الاندفاعة الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي لا تكفي

15 مايو 2018
رغبة إيرانية أوروبية بالحفاظ على الاتفاق النووي(فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
اختار الأوروبيون، على الأقل خلال هذه المرحلة، المواجهة بعد التفكيك أحادي الجانب للاتفاق النووي الإيراني من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي. وإذا كان من الضروري انتظار القمة الأوروبية، غير الرسمية، التي تعقد غداً الأربعاء في العاصمة البلغارية صوفيا، للحصول على تأكيد أولي بأن جميع رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي عازمون على معارضة إملاءات واشنطن، فإن الأوروبيين بدأوا ينشطون على جبهات مختلفة، من دون أن يكون مصير جهودهم محسوماً لجهة القدرة على إنقاذ الاتفاق لا سيما في ظل وجود ما يكفي من المواد داخل الاتفاق النووي التي تؤكد أن الانسحاب الأميركي منه وعودة العقوبات على طهران يعني عملياً أن الدول الأوروبية لن تكون قادرة على منح الضمانات التي تطالب بها طهران تحديداً في ما يتعلق بالحصول على منافع الاتفاق الاقتصادية خلال مهلة 60 يوماً، وهو ما سيؤدي فعلياً إلى انهيار الاتفاق رغم الرغبة الإيرانية – الأوروبية المشتركة في الإبقاء عليه.

وبعد أسبوع من الضربة القاسية للعلاقات بين ضفتي الأطلسي، من قبل رئيس الولايات المتحدة الذي اختار الصمت كرد على نداءات حلفائه الأوروبيين الذين طالبوا بعدم الانسحاب من الاتفاق، قررت رئيس الدبلوماسية الأوروبية، فيديريكا موغيريني، تنظيم لقاء اليوم الثلاثاء في بروكسل بين وزراء خارجية كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا مع وزير خارجية إيران، جواد ظريف. اجتماع ممثلي القوى الأوروبية الثلاثة التي وقعت على الاتفاق السداسي في 14 يوليو/ تموز 2015 مع طهران سيأتي بعدما استشار رئيس الدبلوماسية الإيرانية الموقعين الآخرين للاتفاق المصممين على الحفاظ عليها، أي الصين وروسيا اللتين سمع فيهما ظريف تأكيدات بالرغبة في الحفاظ على الاتفاق النووي. وهو ما أكده أمس الإثنين وزير الخارجية سيرغي لافروف قائلاً إن "الثلاثي الأوروبي والصين وروسيا وإيران أكدوا التزامهم بالاتفاق النووي"، مشيراً إلى "ضرورة بحث الإمكانات المتاحة للحيلولة دون تقويض هذا الاتفاق وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، إضافة إلى صد التهديدات لنظام عدم الانتشار النووي". وهو ما قابله ظريف بتأكيده أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي أخل بالتوازن داخله.

ويمنح هذا الوضع لقاء اليوم نوعاً من القوة والشرعية رغم غياب واشنطن، بحسب ما يرى الخبير في الشؤون الأوروبية فيليب رينييه.
وكانت موغيريني صرحت من قبل قائلةً: "نتحمل مسؤولية وواجب القيام بكل ما في وسعنا للحفاظ على الاتفاق، فالاتفاق ليس ثنائياً ولكنه قرار لمجلس الأمن الذي لا يمكن لأي دولة أن تفككه من جانب واحد"، على اعتبار أن الاتفاق تم إبرامه تحت وصاية الأمم المتحدة، وتم اعتماده بالإجماع من قبل خمسة عشر عضواً في مجلس الأمن الدولي.
وبالنسبة لموغيريني فإن "تفكيك النظام الوحيد لمنع الانتشار النووي في العالم سيكون خطأ فادحاً"، لكن القدرة على الحفاظ على الاتفاق النووي أمر صعب.
وفي السياق يرى رينييه أنه يجب أولاً إقناع الإيرانيين بمواصلة احترام الاتفاق، على الرغم من قرار الولايات المتحدة، المصممة على خنق اقتصاد من تسميه واشنطن بمصرف الإرهاب الدولي، وهي التسمية التي يرددها مستشار الأمن القومي الجديد، المحافظ جون بولتون. كما يشير إلى أن "طهران تتعرض لضغوط كبيرة، خصوصاً أن استهدافاً مباشراً من قبل النيران الإسرائيلية لبعض مواقعها في سورية، بدأ بعد ساعة فقط من إعلان قرار ترامب يوم الثلاثاء الماضي".

من جهته، يقول الخبير في الشؤون الأمنية والدفاعية، نيكولا غرو فرهايد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "رد الفعل الأوروبي على القرار الأميركي كان شجاعاً وقوياً، إذ شدد على الاحترام الكامل للاتفاق من قبل إيران والاستعداد للحفاظ عليه والرغبة في الحفاظ على رفع العقوبات وترك الباب مفتوحاً أمام مجالات أخرى للتفاوض". وبرأيه فإن هذا الأمر "يمنح الأوروبيين فرصة لطرح الملفات الأخرى المتعلقة بالتهديد الإيراني الباليستي ومشاركة طهران في العديد من النزاعات في المنطقة من دون أن يعني هذا الأمر ضرورة التوصل إلى اتفاق شامل كما يطالب الأميركيون ولكن على الأقل لبدء نقاش جدي".
وحتى الآن، أبرزت طهران أنها مستعدة لاحترام الاتفاق، طالما أن مصالحها الاقتصادية يتم الحفاظ عليها من قبل الأوروبيين وروسيا والصين. وهذا ما قصدته ربما رئيسة الدبلوماسية الأوروبية، فيديريكا موغيريني، عندما قالت بأن "الأمر سيكون صعباً للغاية". فالأوروبيون هم أنفسهم الهدف الأول لقرار إعادة فرض العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران.
وفي السياق، يوضح الخبير في الشؤون الأوروبية فيليب رينييه أن "مبلغ تعامل الشركات الأميركية مع إيران 200 مليون دولار في عام 2017 مقابل 25 مليار دولار بالنسبة لأوروبا". وكانت الولايات المتحدة قد حذرت بالفعل جميع الشركات، الأميركية والأجنبية، التي تتعامل مع إيران في القطاعات المعنية بإعادة فرض العقوبات بضرورة إنهاء أنشطتها في غضون ثلاثة إلى ستة أشهر. ويحظر على الفور أي عقد جديد، كما يعرض ذلك الشركات الأجنبية الموجودة أيضاً في السوق الأميركية لخطر الغرامة.

وهو ما لمّح إليه بولتون أول من أمس إذ لم يتردد عندما سئل في مقابلة تلفزيونية عن احتمالات معاقبة شركات أوروبية في القول "هذا ممكن". وأشار إلى أن "نتائح العقوبات الأميركية تتعدى شحن بضائع عبر شركات أميركية، وذلك بسبب التراخيص المتعلقة بالتكنولوجيا التي نعطيها للعديد من البلدان والشركات الأخرى حول العالم. وإذا بدأت هذه العقوبات فسيكون لها تأثير أوسع". وأضاف "أعتقد أن الأوروبيين سيرون أنه من صالحهم في نهاية المطاف أن يكونوا إلى جانبنا".
وكان الأوروبيون، في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، قد سعوا بالفعل إلى حماية أنفسهم من التشريعات الأميركية التي تعاقب الشركات النشطة في إيران وليبيا وكوبا. وتفاوض الاتحاد لفترة طويلة للحصول على إعفاء، بعد اعتماد إجراءات تعمل على تحصين المصالح الاقتصادية الأوروبية من هذه العقوبات.
وتعتبر إيلي غرامايه، من مركز البحوث الأوروبية، أن على "القادة الأوروبيين رفض أي مفاوضات مع إدارة ترامب حول إطار أوسع للسياسة تجاه إيران إذا لم يحصل الأوروبيون على استثناءات من العقوبات الأميركية". لكن ممثلي منظمة "بيزنس يوروب" التي تمثل الشركات الأوروبية تشدد على "الحاجة إلى وضوح قانوني"، مدينة "خطر عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي" الذي أوجده القرار الأميركي.

المساهمون