القاهرة تقونن مصادرة أموال "الإخوان": هل تُسلَّم لشركات خليجية؟

18 ابريل 2018
تمت قوننة لجنة التحفظ على أموال "الإخوان" (أحمد عمر/الأناضول)
+ الخط -
استبقت السلطات المصرية صدور قرار متوقع من محكمة النقض بإلغاء قرار إدراج 1500 شخص على قائمة الإرهابيين بتهمة تمويل جماعة الإخوان المسلمين، من بينهم لاعب كرة القدم السابق، محمد أبو تريكة، المقيم حالياً في قطر، بتمرير سريع ومفاجئ، الاثنين الماضي، لمشروع قانون جديد يقونن أوضاع لجنة التحفظ على أموال جماعة "الإخوان" الحالية، برئاسة المستشار محمد ياسر أبو الفتوح، وحمايتها من خطر صدور أحكام ببطلانها، فضلاً عن منحها، للمرة الأولى، سلطة التصرف في الأموال ومصادرتها بالمخالفة للدستور.

وأكدت هذه الخطوة ما سبق ونشره "العربي الجديد" في شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب الماضيين عن اتجاه حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوضع تشريعات تضمن استمرار وضع يدها على أموال جماعة "الإخوان" وأعضائها المتحفظ عليها منذ مطلع عام 2014، والمنتشرة في أشكال اقتصادية عديدة، كالمدارس والمستشفيات والمحلات التجارية والعقارات والأراضي الزراعية والصحراوية، والشركات الاستثمارية والمواقع الإلكترونية، مع السماح لها باستثمار تلك الممتلكات والتصرف فيها، بالتأجير أو البيع لحساب الخزانة العامة للدولة، بعدما اكتشفت الحكومة أنها لا تحقق الأرباح المرجوة من التحفظ على أموال بهذا الحجم.

ويغير المشروع الجديد عملياً إجراءات التحفظ على الأموال والتقاضي بشأنها المنصوص عليها في قانون الكيانات الإرهابية المطبق منذ فبراير/ شباط 2015، والذي كان وسيلة مناسبة، أعادت بها الحكومة صياغة جميع قرارات التحفظ على الأموال، وإنشاء لجنة إدارية من وزارة العدل للسيطرة عليها وإدارتها، وذلك بعدما أصدرت محكمة القضاء الإداري عدة أحكام قضائية ببطلان تلك القرارات، فجاء قانون الكيانات الإرهابية ليوفر للحكومة سنداً تشريعياً لتصرفاتها المحكوم سابقاً ببطلانها، من خلال استصدار النيابة العامة قرارات بإدراج أسماء جميع المتحفظ على أموالهم على قائمة الإرهابيين، والتي يترتب، بمجرد الإدراج عليها، تجميد أموال المتهم وإسناد إدارتها للجنة مختصة.

لكن الحكومة حاولت، منذ عام 2016، رفع مستوى التنكيل بالأفراد المتحفظ على أموالهم، تجنباً لقدرتهم على النفاذ لحقوقهم من خلال إجراءات التقاضي العادية، من الطعن على قرارات الإدراج والتحفظ أمام محكمة النقض، كما يحدث حالياً في قضية تمويل جماعة "الإخوان"، المعروفة إعلامياً بقضية "أبو تريكة". واقترحت وزارة العدل آنذاك مشروعاً لإنشاء لجنة جديدة للتحفظ والإدارة والتصرف بأموال الجماعات والكيانات الإرهابية – نشر تفاصيله آنذاك "العربي الجديد" - كان يهدف في الأساس لحماية تصرفات اللجنة وتمكينها من مصادرة الأموال نهائياً. لكن الوزارة اضطرت إلى مراجعة المشروع بعد تلقيها تحذيرات باحتمال تصادمه مع الدستور، بسبب منحه سلطة التحفظ وإصدار القرارات للجنة نفسها، باعتبارها "ذات طبيعة قضائية"، وكذلك بسبب منحه سلطة نظر قرارات إدارية لمحكمة الأمور المستعجلة غير المختصة بذلك بنص المادة 190 من الدستور، الذي أسند ذلك النوع من المنازعات فقط للقضاء الإداري.


ويتضح من المشروع، الذي أقره مجلس النواب، أن وزارة العدل حاولت تقليل عيوب المشروع القديم، إذ لن تختص اللجنة، التي ستشكل من 7 قضاة بمحاكم الاستئناف، بإصدار قرارات التحفظ، بل ستتلقى أولاً قرارات الإدراج من محكمة الجنايات، ثم ستجري حصراً للأموال الخاصة بالمتهمين المدرجين، ثم ستبدأ إجراءات وضع يدها على الأموال بعد استئذان قاضي الأمور الوقتية، الذي سيصدر بدوره قراراً مسبباً بالتحفظ. أما المتضرر من تنفيذ التحفظ فسيطعن على قرار اللجنة، أو قاضي الأمور الوقتية، أمام محكمة الأمور المستعجلة. وتشير الحوادث القضائية المتتابعة منذ تسعينيات القرن الماضي إلى سيطرة الحكومة على محكمة الأمور المستعجلة، بداية من استخدامها لوقف تنفيذ أحكام بطلان الانتخابات البرلمانية في الدوائر المختلفة أعوام 2000 و2005 و2010، وانتهاء باستخدامها لاصطناع تناقض بين الأحكام في قضية تنازل الدولة عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. بل إن محكمة الأمور المستعجلة نفسها هي التي أصدرت الحكم الشهير باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في العام 2013، والذي كان إشارة انطلاق الحكومة لوضع يدها على أموال "الإخوان" وغيرهم من المتهمين بتأييدهم أو تمويلهم، بناء على تحريات أمنية محضة.

أما أخطر مواد المشروع الجديد فهي المادة 11 التي تمنح اللجنة، حرفياً، سلطة "التصرف بالأموال محل التحفظ على النحو المبين في القانون المدني وقانون المرافعات المدنية والتجارية، وذلك بنقل ملكيته إلى جانب الخزانة العامة للدولة، بناء على طلب اللجنة من المحكمة المختصة". وهذا يعني أن اللجنة يمكنها في أي وقت، بعد صدور حكم نهائي بالتحفظ، أن تطلب من محكمة الأمور المستعجلة أيضاً أن تأمر بالتصرف في الأموال، فتستجيب المحكمة بالطبع، وتسرع اللجنة لنقل تبعية المال إلى الخزانة العامة للدولة، أي مصادرته لصالح الدولة، أو استغلاله بأية صورة لمصلحة الدولة أيضاً. علماً أن هذه المادة في المشروع القديم كانت أقل خطورة، إذ كانت تنص على سلطة اللجنة بالتصرف في الأموال إذا أصبح قرار التحفظ نهائياً. وتظهر المادة بهذه الصورة بالمخالفة الواضحة للمادة 40 من الدستور التي تنص على أن "المصادرة العامة للأموال محظورة، ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي". فالمقصود بالمصادرة الخاصة هنا أن تحدد المحكمة الجنائية حصرياً الأدوات أو الأموال التي استخدمها الجاني في عمله الإجرامي، ومن ثم تحكم بمصادرتها بعد ثبوت استخدامها في مخالفة القانون، كمصادرة السيارات والأسلحة والمخدرات في قضايا التهريب والقتل والإرهاب، الأمر الذي يختلف تماماً عن حالة الأموال المتحفظ عليها جميعاً من أشخاص يشتبه في تمويلهم لجماعة "الإخوان".

يذكر أن الحكومة تلقت، العام الماضي، من مستثمرين محليين مقربين من النظام، وكذلك من مستثمرين خليجيين، وتحديداً سعوديين وإماراتيين، عروضاً لإدارة الكيانات الاقتصادية المتحفظ عليها من الباطن، أي بقرار داخلي من لجنة التحفظ، الأمر الذي رحبت به الحكومة، وفقاً لمصادر مطلعة، نظراً لعدم إجادة الدولة التصرف في بعض أنواع الكيانات محل التحفظ، وعلى رأسها دور الرعاية الصحية وسلسلة المحال التجارية، لا سيما أن هذه الكيانات الاقتصادية تحولت من وضعية الربح في عهد إدارة ملاكها الأصليين إلى وضعية خاسرة في عهد الإدارة الحكومية. وخلال العام الماضي، ضمت الحكومة إلى قائمة التحفظ متاجر "راديو شاك"، و"كمبيوتر شوب"، و"موبايل شوب"، و"كومبيو مي"، و"سمارت هوم" واسعة الانتشار، وسلسلة مكتبات "ألف" وصحيفتي "البورصة" و"إيجيبت ديلي نيوز"، لتصبح بجانب كيانات شهيرة أخرى كسلسلة متاجر "سعودي وزاد"، ومئات المدارس الإسلامية الخاصة والدولية ونحو 700 مستشفى ومستوصف بمختلف المحافظات، بالإضافة إلى جميع ممتلكات رجل الأعمال الشهير صفوان ثابت، عدا شركته "جهينة" التي تملك ما يزيد على نصف استثمارات الألبان في مصر، والتي لم يتم التحفظ عليها لوجود شركاء سعوديين بها.