الحديدة اليمنية: مزيد من التدويل بمواجهة تعذر تنفيذ الاتفاق

10 يناير 2019
فشلت جولة الاجتماعات المباشرة الثالثة التي يقودها كاميرت(فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أنّ الأمم المتحدة لا تسعى لتحقيق معجزة فورية بالوصول إلى توافق بين طرفي الأزمة اليمنية بشأن آليات تطبيق اتفاق مدينة الحديدة الاستراتيجية، بقدر ما تتجه إلى تعزيز وجودها في المحافظة الحيوية، عقب انتهاء المهلة الأولية المحددة لتنفيذ الاتفاق، الذي أعلن عنه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في ختام مشاورات السويد في الـ13 من الشهر الماضي، كأول نجاحٍ للجهود الدبلوماسية منذ سنوات. غير أنّ الواقع جاء ليؤكّد أنّ الطريق ليس مفروشاً بالورود، وأن التقدّم لا يزال محصوراً في وقف إطلاق النار والحضور الأممي المباشر في المدينة.

ويأتي ذلك فيما فشلت الجولة الثالثة من الاجتماعات المباشرة للجنة التنسيق وإعادة الانتشار الخاصة بالحديدة. وأوضحت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أنّ رئيس فريق المراقبين الدوليين، باتريك كاميرت، اجتمع خلال اليومين الماضيين مع الفريقين الحكومي والتابع لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، كلاً على حدة، عقب تعذّر اجتماع الطرفين على طاولة واحدة. إذ رفض الحوثيون يوم الثلاثاء الماضي حضور ممثليهم الاجتماع بمناطق خاضعة لسيطرة الشرعية، ما اضطر كاميرت إلى حصر اجتماعه بالجانب الحكومي، قبل أن ينتقل أمس الأربعاء للقاء الحوثيين.

ويمثّل تعذّر الاجتماع المباشر للجنة التنسيق وإعادة الانتشار بالحديدة، بالتزامن مع انتهاء المهلة المحددة لتنفيذ الاتفاق ومدتها 21 يوماً، أحد المؤشرات العملية على التراجع في التقدّم المحدود الذي تحقّق بشأن الحديدة، إذ يحتفظ كل من الطرفين برؤية مغايرة للآخر عن الخطوات الملزمة للاتفاق.

أمّا الردّ الدولي، فقد جاء من خلال طلب الأمين العام للأمم المتحدة من مجلس الأمن الدولي، السماح بنشر 72 مراقباً دولياً في الحديدة، وكل ما من شأنه تسهيل مهمة الفريق الدولي، بما في ذلك معدات عسكرية وطائرات، وهو ما يعني أن ملف الحديدة يتجه إلى مزيد من التدويل لصالح الأمم المتحدة، وعلى حساب الرؤى التي يتمسّك بها طرفا الصراع المحليان.

وكان اتفاق استوكهولم قد منح الأمم المتحدة نصيب الأسد، بإدارة موانئ الحديدة والإشراف على مختلف الترتيبات العسكرية والأمنية في المدينة. وعملياً، حضر الجانب الأممي، ممثلاً بفريق الرقابة الذي يترأسه باتريك كاميرت، كإحدى أهم نتائج اتفاق السويد التي ذهبت نحو التطبيق الفوري، ليكون المعطى العملي الأكثر بروزاً حتى اليوم، مرتبطاً بوجود الأمم المتحدة على أرض الواقع في الحديدة، ممثلةً بلجنة رقابة تعزّز عوامل بقاء وقف إطلاق النار أطول فترة ممكنة، لكنها لا تنزع فتيل الأزمة بالضرورة.

وفيما أعلن مسؤولون حكوميون أن الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، وافق على طلب للمبعوث الأممي، مارتن غريفيث، بتمديد المهلة الأولية المخصصة لتنفيذ الاتفاق، خلال اللقاء الذي جمع الرجلين الثلاثاء الماضي في العاصمة السعودية الرياض، يعدّ صمود وقف العمليات العسكرية خلال الأسابيع الماضية في مقدمة النجاحات التي صمدت حتى اليوم في ما يتعلق بتنفيذ الاتفاق، إذ اقتصرت الحوادث على خروقات لا ترقى لعمليات عسكرية. لكن مصادر محلية قريبة من القوات الحكومية أفادت في حديث مع "العربي الجديد" بأنّ "الوضع العسكري في الواقع لا يبعث على الاطمئنان، ومقتضيات صمود وقف الحرب لم تنزع، بقدر ما يوجد هناك مزيد من الاستعدادات العسكرية التي تنتظر انهيار الاتفاق في أي لحظة".

وفي السياق ذاته، يأتي طلب الأمم المتحدة نشر عشرات المراقبين، بالترافق مع بروز مؤشرات إلى انهيار اتفاق الحديدة، وهي المؤشرات التي انعكست بجملة من الاتهامات المتبادلة بين الطرفين (الحوثيون من جهة، والتحالف والحكومة اليمنية من جهة أخرى)، فضلاً عن سيرورة الاجتماعات التي يقودها كاميرت في الحديدة، والتي فشلت في الوصول إلى اتفاق حول آلية تنفيذية تؤدي إلى إعادة نشر القوات من الطرفين خارج المدينة.

وتضمّن اتفاق الحديدة، الذي كان أبرز ما خرجت به مشاورات السويد، ثغرات كانت النواة الأولى للتعقيدات اللاحقة بنظر العديد من اليمنيين، إذ لم يوضح على وجه الدقة هوية أو طبيعة السلطة المحلية والقوات الأمنية المعنية بإدارة المدينة. وفي هذا الإطار، قالت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" إنّ "الخطة المقترحة من جانب الشرعية كانت تتضمّن تسليم المدينة للقيادات والقوات الأمنية المسؤولة عن المحافظة، قبل اجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014".

في المقابل، جاءت الصيغة النهائية المعلنة في نهاية المشاورات لتنصّ على أن "تقع مسؤولية أمن مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى على عاتق قوات الأمن المحلية وفقاً للقانون اليمني"، قائلةً إنّه يجب "احترام المسارات القانونية للسلطة وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها، بما فيها المشرفون (الحوثيون)".

وتقول الحكومة إنّها السلطة الوحيدة المخولة تسلّم الحديدة وموانئها، بينما يقول الحوثيون إنّ القوات الأمنية والسلطات المعنية بالحديدة هي القائمة حالياً بمناطق سيطرة الجماعة، وعلى هذا الأساس، قاموا بتسليم الميناء للقوات التابعة لهم. لكن الحكومة رفضت الاعتراف بهذه الخطوة كأحد مقتضيات اتفاق السويد.

وبصرف النظر عن التفاصيل، كانت الضغوط الدولية التي رافقت انعقاد مشاورات السويد هي العامل الحاسم في الوصول إلى اتفاق بشأن الحديدة على نحوٍ خاص، بدليل احتفاظ كلا الطرفين بتفسيرات مغايرة للمضامين. فضلاً عن قرار مجلس الأمن الدولي 2451 والذي صدر في الـ21 من الشهر الماضي، لدعم تنفيذ اتفاق استوكهولم، والذي كرّر ما جاء في بعض بنود اتفاق الحديدة حرفياً، ليجعل منها إجراءات أكثر إلزامية لمختلف الأطراف، لكن تنفيذها على أرض الواقع، يبقى الاختبار الأساس للنجاح من عدمه.

المساهمون