روسيا تصد طلب إخراج القوات الإيرانية... والمشاورات حول إدلب تستأنف

24 اغسطس 2018
باتت المواجهة حتمية في إدلب (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل المشاورات الدولية والإقليمية بشأن الملف السوري من دون أن تخرج بأي تفاهمات حاسمة، إن في ما يتعلق بمصير محافظة إدلب التي تعقد جولة مباحثات جديدة بشأنها بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي مولود جاووش أوغلو في موسكو اليوم الجمعة، أو ما يتعلق بالقوات الإيرانية المتواجدة في سورية، التي تضغط الولايات المتحدة باتجاه إخراجها بينما تتصدى روسيا، لو مرحلياً، لهذا المطلب.

التباين الروسي الأميركي بشأن القوات الإيرانية ظهر بوضوح في أعقاب المباحثات التي أجراها مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، أمس الخميس، مع وفد روسي، في جنيف وفشل خلالها الطرفان في الخروج ببيان مشترك رغم الحديث عن تقدم في المباحثات. وأكد بولتون، في مؤتمر صحافي عقده بمفرده بعد انتهاء المباحثات، أن "الجانب الروسي لا يرى مطلب خروج القوات الإيرانية من سورية أمراً قابلاً للتطبيق"، لكنه أكد أن بلاده تعمل على خروج جميع القوات الإيرانية من سورية. وكان بولتون استبق لقاءه بالوفد الروسي، بالقول إن "الولايات المتحدة ستنظر في أشكال تعاون محتملة مع الدول الأخرى في سورية شرط انسحاب إيران منها"، الأمر الذي استدعى رداً مباشراً من وزير الخارجية الروسي أول من أمس بتأكيده أنه "على كافة القوات الأجنبية المتواجدة في سورية دون دعوة من حكومة البلاد الخروج منها". من جهتها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أمس، رداً على دعوة بولتون بشأن خروج القوات الإيرانية، إنه يتعين أن تبدأ واشنطن بنفسها، مشيرة إلى أن وجود القوات الأميركية هناك غير شرعي ولا مبرر قانونيا لبقائها.

في غضون ذلك، يستمر النظام السوري في الترويج لاقتراب موعد بدء حملته العسكرية على محافظة إدلب بالتزامن مع استقدام مزيد من التعزيزات، فيما ينتظر أن تستأنف، اليوم الجمعة، المشاورات الروسية التركية بشأن مصير المحافظة مع الإعلان عن اجتماع بين وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيره التركي، مولود جاووش أوغلو، في موسكو، اليوم الجمعة، لبحث الوضع في سورية ومكافحة الإرهاب، حسبما أفادت وزارة الخارجية الروسية، أمس الخميس.
ويأتي الاجتماع الجديد بعد 10 أيام من اللقاء الذي جمع الطرفين في أنقرة، والذي أشارت معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" يومها، إلى أنه خلص إلى تفاهم على عملية عسكرية تركية روسية بمشاركة النظام جواً، والمعارضة براً، لقتال جبهة النصرة التي تشكل العمود الفقري لهيئة تحرير الشام، وتسيطر على المحافظة، مع استمرار اليد العليا لتركيا في المنطقة مستقبلاً. كما أنه يأتي بعد أيام من المباحثات التي أجراها وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات، هاكان فيدان، في موسكو.

في موازاة ذلك، جاء خطاب زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي، الذي تطرق فيه للوضع في إدلب، بعد خطاب زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، الذي أتبعه بظهوره الميداني في ريف محافظة اللاذقية، ليضيف المزيد من التعقيد على المشهد في إدلب وعموم الشمال السوري. وغذّى خطاب البغدادي الآلة الدعائية للنظام وروسيا بشأن مزاعم محاربة الإرهاب، في محاولة لكسب مشروعية للمعركة التي يجري التحضير لها في الشمال السوري، بهدف إخضاعه لسيطرة النظام، على غرار المناطق الأخرى التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة.

وفي أول خطاب منسوب له منذ نحو عام، دعا البغدادي أنصاره إلى "مواصلة القتال رغم الهزائم في الآونة الأخيرة"، وتقلّص مناطق سيطرته في سورية والعراق. وقال البغدادي في تسجيل صوتي مدته نحو ساعة نشرته مؤسسة "الفرقان" الإعلامية ووكالة "أعماق" التابعتين للتنظيم، مساء الأربعاء، إن "ميزان النصر أو الهزيمة عند المجاهدين ليس مرهوناً بمدينة أو بلدة سلبت وليس خاضعاً لما يملكه مملوك من تفوق جوّي أو صواريخ عابرة للقارات أو قنابل ذكية"، مطالباً أنصاره في مناطق عدّدها، ومن بينها إدلب، بـ"الصمود والوقوف في وجه المصاعب والتحديّات".

ولا يسيطر التنظيم على أية مناطق في إدلب، إلا أن "هيئة تحرير الشام " وفصائل المعارضة الأخرى تقاتل ما تصفها بـ"الخلايا النائمة" التابعة له، وتتهمها بتنفيذ تفجيرات وعمليات اغتيال في المنطقة، سبق أن تبنى التنظيم عدداً منها. وتم في الآونة الأخيرة اعتقال العشرات من المتهمين بالانتماء إليه في إدلب، جرى إعدام العديد منهم.

وخسر التنظيم معظم الأراضي التي سيطر عليها قبل أعوام في سورية إثر معارك مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، وقوات النظام السوري المدعومة من روسيا وإيران، وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا. ويقتصر وجوده اليوم على جيوب صغيرة في أرياف دير الزور والسويداء وحمص.

ورغم أن "تحرير الشام" وتنظيم "داعش" على خلاف منهجي وميداني، ووقعت بينهما معارك دموية عديدة، إلا أن روسيا والولايات المتحدة تضعهما في خانة واحدة، وتستثنيهما من أي اتفاقات لوقف إطلاق النار.



ورفض ناجي مصطفى، المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الشعبية للتحرير"، وهو التنظيم الرئيسي الفاعل في إدلب مقابل "هيئة تحرير الشام"، التعليق على تصريحات وتحركات الجولاني الأخيرة وإمكانية أن يستغلها النظام لاستعجال الهجوم على إدلب، أو محاولة كسب مشروعية له بدعوى محاربة الإرهاب. وأكد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "فصائل المعارضة عززت مواقعها ودفاعاتها في الفترة الأخيرة لمواجهة أي هجوم من جانب قوات النظام، وامتصاص الصدمة الأولى ومن ثم الانتقال إلى الهجوم"، معتبراً أن "النظام بدعم من روسيا يحضّران للهجوم على الشمال السوري بغض النظر عما يرفعانه من ذرائع وحجج تتعلق بمحاربة الإرهاب".
من جهته، قال مسؤول عسكري من المعارضة في الشمال السوري لـ"العربي الجديد"، إن "الانطباعات التي خلّفتها تصريحات الجولاني ومن ثم البغدادي تمثل غطاءً مثالياً للنظام وروسيا من أجل التحرك تحت ذريعة مواجهة الإرهاب، باعتبار أن الفصيلين مصنّفان دولياً ضمن قوائم الإرهاب، خصوصاً بعد تأكيد الجولاني أن فصيله سيدافع عن إدلب، وخطاب البغدادي الذي قال فيه إن لديه مقاتلين في المنطقة".

وأكد أن "فصائل المعارضة وضعت خطة للدفاع عن إدلب ومجمل مناطقها في الشمال السوري، تتضمن في بعض جوانبها التنسيق مع تحرير الشام". وعبّر عن تخوفه من حدوث انسحابات لـ"تحرير الشام" خلال المعركة من دون تنسيق مع فصائل المعارضة، كما حدث في معارك شرقي إدلب العام الماضي بناء على تفاهمات مع النظام وروسيا.

وأضاف المسؤول العسكري أنه "بالنسبة لخلايا داعش، فإنه لم يسجل لها أي نشاط ضد قوات النظام في محافظة إدلب وتركّزت أنشطتها على القيام بعمليات اغتيال وتفجير ضد أهداف عسكرية ومدنية قُتل خلالها العشرات، وما نخشاه أن تكون هذه الخلايا خنجراً في ظهر المعارضة في حال إقدام النظام على عمل عسكري في الشمال السوري، لأننا تعودنا منهم الغدر، وانتهاز فرصة انشغال المعارضة بقتال النظام للانقضاض عليها من الخلف".



ميدانياً، يسود توتر في جبال اللاذقية الشمالية بين "هيئة تحرير الشام" وإحدى الفصائل المنضوية تحت رايتها، مع بدء "تحرير الشام"، وفق مصدر محلي، فجر أمس الخميس، بتنفيذ مداهمات لمقار ونقاط تمركز فصيل "أنصار الشام" الذي انضم في وقت سابق للهيئة، وذلك بعد معلومات وردت للهيئة عن نية هذا الفصيل الانشقاق عنها والانضمام لفصائل المعارضة.

وجاء ذلك بعد 48 ساعة من زيارة الجولاني لجبال اللاذقية الشمالية، وبالتزامن مع تدعيم قوات النظام وجودها في المنطقة، واستقدمت المزيد من الآليات والعناصر إلى خطوط التماس في المنطقة. كما استقدمت قوات النظام، أمس، المزيد من التعزيزات إلى خطوط التماس في أرياف حماة وإدلب، وقامت بتحصين مواقعها وجبهاتها الممتدة من ريف حماة الشمالي وصولاً لريف حلب الجنوبي، إضافة إلى شمال غربي حماة مقابل تعزيزات مماثلة لفصائل المعارضة.

وحسب مصادر ميدانية، يبدو أن مطار حماة سيكون غرفة العمليات لمعركة ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي. ونفت تلك المصادر ما أشاعه النظام عن "قيام بعض الفصائل بتسليم سلاحها في إدلب"، لافتة إلى "تواصل حملات الاعتقال لعناصر المصالحة". واعتبرت أن "ما يردده النظام ووسائل إعلامه عن عمليات تسليم السلاح، مجرد دعاية تهدف إلى خلق شرخ في إدلب وزرع البلبلة في صفوف المجموعات المسلحة".

إلى ذلك، رفض النظام السوري بياناً من فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، حذّرت فيه من استخدام قوات النظام للسلاح الكيميائي في إدلب. واعتبر مصدر في وزارة خارجية النظام أن "الهدف من هذا البيان هو تبرير استخدام التنظيمات الإرهابية للأسلحة الكيميائية وإطالة أمد الحرب على سورية".

واعتبر مراقبون أن "تحذير الدول الثلاث للنظام السوري من استخدام أسلحة كيميائية في إدلب، قد يعتبر بمثابة ضوء أخضر له من أجل المضي قدماً في عمليته العسكرية في إدلب والشمال السوري، لكن من دون استخدام أسلحة كيميائية". وكانت وسائل إعلام تابعة للنظام السوري قد ادّعت قيام فصائل المعارضة السورية بالتجهيز لما سمته "مسرحية كيميائية جديدة".

وادّعت كل من وكالة "سانا" الرسمية التابعة للنظام السوري ووكالة "سبوتنيك" للأنباء الروسية، أن "منظمة الدفاع المدني تقوم بالتنسيق مع فصائل المعارضة السورية بفبركة هجوم كيميائي في إدلب لاتهام قوات النظام بذلك"، وهو ما فسّره البعض بأنه "تمهيد من النظام لإمكانية استخدام السلاح الكيميائي في إدلب، على غرار التجارب السابقة".