هل سعى مجلس النواب الليبي إلى نعي "إعلان باريس"؟

16 سبتمبر 2018
تراجعت حماسة السراج تجاه إجراء الانتخابات (Getty)
+ الخط -
أصرّ مجلس النواب الليبي الذي يتخذ من طبرق مقراً له، يوم الخميس الماضي، ضمنياً، على نعي "إعلان باريس" وبأسلوبٍ لم يختلف كثيراً عن أساليبه السابقة في المماطلة والتهرب.

فبينما سمح لطيف نيابي بعقد جلسة أعلنوا خلالها عن تمرير مشروع قانون الاستفتاء على الدستور، سمح أيضاً بخروج طيف نيابي آخر في اليوم ذاته، للإعلان عن رفض القرار، دون أن تخرج رئاسته المتمثلة في عقيلة صالح ونائبيه، حتى صباح اليوم، الأحد، للإعلان عن موقف المجلس الرسمي، لا سيما أن اليوم الأحد، الموافق 16 سبتمبر/أيلول، هو الموعد المحدد في اتفاق باريس للإعلان عن التوصل لقاعدة دستور تنطلق منها البلاد إلى انتخابات عامة تخرجها من أزمتها السياسية والأمنية.

وأعلن قرابة 30 عضواً من المجلس، صباح الخميس الماضي، التصويت على مشروع قانون الاستفتاء على الدستور بإقراره، بالإضافة إلى دعوة كل الأطراف الليبية للقاءٍ في طبرق، من أجل إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وحكومة وفاق جديدة، لكن القرار ظلّ معلقاً بضرورة تضمينه في الإعلان الدستوري، قبل إحالته إلى مفوضية الانتخابات، لتحصينه من الطعن عليه قضائياً، لتخرج بعد الإعلان بساعات قليلة، كتلة نيابية أخرى، لا يتجاوز عددها أيضاً الثلاثين من الموالين للواء المتقاعد خليفة حفتر، معلنة رفضها الإعلان الأول، واصفةً إياه بـ"غير القانوني"، بسبب عدم توافر النصاب لتمريره، أي ثلثا أعضاء المجلس البالغ عددهم 200 نائب، ومعتبرة بذلك أن "لا قيمة قانونية لمخرجاته".

وبحسب المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، فإن جلسة غد، الإثنين، ستحتم على رئاسة المجلس إعلان الموقف الرسمي حيال قانونية اعتماد قانون الاستفتاء من عدمه.

وقال بليحق في حديث لـ
"العربي الجديد"، إن "الجدل قائمٌ بالفعل، ولكن جلسة يوم الغد، المقرر عقدها، ستوضح الموقف الرسمي للمجلس"، مرجحاً أن يتوقف تمرير القانون عند عتبة تعديل الإعلان الدستوري لتضمين القانون فيه.

وكانت شخصيات سياسية وعسكرية ليبية قد اتفقت نهاية مايو/أيار الماضي في باريس، على أن يكون السادس عشر من سبتمبر/أيلول الحالي هو موعد الانتهاء من إعلان الأطر القانونية والدستورية لعملية الانتخابات، التي اتفقوا أيضاً أن تجري في العاشر من ديسمبر/كانون الأول المقبل. وكان من المفترض أن تكون الأطراف الليبية قد انتهت، اليوم، من إعلان دستور دائم للبلاد، مرفقاً بقانون انتخابي تجري على أساسه الانتخابات المقبلة.

هكذا، يكون نواب المنطقة الشرقية قد تمكنوا طوال الفترة الماضية من عرقلة تمرير قانون الاستفتاء المثير للجدل في بعض مواده، لا سيما المادة السادسة، التي تتعارض مع الإعلان الدستوري الذي يقرر في نصوصه أن ليبيا دائرة انتخابية واحدة بشأن تصويت الشعب على الدستور، فيما تنص المادة السادسة على أن تقسم البلاد إلى ثلاث دوائر، هي جنوب ليبيا وشرقها وغربها، وتشترط هذه المادة موافقة أغلبية كل دائرة من الدوائر الثلاث لإقرار الدستور، قبل إحالة النتيجة إلى الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، للمصادقة عليه كدستور دائم للبلاد، وإحالته إلى مجلس النواب لاعتماده رسمياً.

وفي تعليق له على آخر هذه التطورات، رأى المحلل السياسي الليبي، الجيلاني ازهيمة، أن مجلس النواب "نجح في إماتة مبادرة باريس دون أن توجه له أي تهمة لعرقلتها، وخرج من خلاف الكتل البرلمانية المختلفة بشأن إجراء الانتخابات بناء على الدستور أو بناء على قانون مؤقت"، مؤكداً أنه بحسب رأيه فإن إعلان باريس "انتهى بالفعل".

واعتبر ازهيمة في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الوقت المتبقي، وهو شهران فقط، لن يسعف الجهود الدولية للضغط على مجلس النواب أو غيره لإصدار قانون للاستفتاء، ومن ثم استفتاء الشعب عليه واعتماد النتائج، وهو ما يتطلب وقتاً أطول، وبالتالي فإن إجراء الانتخابات العامة لن يكون إلا على أساس قوانين مؤقتة، كما كانت الحال في انتخابات 2012 و2014، وهو ما يسعى اليه حفتر وداعموه المحليون".

وتابع أنه "حتى الطيف النيابي الذي أعلن تمرير قانون الاستفتاء، كان يعرف جيداً أنه لن يصادق عليه، فأمره مرتبط بتضمينه في الإعلان الدستوري، وهو ما لن يتم إلا بتوافق ثلثي أعضاء المجلس، وأولهم العارضون المعرقلون"، مشيراً إلى أن رئاسة المجلس "كانت تسعى من وراء مسرحية الخميس الماضي، إلى إنهاء مسار الانتخابات بناء على الدستور".


ويرى مراقبون أن نصوص الدستور المقر من الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور نهاية يوليو/تموز من العام الماضي، تتوافر على موانع من ترشح حفتر لأي منصب سياسي، لا بل تمنعه أيضاً من تولي مناصب عسكرية عليا، كالقائد العام للجيش الذي يحمل صفته حالياً، بناء على قرار من مجلس النواب نهاية 2014
.

وتحمل تصريحات ومواقف قادة محليين ودوليين ما يشير إلى تراجع كبير في نبرة الحماسة للانتخابات، كما كانت الحال في السابق، فخلال لقاء صحافي أجرته معه صحيفة "كوريري ديلا سيرا"، الخميس الماضي، أقرّ رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، بأن "الأوضاع غير مستقرة لإجراء انتخابات، إذ إنه في ظلّ عدم الاستقرار الحالي، لا يمكن التصويت، كما أن النتائج يجب أن يقبل بها الجميع"، مشيراً إلى "أهمية التوفيق بين الفصائل المسلحة والتيارات السياسية، لتكوين قاعدة دستورية مشتركة قبل إجراء أي تصويت".

موقف السراج المتراجع، بخلاف مواقفه السابقة التي كانت أكثر حماسة لإجراء الانتخابات في موعدها، جاءت بعد ما شهدته العاصمة طرابلس من فوضى أمنية عارمة، هدأت وتيرها ولكنها لا تزال قابلة للاشتعال مجدداً، حتى أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي اتفقت عليه الفصائل المتصارعة لم يمض عليه وقت قصير، حتى شهد مقر المؤسسة الوطنية للنفط هجوماً مسلحاً،  وتلاه تساقط صواريخ عشوائية "مجهولة" على أسوار مطار امعيتيقة، القريب من مقر الحكومة المؤقت، والذي أجبرت إدارته على إخلائه مجدداً من الطائرات ووقف حركة الملاحة فيه، وسط استمرار التوتر.

ووجه السراج في المقابلة اللوم إلى مجلس النواب، معتبراً أنه سببٌ آخر لعرقلة الوصول إلى الانتخابات في موعدها، وأن الاتفاق على الانتخابات في باريس معلق بضرورة إصدار مجلس النواب لوثيقة دستورية، متسائلاً: "مجلس النواب لم يدرس الدستور حتى الآن، ولم يصدر قانون بشأنه، فكيف نصل إلى الانتخابات؟".

يذكر أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر كان قد هدد بإجهاض الانتخابات "في حال لم تكن نتائجها نزيهة".

وأكد حفتر، منذ حوالي عشرة أيام، في كلمة له أمام زعامات قبلية شرق البلاد، التزامه باتفاق باريس وضرورة الذهاب إلى الانتخابات، لكنه أضاف أن
"الجيش سوف يقوم بإجهاضها في حال لم تكن نزيهة"، في إشارة إلى إمكانية انقلابه على نتائج الانتخابات إذا لم تأت لصالحه، كما شدد على ضرورة استبدال لجنة صياغة الدستور الحالية بأخرى، مؤكداً أن "مشروع الدستور الحالي معيب"، وهي إشارة أخرى إلى أنه يقف وراء طيف نيابي يعرقل صدور قانون الاستفتاء لتمرير الدستور لإقراره من قبل الشعب.


أما دولياً، فبقيت فرنسا الوحيدة التي لا تزال تؤكد على ضرورة إجراء الانتخابات بحسب مقررات باريس، فيما تؤكد تصريحات مسؤولي دول أخرى، ومن بينها إيطاليا، على أن
"تحديد موعد الانتخابات شأن ليبي"، ومثّلت تصريحات ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، أخيراً الرأي الأوروبي في هذا الإطار، والذي يبدو أن هناك إجماعاً عليه بشكل غالب.

وأشارت موغيريني في كلمة لها أمام البرلمان الأوروبي، الخميس الماضي، إلى تعذر إجراء الانتخابات في ليبيا دون تهدئة أمنية. ومستبعدةً إجراء الانتخابات دون الاتفاق على إطار قانوني ودستوري واضح، طالبت بـ"ضرورة تهيئة ظروف سليمة من أجل ضمان قبول الأطراف الليبية بنتائج الانتخابات، وفي ظل وضع أمني مستقر".
المساهمون