الأردن: عودة الاعتصامات إلى الشارع وسؤال الولاية العامة للملك

27 اغسطس 2018
الولاية العامة، بحسب الدستور، بيد الملك وحده (Getty)
+ الخط -
أعاد اعتصام نفذه عشرات النشطاء الأردنيين مساء السبت، بالقرب من القصور الملكية في ضاحية دابوق الراقية غرب العاصمة عمان، تحريك عجلة الحراك المطالب بالإصلاح، بالإضافة إلى بعض المطالب الواضحة بمحاكمة الفاسدين وحل مجلس النواب. ويأتي هذا الاعتصام، ذو المطالب العامة، في دوار النسر، بعد نحو 75 يوماً من اعتصامات الدوار الرابع الاحتجاجية. واختيار المكان أمام القصور الملكية لم يأت من فراغ، بل جاء ليبعث رسالة واضحة من قبل المنظمين، وهم مجموعة من النشطاء والحراكيين من دون هوية حزبية محددة، مفادها أن عملية الإصلاح السياسي تحتاج إلى مباركة الملك صاحب "الولاية العامة"، والآمر الناهي وصاحب القرار النهائي، بالتالي وجب تنظيم الاعتصام بالقرب من القصور الملكية لعلّ الرسالة تصل إلى الديوان الملكي مباشرة.

وفي محاولة استباقية لوأد هذا الاعتصام ورمزية المكان، أعلن محافظ العاصمة، الدكتور سعد شھاب، منع الاعتصام بحجة عدم تقديم طلب لمحافظة العاصمة من قبل المعتصمين. واعتبر أن "موقع الاعتصام (دوار النسر) حيوي، وأي اعتصام من شأنه منع حركة السير هناك". لكن نجاح عدد من المعتصمين بالوصول إلى المكان يحمل طابعاً رمزياً، فالملك هو صاحب الكلمة الفصل في كل القضايا، وهذا يعني أن هناك قناعة من القائمين على الاعتصام بأن الاحتجاجات والرسالة يجب أن توجه إلى العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، الذي يمسك بكل تفاصيل مقاليد السلطة. وفي سياق متصل، ذكر مركز "إحقاق" للدراسات القانونية، في دراسة أعدها في إطار عمله المجتمعي، أن الولاية العامة، بحسب الدستور الأردني، سواء الأصلي أو بحسب التعديلات التي أدخلت عليه أيضاً، هي ولاية عامة بيد الملك وحده، وهي ليست بيد رئيس الوزراء ولا بيد الحكومة ولا بيد مجلس النواب أو مجلس الأعيان. وأضاف، في دراسة قانونية، أن هناك من يطالب رئيس الوزراء، عمر الرزاز، أو أي شخص يتولى رئاسة الوزراء بأن تكون الولاية العامة بيد حكومته، فهل يستطيع الرزاز، أو أي شخص آخر يتولى رئاسة الوزراء، أن يجعل الولاية العامة بيد حكومته؟

وأشار المركز إلى أن المادة 35 من الدستور الأردني تقضي بأن الملك  هو من يعين رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته، ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء، وعليه فإن للملك ولاية عامة على مجلس الوزراء. وأضافت الدراسة، الصادرة عن المركز، أن المادة 36 من الدستور الأردني تقضي بأن الملك هو من يعين أعضاء مجلس الأعيان، ويعين من بينهم رئيس مجلس الأعيان ويقبل استقالتهم. كما أن الفقرة 4 من المادة 34 من الدستور الأردني تقضي بأن للملك أن يحل مجلس الأعيان أو يعفي أحد أعضائه من العضوية. وعليه فإن للملك ولاية عامة على مجلس الأعيان، وهو يملك سلطة دستورية بإعفاء من يخالفه من الأعيان، كما يمكنه حل مجلس الأعيان.

أما مجلس النواب، الذي يتألف من أعضاء منتخبين انتخاباً عاماً سرياً بموجب المادة 67 من الدستور، وهو الذي يعتبر ممثلاً لإرادة الشعب، فللملك سلطة دستورية مطلقة بأن يحله بموجب الفقرة 3 من المادة 34 من الدستور الأردني، وعليه فإن للملك ولاية عامة على مجلس النواب المعبر عن إرادة الشعب. وأوضح المركز أنه "يقصد بالولاية العامة بأن تكون هناك جهة، ويكون لهذه الجهة سلطة القرار النهائي أو أن تكون هذه الجهة هي المرجعية النهائية في اتخاذ القرارات أو السياسات". وقالت الدراسة "لقد أنشأ الدستور الأردني السلطات العامة الثلاث: وهي السلطة التشريعية، إذ تقضي المادة 25 بأن تناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك، ويتألف مجلس الأمة من مجلسي الأعيان والنواب. والسلطة التنفيذية، إذ تقضي المادة 26 بأن تناط السلطة التنفيذية بالملك، ويتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام الدستور. والسلطة القضائية، إذ تقضي المادة 27 بأن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر جميع الأحكام وفق القانون باسم الملك".

ويحتدم الجدل والنقاش حول الولاية العامة، يوماً بعد يوم في الأردن، فغياب الولاية العامة للحكومة، وتحول نظام الحكم من الملكية الدستورية إلى الملكية المطلقة، يضع المواطنين في حيرة. هل يتم المطالبة بمحاربة الفساد، أم أن هناك حاجة لإصلاح أدوات النظام؟ ويدرك الجميع أنه لا يوجد رئيس وزراء في الأردن يملك الصلاحية والولاية العامة، خصوصاً إذا كان منصب رئيس الحكومة أو الوزير "منحة" من الملك. واعتبر رئيس الوزراء الأسبق، طاهر المصري، في تصريحات صحافية صدرت عنه أخيراً، أنه لم تمر على الأردن أي حكومة تملك ولاية عامة مطلقة. وقال المصري إن "حكومة عمر الرزاز تملك الآن ولاية عامة بنسبة 25 في المائة فقط"، مضيفاً أنه "من المفترض أن تملك هذه الحكومة وغيرها الولاية العامة بحسب الدستور الأردني"، لافتاً إلى أن "الولاية العامة تهدف إلى تحصين الملك، وليس تقويض صلاحياته". ويشدد الأردنيون المتمسكون بالملكية الدستورية لا المطلقة، من سياسيين وخبراء قانونيين وناشطين، على ضرورة إجراء تعديلات دستورية تضبط السلطة المطلقة التي يتمتع بها الملك، من نوع إلغاء ما أضيف من نصوص دستورية في 2014، و2016 (وخصوصاً نقل تبعية القوات المسلحة والمخابرات إلى الملك مباشرة)، وإحلال الانتخاب لأعضاء مجلس الأعيان بدل التعيين من قبل الملك، وتحصين مجلس النواب من الحل.

المساهمون