية المملكة في إسطنبول أدت إلى حدوث شجار واشتباك بالأيدي ما أدى إلى وفاته". وتزامناً أصدر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أوامر ملكية بإعفاء نائب رئيس الاستخبارات السعودية أحمد عسيري، وهو أحد المخططين للاغتيال، من منصبه.

في 23 أكتوبر/ تشرين الأول، قال مجلس الوزراء السعودي إنه سيحاسب كل من وقف وراء قتل الصحافي "بغض النظر عمن يكونون".

في 26 أكتوبر، قال المسؤولون السعوديون إن 18 شخصاً تم توقيفهم وتمّ إعفاء خمسة مسؤولين حكوميين كبار في إطار تحقيق بالقضية، من بينهم العسيري وسعود القحطاني، مستشار ولي العهد.

في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني، قال نائب المدعي العام السعودي، شعلان الشعلان، إن عملية القتل جاءت بناء على تعليمات من رئيس "فريق مفاوضات" أرسله نائب رئيس الاستخبارات السعودية إلى إسطنبول لإجبار خاشقجي على العودة للمملكة من منفاه الاختياري. وأعلن الشعلان أن جثة خاشقجي تمت تجزئتها وتسلميها إلى متعاون محلي، وهو ما نفته تركيا. وأفادت وكالة الأنباء السعودية بأن النيابة العامة توجه التهم إلى 11 شخصا بقضية مقتل خاشقجي، فيما وصل عدد الموقوفين بالقضية إلى 22 شخصاً. كما سيتم تسليم الصورة التقريبية للمتعاون المحلي التركي إلى السلطات التركية. وقالت النيابة السعودية: "ننتظر استجابة تركيا لطلبنا الحصول على الأدلة والتسجيلات الصوتية". ونقلت الوكالة عن النيابة العامة، إن الفريق السعودي الذي أرسل إلى إسطنبول كان يسعى لإقناع خاشقجي بالعودة، لكن قائد الفريق أمر بقتله وتم تقطيع الجثة وتسليمها إلى متعاون تركي.

وزعمت النيابة العامة أن قائد مهمة استعادة خاشقجي قرر قتله في حال فشل في إقناعه، مضيفة أن أسلوب الجريمة هو عراك وحقن أدى إلى الوفاة، مؤكدة إقامة الدعوى الجزائية بحق المتهمين بالقتل وعددهم خمسة. وقالت إن "الآمر بالمهمة هو نائب رئيس الاستخبارات، والآمر بالقتل هو رئيس فريق التفاوض".

وفي الثالث من يناير/ كانون الثاني 2019، أعلنت السعودية أنها عقدت أول جلسة لمحاكمة القاتلين، وقالت النيابة إنها تسعى إلى إعدام خمسة متهمين من أصل 11 متهماً مجهولي الهوية قالت المملكة إنها زجت بهم خلف القضبان في إطار محاكمة داخلية لقتلة خاشقجي، مع إيقاع العقوبات الشرعية المستحقة على الباقين.

وفي 8 فبراير/ شباط الماضي، كشفت كالامار، التي ترأست تحقيقاً خاصاً حول الجريمة، عن عقد السعودية جلسة ثانية لمحاكمة المتهمين في مقتل خاشقجي في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، بعيداً عن الإعلام.


تحقيق كالامار
في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت كالامار أنّ جريمة قتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول هي "إعدام خارج نطاق القضاء" ارتكبته السعودية، مطالبة بفتح تحقيق دولي في هذه القضية.

وفي الخامس من يناير/ كانون الثاني، أكد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن فريقاً من الخبراء الدوليين سيجري تحقيقاً "مستقلاً" في مقتل خاشقجي، على أن تتوجه كالامار مباشرة إلى تركيا، لرئاسته. وذكر المكتب أن التحقيق "سيراجع ويقيم من وجهة نظر تتعلق بحقوق الإنسان، الظروف المحيطة بمقتل خاشقجي". وسيسعى التحقيق للبحث عن طرق "تقوم من خلالها الدول بتقوية التزامها بالتعهدات الدولية لناحية حماية الحق في الحياة، ومنع الانتهاكات، وتأمين المحاسبة".

وفي الثالث من فبراير/ شباط، اختتمت كالامار، برفقة هيلينا كيندي ودوارتي نونو فييرا، زيارة لتركيا استغرقت قرابة أسبوع، عقدت خلالها اجتماعات مع مسؤولين على علاقة بملف جريمة خاشقجي.

وفي التقرير الذي أصدرته بعد انتهاء تحقيقاتها، والمؤلف من 101 صفحة، والذي قدمته في 26 يونيو/ حزيران الماضي لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الذي يضم 47 دولة من بينها السعودية، دعت المقررة الأممية إلى استجواب بن سلمان، ومسؤولين آخرين. وفي خلاصة تقريرها النهائي، قالت إن خاشقجي كان ضحية تصفية مقصودة ومدبرة مسبقاً، ونتيجة عملية قتل خارجة عن القانون، تتحمل مسؤوليتها السعودية، كما وجدت "دليلاً ذا مصداقية" أن بن سلمان ومسؤولين سعوديين رفيعي المستوى يتحملون المسؤولية. ولفتت إلى أن المحاكمة التي تجريها السعودية فشلت في الوفاء بالمعايير الإجرائية الدولية وبالمعايير الموضوعية، داعية إلى تعليقها. وقال التقرير إن السلطات السعودية لم تقدم أي معلومات عما أجرته من تحقيق بشأن "موقع الجريمة"، وأن التحقيق السعودي لم يُجر بـ"نية حسنة".

وعرض تقرير كالامار عشرات التوصيات، وأشارت خلاله إلى "الحساسية الشديدة" للنظر في المسؤولية الجنائية لولي العهد، وكذلك سعود القحطاني، المستشار البارز في الديوان الملكي السعودي، الذي لم توجه إليه أي تهمة. ورأت أنه "لا يوجد سبب لعدم تطبيق العقوبات على ولي العهد وممتلكاته الشخصية". كما دعت إلى فتح تحقيق جنائي في الجريمة، مشددة في الوقت ذاته على ضرورة إطلاق الولايات المتحدة تحقيقاً في مقتل خاشقجي عن طريق مكتب التحقيقات الفدرالي. التقرير تضمن سرداً مروّعاً دقيقاً للأحداث المحيطة بالقتل، ويستشهد بأصوات المنشار الطنان الذي يحتمل أن يكون قد استخدم لتقطيع جسد خاشقجي. كما حدّدت بالاسم 15 مشتبهاً بهم في القضية.

وفي 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، حثّت المقررة الأممية وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، على رفع السرية عن ملفاتها المتعلقة الصحافي السعودي.

وكانت السعودية قد رفضت تقرير كالامار، كما أكدت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، معربة عن "أسفها" لذلك.

الولايات المتحدة

لم يرق التحرك الأميركي في مقتل خاشقجي إلى أي مستوى من التحقيق، على الرغم من حالة الغليان والغضب التي سادت في الكونغرس إثر الجريمة، وتصاعد الدعوات لإعادة تقييم العلاقات السعودية – الأميركية، وسط تساؤلات حول مدى استمرارية الرياض كالحليف الأول لواشنطن في الشرق الأوسط.

وفيما خرجت مطالبات حقوقية بأن تقود وكالة "أف بي آي" تحقيقاً بالجريمة، سرّبت صحف أميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تقديراً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" يفيد بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو الذي أمر باغتيال خاشقجي. وقالت صحيفة "واشنطن بوست"، التي كان خاشقجي يكتب فيها، إن تقدير "سي آي إيه" مبني على اتصال هاتفي أجراه خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد، وسفير السعودية في واشنطن في حينها. ويعتقد أن خالد بن سلمان اتصل بخاشقجي، بتوصية من شقيقه ولي العهد، وطمأنه على سلامته إذا ذهب إلى قنصلية إسطنبول. ويعتقد أيضاً أن "سي آي إيه" فحصت اتصالاً هاتفيا تلقاه أحد مساعدي ولي العهد من المجموعة التي قتلت خاشقجي. ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مصادر قريبة من الوكالة أن المحققين لم يعثروا على أي دليل يربط ولي العهد مباشرة بعملية القتل، لكنهم يعتقدون أن مثل هذه العملية لا بد أنها تمت بموافقته. وكشفت "وول ستريت جورنال" مقتطفات من التقييم السري لوكالة "سي آي إيه" أفادت بأن محمد بن سلمان بعث 11 رسالة لمستشاره سعود القحطاني في الساعات التي سبقت وتلت عملية الاغتيال.

وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قدمت مديرة "سي آي إيه" جينا هاسبل إحاطة أمام الكونغرس بشأن مقتل خاشقجي.

ولاحقاً، نقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين استخباريين أن الولايات المتحدة اعترضت مكالمة لبن سلمان مع أحد مساعديه في 2017 هدد فيها بتصفية خاشقجي بـ"رصاصة".

أما في ما خص الكونغرس، الذي أجهض ترامب والجمهوريون محاولات عدة لتمرير مشاريع قوانين لمعاقبة السعودية (متعلقة بمبيعات أسلحة وحرب اليمن)، فقد وجّه أعضاء في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي (على رأسهم بوب كوركر وبوب مننديز) في منتصف نوفمبر/ تشرين الأول الماضي، رسالة للرئيس الأميركي، يطالبونه فيها بفتح تحقيق في مقتل خاشقجي، بموجب"قانون ماغنيتسكي"، الذي يتيح إمكانية فرض عقوبات على الجهة المتورطة في مقتله.

ويلزم القانون الرئيس الأميركي بفتح تحقيق بعد تلقيه طلباً من أعضاء في اللجنة، إذا ما كان أجنبي مسؤولاً عن جريمة قتل أو تعذيب أو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان المعترف بها دولياً لممارسته حقه في حرية التعبير. كما يلزمه بإصدار تقرير خلال 120 يوماً من تلقي الرسالة، يتضمن قراراً بشأن فرض عقوبات على أي شخص يعتبر مسؤولاً عن انتهاكات خطيرة، مثل التعذيب والاحتجاز لمدة طويلة دون محاكمة أو قتل شخص خارج نطاق القضاء لممارسته هذا الحق، وهي المهلة التي أهملها ترامب، متسلحاً بحيلة قانونية مثيرة للجدل، كتبرير لقراره عدم الامتثال لـ"قانون ماغنيتسكي". وقال موقع "جاست أورغ" المتخصص في العدالة والقانون الدولي، إنه "للسخرية، فإن الرئيس السابق باراك أوباما (الذي وقع على القانون في 2012) هو الذي أمّن لترامب الوسيلة للتهرب من وضع قانوني حرج، فعبر توقيعه على القانون، أكد أوباما أنه يحتفظ بحق الالتزام أو النأي عنه عند اللزوم، وبالتوافق مع فصل السلطات وفق الدستور (الأميركي)، الذي يحد من قدرة الكونغرس على إملاء السلطة التشريعية بكيفية تنفيذها للقانون". وهو تحديداً ما له ارتباط بموافقة ترامب على طلب كوركر ومننديز.

وفي آذار الماضي، استجوب الكونغرس الأميركي وزير الخارجية مايك بومبيو حول مقتل خاشقجي.

في 10 يوليو/ تموز الماضي، قدم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، السيناتور الديمقراطي جيم ريش، مشروع قانون من شأنه معاقبة السعودية على الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها. ويعد مشروع القانون، الذي شمل أيضاً انتقادات لولي العهد السعودي، أحدث جهود الكونغرس من أجل تحميل السعودية مسؤولية الانتهاكات الحقوقية، بما فيها مقتل خاشقجي، وهي جهود لم تصل إلى خواتيمها بسبب حماية ترامب.

إجراءات دولية

لم تفتح أي دولة أجنبية، ما عدا تركيا، تحقيقها الخاص بمقتل خاشقجي. واكتفت كندا وفرنسا وبريطانيا بفرض عقوبات على 18 شخصاً مرتبطين بالاغتيال، ليس اسم بن سلمان من بينهم. كما ألغت ألمانيا وفنلندا والدنمارك عقود توريد سلاح للسعودية بعد الجريمة.