القاهرة تراهن على مفاوضات غزة لحل أزمة محور فيلادلفيا

19 يوليو 2024
آلية للجيش المصري عند الحدود مع قطاع غزة، 4 يوليو 2024 (جوزيبي كاكاشي/فرانس برس)
+ الخط -

تكشف تصريحات ومواقف رسمية مصرية سابقة أن القاهرة جمّدت كل اللقاءات التي كانت منعقدة في القاهرة، على مدار الأيام الماضية، بسبب رفض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن بخصوص محور فيلادلفيا ومعبر رفح. الاحتلال يرفض أي انسحاب من هناك بينما القاهرة تصرّ على عدم التسليم بوجود إسرائيلي دائم، وهي بذلك تعوّل على مفاوضات وقف الحرب على غزة لعلّ ذلك يحلّ أزمة محور فيلادلفيا، ذلك الشريط الحدودي العازل (14 كيلومتراً)، الذي يفصل بين الأراضي الفلسطينية وشبه جزيرة سيناء، والخاضع لاتفاقية ثنائية مصرية إسرائيلية منذ "كامب ديفيد" (1979). 

وغابت التصريحات الرسمية المصرية المتعلقة بانتهاك إسرائيل معاهدة السلام مع مصر وسائر الاتفاقيات الأخرى، لا سيما المتعلقة بالمحور الحدودي، وبدا أن المسؤولين المصريين ربما يراهنون على أن نجاح مفاوضات الهدنة في قطاع غزة قد يحل المشكلة المتصلة بالشريط الحدودي. وأقام جيش الاحتلال الإسرائيلي، على مدار الأسابيع القليلة الماضية، منطقة عازلة على امتداد هذا المحور من معبر كرم أبو سالم شرقاً وحتى ساحل البحر الأبيض المتوسط غرباً، يراوح عمقها بين 700 و1500 متر في بعض المناطق.

وكان مندوب مصر لدى الأمم المتحدة، السفير أسامة عبد الخالق، قد جدد التأكيد على موقف بلاده الرافض لسيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من محور فيلادلفيا. وقال عبد الخالق، خلال جلسة لمجلس الأمن مساء أول من أمس الأربعاء، إن مصر "تحذّر من تداعيات الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وانتهاك القانون الدولي الإنساني، والاستهتار بميثاق الأمم المتحدة"، مضيفاً أن "التصعيد الإسرائيلي قد يؤدي إلى حرب إقليمية شاملة". على صعيد آخر، شدّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، أمس الخميس، خلال استقباله سيغريد كاغ، كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في قطاع غزة، على "ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من مدينة رفح الفلسطينية وتشغيل المعبر من قبل السلطة الفلسطينية".

ترتيبات محور فيلادلفيا

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الاثنين الماضي، أن القاهرة وتل أبيب تجريان محادثات سرّية بخصوص الانسحاب المحتمل لجنود الاحتلال الإسرائيلي من محور فيلادلفيا الحدودي بين القطاع وشبه جزيرة سيناء المصرية، وذلك نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين ودبلوماسي غربي كبير، واعتبرت أن من شأن الانسحاب أن يزيل واحدة من أهم العقبات في وجه إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأشارت الصحيفة إلى أن حكومة الاحتلال ترفض الانسحاب من محور فيلادلفيا، في ظل زعمها أن ذلك سيسمح لحركة حماس بسهولة بإعادة تسليح نفسها وعودتها إلى تولي السلطة في القطاع.

لكن مصدراً مصرياً رفيع المستوى نفى، يوم الجمعة الماضي، ما جرى تداوله بشأن مباحثات مصرية إسرائيلية بخصوص ترتيبات أمنية تتعلق بمحور فيلادلفيا ومعبر رفح. وكانت وكالة رويترز قد قالت، الجمعة الماضي، إن مفاوضين إسرائيليين ومصريين يجرون محادثات بشأن نظام مراقبة إلكتروني على محور فيلادلفيا، وهو ما نفاه مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أيضاً.

عمار فايد: إسرائيل ستظل في محور فيلادلفيا حتى التوصل لاتفاق على ترتيبات طويلة الأمد 

وفي السياق، قال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية عمار فايد، لـ"العربي الجديد"، إن "إسرائيل ستظل في محور فيلادلفيا في الأجل القريب، إلى أن يجري الاتفاق على ترتيبات طويلة الأمد تضمن لها تأمين الحدود ضد ما تزعم أنها عمليات تهريب لا تستطيع وقفها". وأضاف أنه "في المقابل، فإن مصر لا تمانع تلبية المتطلبات الإسرائيلية طالما أن الولايات المتحدة ستقدمها (التجهيزات التقنية والكاميرات، إلخ)، لكنها تتمسك بعدم تغيير الوضع على الحدود عما هو متفق عليه في اتفاقية السلام". وباعتقاد فايد، فإن "الاتفاق بات قريباً بالفعل ولست أرجح أن الأمر سيمثل أزمة في العلاقة".

إجراءات الاحتلال في رفح

من ناحيته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير رخا أحمد حسن، لـ"العربي الجديد"، إن "إجراءات جيش الاحتلال الإسرائيلي في رفح ترجع إلى عدة عوامل، منها سياسة إسرائيل المعلنة بتحويل قطاع غزة إلى مجموعة من الخرائب وجعله منطقة تصعب الحياة فيها". ومن بين تلك العوامل أيضاً "غيظ إسرائيل من تمسك الموقف المصري بضرورة رحيل قوات الاحتلال الإسرائيلي من محور فيلادلفيا كشرط أساسي لإعادة فتح معبر رفح، إذ هدمته قبل الاستجابة للمطلب المصري".

رخا أحمد حسن: هناك ضغوط دولية على إسرائيل حتى تستجيب لمطلب مصر بإعادة فتح معبر رفح

وأضاف حسن أن "هناك أيضاً الضغوط الدولية على إسرائيل حتى تستجيب لمطلب مصر لإعادة فتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة، وإدراك الجانب الأميركي أن إعادة فتح المعبر مرتبطة بالاستجابة للمطلب المصري". وبيّن حسن أن القاهرة "أوضحت أن التعامل المصري عبر معبر رفح هو أساساً مع الجانب الفلسطيني وبإشراف دولي ولا علاقة لإسرائيل به، وفقاً لاتفاقية المعابر لعام 2005 والمعدلة في 2006".

بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور عصام عبد الشافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي في رفح لها عدة أهداف أساسية، أولها إيصال رسالة للداخل الإسرائيلي أن العمليات العسكرية حققت أهدافها". وأوضح الشافي أنه "بالتالي إذا انخرطت حكومة الكيان في مفاوضات للتهدئة يكون لديها ما تدافع به عن عملياتها". وثاني الأهداف، وفق عبد الشافي، هو "إيصال رسالة للجانب المصري أن ورقة الضغط الرئيسية التي كان يمكن لمصر استخدامها في التعاطي مع ملف الحصار لم تعد صالحة للاستخدام".

ومن الناحية العسكرية، قال الخبير العسكري الفلسطيني اللواء واصف عريقات، لـ"العربي الجديد"، إن "إجراءات الاحتلال في المنطقة، تأتي في سياق الحرب النفسية التي تنفذها إسرائيل"، وهدف تلك الحرب النفسية "الضغط على المقاومة الفلسطينية لإجبارها على التنازل، بالإيحاء أن الاحتلال باقٍ بشكل دائم داخل حدود قطاع غزة، وهذا ينطبق على محور فيلادلفيا ومحور نتساريم (وسط القطاع)".

المساهمون