الحكومة الإسبانية تنبش "التاريخ الدموي" للفاشية... وتمنع الإشادة بفرانكو

22 يوليو 2018
البحث عن أجوبة حول الحقبة الفاشية مستمرٌ بإسبانيا(العربي الجديد)
+ الخط -

تخطو حكومة رئيس الوزراء اليساري الإسباني بيدرو سانشيز، خطوةً إضافية نحو نبش "التاريخ الدموي" للفاشية، بعد أكثر من أربعة عقود على انتهائه، ورحيل "الجنرال" فرانسيسكو فرانكو (1892-1975).

ومنذ الآن، ستمنع الإشادة بالفاشية في إسبانيا. وبحسب بيانٍ رسمي للحكومة الإسبانية الجديدة، التي تشكلت منذ بداية يونيو/حزيران الماضي، فإنه "سيجري نبش رسمي لمصير مئات آلاف الضحايا في أكثر من 1200 قبر جماعي".

وكان يوم الأحد الماضي شهد تظاهرة شارك فيها نحو ألف شخص من مؤيدي الفاشية، احتجاجاً على إزالة بقايا نصب الدكتاتور فرانكو في فايلي دي لوس كايدوس، على بعد نحو 60 كيلومتراً إلى الشمال من العاصمة مدريد. 

ورفع المتظاهرون أذرعهم لأداء التحية الفاشية المعروفة، كما أدوا أناشيد الحزب الفاشي القديم "كارا أل سول" (في مواجهة الشمس)، ولوّحوا بالرايات الفاشية، تحيةً لزعيمهم الفاشي المدفون في المنطقة.

وسيصبح مثل هذا الأداء الفاشي ممنوعاً في إسبانيا الجديدة، ولن يكون من الممكن تجاهل الماضي الدموي لحقبة الحكم الفاشي بعد القرار الحكومي الجديد، بزعامة سانشيز، الذي خصصت له لجنة بحث وتحقيق لإنصاف الضحايا. وبحسب ما قال، فإنه "كديمقراطية أوروبية حديثة وناضجة، لا يمكننا في هذا البلد أن تكون لدينا رموز تقسم المواطنين".

وينظر إلى قبر فرانسيسكو فرانكو في إسبانيا على أنه "مقسم للإسبان"، مع بقاء التاريخ المظلم للحقبة الفاشية، دون مستوى النبش، خصوصاً في الفترة التي شهدت حرباً أهلية دموية استمرت بين 1936 و1939، وما تلاها من حكم فردي مطلق استمر حتى 1975.

ويُعتقد على نطاق واسع في البلاد، أن الحقبة الأولى للحرب الأهلية شهدت مقتل ما لا يقل عن نصف مليون شخص، وأكثر من 140 ألفا خلال ثلاثة عقود تالية، أي لفترة ما بعد الحرب.

وبدأت حكومات مدريد بإزالة اسم الدكتاتور من شوارع عدة، خلال السنوات الماضية، لكن حكومة اليسار مضت اليوم إلى أبعد من تلك الخطوات الرمزية، بقرار إزالة معلم فاشي، وتحويل المكان إلى "نصب تذكاري لضحايا الفاشية"، وهو ما أثار أنصار الفاشية ودعاهم إلى الاحتجاج.

وتمضي حكومة اليسار اليوم خطوة أخرى أبعد، بعد 40 سنة من التحول الديمقراطي في إسبانيا، بتشكيل لجنة "تقصي الحقائق" للتحقيق في جرائم نظام فرانكو ضد الإنسانية، وهي الجرائم التي يظن كثيرون في إسبانيا أنه جرى الصمت عنها، وتجاوز مناقشتها بشكل عميق طيلة العقود الماضية.

وتشكل مسألة اختفاء آلاف الأشخاص، وعدم وضوح مصير ومكان دفنهم، جرحاً عميقاً داخل المجتمع الإسباني، الذي تريد اليوم الحكومة تحريك ملفه من خلال تقصي الحقيقة حول 1200 مقبرة جماعية، وفقاً لأرقام وزارة العدل الإسبانية.

ويعتقد أن جنوب الأندلس في منطقة مقاطعتي أراخون وأستورياس تحتوي على نسبة كبيرة من رفات الضحايا، "فمن غير المقبول أن تكون إسبانيا إلى جانب كمبوديا، البلد الأكبر في العالم في أعداد الأشخاص المفقودين"، بحسب ما وصفت وزيرة العدل، دوليروس ديلغادو، أمام برلمان بلدها خلال الأسبوع الماضي.

وما تأمله الحكومة الإسبانية من خلال قرارها الجديد، إلى جانب تقديم أجوبة حول مصير المفقودين والضحايا، سواء من فترة الحرب الأهلية أو حكم فرانكو حتى رحيله، هو وقف تام لكل أنواع تمجيد وتأييد للفترة الفاشية.

وفي المكان الذي دفن فيه فرانكو توجد أيضا مقبرة، في فالي دي لوس كايدوس، دفن فيها ما يقدر بـ27 ألف جندي فاشي ونحو 10 آلاف من الجنود الجمهوريين، الذين سقطوا أثناء فترة الحرب الأهلية الإسبانية. وبقيت المقبرة تستقبل جثامين الفاشيين ليدفنوا في المكان الذي تحول على مرّ السنين التي أعقبت حقبة فرانكو إلى ما يشبه محجاً لمؤيدي الفاشية.

ويربط مختصون ومراقبون لتطور الحركة الفاشية في أوروبا بين إقدام مدريد على هذه الخطوة، والخشية من استمرار الفرز في المجتمع الإسباني، الذي لم تجرّم فيه عملية تمجيد الفاشية، كما تجرم في ألمانيا النازية، وبتدخل الاستخبارات الألمانية. ويبدو أن علنية التأييد للفاشية في إيطاليا تزعج اليسار الإسباني، مثلما تزعج أغلبية الإسبان عدم جرأة الحكومات السابقة على اتخاذ خطوة عملية نحو العدالة لضحايا حكم الفاشية في البلد.

وكان رئيس الحكومة السابق، ماريانو راخوي، قد خصص عام 2013، مبلغ 286 ألف يورو "لترميم ضريح وقبر فرانكو"، بما اعتبره البعض إشادة بالفاشية. واتُهمت حكومة اليمين في إسبانيا العام الماضي بتأخير تنفيذ قرار البرلمان بأغلبية ساحقة بنقل قبر فرانكو، ما عزز، وفقاً لصحيفة "إل باييس"، النظرة المتوجسة تجاه تأييد المحافظين للفاشية.

وكان عدد من الأكاديميين الإسبان، طيلة السنوات الخمس الماضية، يتهمون حزب راخوي المحافظ، "بارتديو بوبولار"، بأنه "وُلد من رحم الفاشية"، بحسب ما يذهب أستاذ التاريخ في جامعة برشلونة، هيغيانو بولو، الذي يتهم الحزب أيضاً بأنه "حزب يحاول الظهور بمظهر ديمقراطي، لكنه يتمسك بالفرانكوية بشكل خطير".

وبعد انتهاء الحرب الإسبانية، قرر المنتصرون تشييد كنيسة ونصب صليب ضخم في تلك المنطقة، يفوق صليب كنيسة بيتر في روما، وبأوامر من الدكتاتور الفاشي فرانكو، الذي قال في قراره بتحويل المنطقة إلى مقبرة للفاشيين في الأول من إبريل 1940، إن "الأحجار التي ترفع هنا ستكون لها عظمة معالم الماضي ذاتها بتوفير الوقت والنسيان". لكن يبدو أن النسيان الذي فرض على إسبانيا خلال 43 سنة، بدأ الآن بالتغير نحو استحضار الماضي الرهيب والمرعب لأكثرية الشعب الإسباني، من خلال حكومة يرى كثيرون، داخل البلد وفي أوروبا، في قراراتها، جرأة لم تعهدها الحكومات السابقة.

المساهمون