أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود 23 أمراً ملكياً جرى فيها استحداث وزارة جديدة للثقافة عيّن فيها الأمير بدر بن فرحان آل سعود كوزير لها، وتغيير عدد من الوزراء واستحداث هيئات ملكية جديدة. وبرغم أهمية هذه التغييرات، وتأثيرها على الساحة الداخلية السعودية التي تشهد نشاطاً تغييرياً متواصلاً منذ قفزة محمد بن سلمان نحو كرسي ولاية العهد، بعد عزله لابن عمه محمد بن نايف، وإمساك الأول بكافة مقاليد الحكم في البلاد بسبب كبر سن والده ومرضه، إلا أن التغيير الأهم كان في عزل وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السابق صالح آل الشيخ وتعيين ابن عمه وقريبه عبداللطيف آل الشيخ كبديل له.
وتعتبر وزارة الشؤون الإسلامية، والتي كانت تسمى سابقاً بوزارة الأوقاف، أحد أكبر أذرع الدولة السعودية لنشر فكر السلفية الوهابية، كما أنها تحوي ضمن إداراتها وأقسامها كافة التيارات الإسلامية المتصارعة فكرياً وسياسياً ومنها تيار الصحوة المتأثر بالإخوان المسلمين وتيار الإخوان المسلمين نفسه وتيار السلفية الجامية الذي يؤيد الحكومة بشكل مطلق وينتمي له الوزير الحالي.
وكان الوزير السابق صالح آل الشيخ قد تولى المنصب الوزاري في وزارة الأوقاف مدة 15 عاماً من عام 2000 حتى عام 2015 فعُزل لمدة شهر واحد وعيّن الأكاديمي الإسلامي المعادي للصحوة سليمان أبا الخيل، بديلاً له لمدة شهرين فقط، قبل عزله وعودة صالح آل الشيخ لمنصبه من جديد حتى صدور الأوامر الملكية الأخيرة.
ومع تصاعد حملة الاعتقالات المنظمة ضد تيار الصحوة، والتي بدأت في شهر سبتمبر/أيلول 2015 باعتقال سلمان العودة وعشرات من الأكاديميين والكتاب الصحافيين والشعراء والدعاة المحسوبين على التيار نفسه، تصاعدت الاتهامات ضد الوزير السابق صالح آل الشيخ بتهاونه مع تيار الصحوة، وعدم حزمه الكافي ضد العاملين المنتمين لهذا التيار، خصوصاً مع وجود تصريحات قديمة له أكد فيها اعتراضه على قتل ضحايا رابعة العدوية في مصر وتعاطفه مع جماعة الإخوان المسلمين بشرط أن لا يمسوا السعودية بسوء حسب قوله.
واشتهر الوزير السابق بوقوفه على مسافة واحدة من كافة التيارات داخل الوزارة التي تعد أكبر وزارة في البلاد، لكن هذا الوقوف بات غير ممكن في ظل الحرب التي تشنها السلطات على تيار الصحوة لاجتثاثه وفق تصريحات ولي العهد محمد بن سلمان، مما أدى لتنحيته واستبداله.
ورغم انتماء الوزيرين، الجديد والقديم، لعائلة واحدة، والتي يتصل نسبها بالمصلح الديني الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مؤسس المملكة العربية السعودية رفقة محمد بن سعود جد الأسرة الحاكمة، إلا أن الوزير الجديد عبداللطيف آل الشيخ ينتمي بشكل أوضح لتيار السلفية الجامية الذي يرى أن طاعة الحكام واجبة ويعادي حركات الإسلام السياسي وبقية أشكال السلفية الوهابية، وهو ما يجعله مؤهلاً للقضاء على "الصحويين" داخل وزارة الشؤون الإسلامية. واشتهر آل الشيخ بتصريحاته المثيرة للجدل والتي يدافع فيها بشدة عن النظام السعودي، ويهاجم فيها جماعات الإسلام السياسي وبقية المعارضين.
وسبق للوزير الجديد أن تولى منصب رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين عامي 2012 و2015 مع محاولة الحكومة السابقة كبح جماح تيار الصحوة المتغلغل داخل هذه المؤسسة الحكومية الأمنية، ونجح آل الشيخ في تقليص بعض صلاحيات التيار وهو ما شجّع الحكومة الحالية برئاسة بن سلمان على الاستعانة به للقضاء على ما تبقى من الصحوة.
يرى المراقبون السياسيون أن المهمات التي سيضطلع بها الوزير الجديد ستتمثل في الهجوم على بقايا تيار الصحوة في الوزارة من الأئمة والخطباء والمفتين الرسميين والباحثين الشرعيين، وأفراد الصف الثالث والرابع الذين لم تعتقلهم الأجهزة الأمنية في حملات الاعتقال الماضية، خصوصاً في القرى والبلدات القبلية جنوب المملكة وشمالها.
وستتعاون وزارة الشؤون الإسلامية مع الجهات الأمنية للتحقق من خلفية كافة الخطباء والأئمة والعاملين وضمان عدم انتمائهم لتيار الصحوة. وهو إجراء سبق لوزارة التربية أن قامت به العام الماضي. كما سيقوم الوزير الجديد بمحاولة دمج جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي جمدت كافة صلاحياته ومنع من العمل الميداني عام 2016 في وزارة الشؤون الإسلامية وتحويله من أكبر جهاز أمني بيد الإسلاميين منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة إلى مجرد إدارة من إدارات الوزارة.
بعد قرار الحكومة الإجهاز على الصحوة داخل آخر معاقلها وهي المساجد وحلقات تحفيظ القرآن التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية، والتوقعات بإغلاق أو تجميد عمل لجان الشؤون الدعوية التابعة للوزارة والتي كانت مظلة لعقد المحاضرات والندوات للدعاة التابعين للتيار، باتت الصحوة اليوم أضعف تيار ناشط في السعودية بسبب مطاردة السلطات لرموزها، وتبقت أمامها خيارات قليلة وصعبة، أبرزها العمل السري وإنشاء لجان دعوية موازية للجان التي ستجمدها الحكومة أو تسيطر عليها التيارات السلفية الموالية لها.
لكن هذه اللجان ستعاني من ضعف التمويل في ظل التشدد بمراقبة الأموال والتبرعات من قبل السلطات، بالإضافة إلى أن الوزارة ستفرض رقابة فكرية شديدة على أي نشاط إسلامي يقع خارج نطاقها وهو ما يعني تبني وجهة نظر واحدة فقط. والأكيد أن وجود تيار الصحوة على المشهد الخارجي السعودي بات بحكم المنتهي بعد تعيين الوزير الجديد وأن الجولة الأولى من الحرب الضروس التي شنتها السلطات قد انتهت فعلاً، وأن التيار الذي كان يحكم السيطرة على الحياة الثقافية والدينية في البلاد بدعم حكومي واسع، بات غائباً بشكل كلي اليوم.