سلوان... قصة بلدة مقدسية يهددها التوسع الاستيطاني

14 ابريل 2018
سيطرت "إلعاد" على عقارات عدة بطرق ملتوية (العربي الجديد)
+ الخط -

في منطقة "العين" من أراضي بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، يبدو المشهد مألوفاً لسكان المنطقة التي نكبت برمّتها نتيجة تغوّل جمعيات الاستيطان اليهودية المتطرفة، وفي مقدمتها جمعية "إلعاد" التي منحتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، قبل نحو عامين، سيطرة مطلقة على إدارة منطقة واسعة من محيط البلدة القديمة في القدس، يطلق عليها الاحتلال اسم "الحوض المقدس".


وتقع سلوان، بأحيائها المختلفة، في مركز هذه المنطقة التي تضمّ اليوم أكثر من أربعين بؤرة استيطانية، تضاف إلى أكثر من 80 بؤرة مشابهة في البلدة القديمة من القدس، حيث تتولى السيطرة على الأخيرة جمعيات استيطان أخرى غير "إلعاد"، مثل "عطيراتكهانيم" و"شوفوبنيم". ومن هذه الجمعيات تتفرّع مدارس ومعاهد تلمودية تنشط جميعها وتلتقي عند هدف واحد هو "تهويد كامل القدس العتيقة وامتدادها في جنوب سلوان"، بما يمكّنها لاحقاً من بسط سيطرتها على المسجد الأقصى.

وتشير التطورات الأخيرة في بلدة سلوان، بعد الاستيلاء على ثلاثة منازل من أصل خمسة تملكها عائلة رويضي المقدسية من قبل جمعية "إلعاد"، إلى طريقة جديدة غير مألوفة اتبعتها هذه الجمعية الاستيطانية لنهب عقارات البلدة، من خلال الادعاء بأن أحد الورثة من عائلة رويضي كان مديناً للجمعية. علماً أنه قتل، قبل سنوات عدة، طعناً بالسكين من قبل مجهولين، ولم يعتقل حتى اللحظة قتلته، رغم وجود كاميرات مراقبة في المكان.

ووفقا لعائلته، فإن رزق رويضي، الذي تدّعي "ألعاد" أنه كان مديناً لها، رغم إعلانه إفلاسه قبل مقتله، ليس الوارث الوحيد في العقارات المستولَى عليها، بل إنّ هناك ورثة آخرين، لكن ما حصل هو أن "إلعاد" تحاول، في هذه المرحلة، السيطرة بشكل مطلق على جميع العقارات، إذ نجحت في إبقاء ثلاثة منها في قبضتها، في وقت نجح المحامي محمد دحلة في استصدار أمر مؤقت بإخلاء الجمعية الاستيطانية لعقارين، إلى حين البتّ النهائي في القضية.

وأوضح دحلة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "إلعاد" برّرت استيلاءها على العقارات، مدعيةً أن رويضي كان مديناً لها بمبالغ مالية، وأنه في إطار إجراءات الإعلان عن إفلاسه اتفقت مع ما يسمى القيّم، المعيّن من المحكمة المركزية الإسرائيلية في ملف الإفلاس، أن يعطي الأخير هذه العقارات لجمعية "إلعاد"، مقابل تنازلها عن ديونها المزعومة.


ووصف دحلة ما جرى بأنه "مخالف للقانون، بالنظر إلى أنّ عملية الإخلاء المباغتة للعائلة المقدسية لم تتم كما جرت عليه العادة وحسب القانون، من قبل دائرة الإجراء الإسرائيلية الملزمة قانونياً بإرسال بلاغات عدة قبل إخلاء أية عائلة من منزلها. يضاف إلى ذلك، أن رزق رويضي لم يكن المالك الوحيد لهذه العقارات، كما أن إجراءات إفلاسه كانت بدأت قبل أكثر من سبع سنوات واستمرت بعد وفاته".

وروت أرملة رويضي، التي لا تزال عائلتها تقيم في محيط منزلها المستولى عليه، في حديث مع "العربي الجديد"، بعض تفاصيل متعلّقة بادعاءات "إلعاد" على زوجها، مشيرةً إلى أنّ ديوناً تراكمت على زوجها المتوفى، وصلت إلى 7 ملايين شيقل، ما اضطره إلى إعلان إفلاسه قبل نحو سبع سنوات، في حين أن العقار الذي كانت تقطنه مع أفراد عائلتها تعود ملكيته لزوجها وستة من أشقائه، أمّا العقار الثاني، فيقطنه نجل لها وعائلته، بموجب عقد إيجار، وتعود ملكيته لأحد أبناء العائلة.


وكان مركز معلومات "وادي حلوة"، المختص بالشأن المقدسي، كشف، في بيان له، عن سيطرة جمعية "إلعاد" على ثلاثة منازل وليس منزلين، يعود واحد منها لخالد رويضي وأشقائه والمؤجّر لعطا رويضي، ومنزل آخر لورثة أبناء عطا الله سليمان رويضي وتعيش فيه أرملة رزق رويضي وأبناؤها وأحفادها، بالإضافة إلى منزل فيصل رويضي ويعيش فيه 13 فرداً.

من جهته، أشار محمود رويضي، شقيق رزق، إلى أنّ العائلة قدّمت مستندات تثبت أن شقيقه لا يملك العقارات المستولى عليها، وإنما كان يعيش في إحداها، وهو منزل والده عطا الله رويضي، وهو من حق سبعة من الورثة، وبالتالي ليس له حقّ التصرّف فيها "بالبيع أو الشراء"، موضحاً أنّ محكمة الاحتلال المركزية قرّرت، قبل حوالي أسبوعين، إلزام العائلة بدفع مبلغ 100 ألف شيقل لخزينة المحكمة لوقف إجراءات الإخلاء، لكن لم يتم إبلاغ محامي العائلة بالقرار، ليفاجأ الجميع باقتحام قوات الاحتلال والمستوطنين لمنازل العائلة.

من جهتها، حذّرت لجنة حي "وادي حلوة" في بلدة سلوان، في بيان لها، من "الطرق الملتوية التي استولت من خلالها جمعية "إلعاد" على منازل عائلة رويضي، في وقت تحاول الجمعيات الاستيطانية الادعاء بأنها لا تستولي على منازل الفلسطينيين إلا بأوراق قانونية". ولفتت اللجنة إلى أن "منازل عائلة رويضي تكشف زيف ادعاءات المستوطنين، لأن العقارات لا يملكها رزق رويضي، وبالتالي لا يحق له التصرّف في أي شبر منها". ورغم قرار المحكمة العليا بإيقاف إجراءات الإخلاء، إلا أنّ شرطة الاحتلال على الأرض رفضت تنفيذ القرار بحجة "انتهاء الإخلاء".

وتعدّ بلدة سلوان، ومنها منطقة العين ووادي حلوة وبطن الهوى والبستان، غنية بالآثار والمواقع التاريخية، أشهرها "عين سلوان" التي استولت عليها "إلعاد" وبات الدخول إليها بتذاكر، باعتبارها موقعاً سياحياً. ويجاور "عين سلوان" أيضاً مسجد العين، وهو مسجد قديم جداً محاط اليوم بعدد من البؤر الاستيطانية، في حين حوّل المستوطنون بناية سكنية ضخمة في "بطن الهوى" إلى واحدة من كبريات البؤر الاستيطانية في البلدة.

ورغم صدور قرار من بلدية الاحتلال في القدس، قبل أكثر من ثلاث سنوات، بهدم إضافات بناء على هذه البناية، إلاّ أنّ البلدية نفسها تماطل في التنفيذ، على خلاف ما يكون عليه الحال حين يتعلّق الأمر بإضافة صغيرة يقوم به مواطن من سكان بلدة سلوان، حيث يرغم على هدمها أو تهدمها البلدية.

وفي مسارات الطريق داخل بلدة سلوان، يمكن للمرء مشاهدة عشرات الأعلام الإسرائيلية المرفوعة على مبان وعقارات استولى عليها مستوطنون هناك، وتحوّلت إلى نقاط احتكاك يومية مع السكان، في حين لا يزال خطر الهدم يهدّد نحو 90 منزلاً في حي البستان المتصل بـ "بطن الهوى" و"العين"، فضلاً عن تهديد بالاستيلاء على حي بأكمله، يشتمل على مئات المنازل التي تؤوي آلاف الأسر المقدسية، حيث يدّعي المستوطنون، أن يهوداً من اليمن كانوا يقطنون في هذا الحي قبل عام 1948. ويعدّ شارع العين أحد الأحياء المستهدفة إسرائيلياً من قبل المستوطنين، لادعائهم بوجود حجارة الهيكل المزعوم وآثار يهودية في المنطقة.

وبدأت جمعية "إلعاد" نشاطها الاستيطاني في بلدة سلوان عام 1986، وتمكّنت من السيطرة على عقارات عدة بطرق ملتوية وبمساعدة سلطات الاحتلال ومؤسسات إسرائيلية.


في غضون ذلك، تبدو سلوان ابتداءً من مدخل "وادي حلوة" المتاخم لسور المسجد الأقصى، كورشة حفريات ضخمة جداً، حيث تتواصل أعمال الحفر هناك وعلى عمق عشرات الأمتار، وتمتد أسفل منازل المواطنين على مسافات كبيرة، حيث تسعى سلطات الاحتلال إلى إقامة أكبر مجمع استيطاني سياحي على مدخل الحي، بمساحة تمتد على آلاف الأمتار، ويتألف من طوابق عدة، ليتصل هذا المجمع عبر شبكة أرضية بالبلدة القديمة من القدس، خصوصاً في منطقة ساحة البراق وعلى تخوم الأقصى، في الوقت الذي تتواصل فيه أعمال شقّ نفق بطول 600 متر يبدأ من منطقة "عين سلوان" ويتجه شمالاً حتى المسجد الأقصى.

وتُظهر صور فوتوغرافية نصبت على مدخل سلوان من ناحية "وادي حلوة"، شكل المنطقة بعد أن يتم إنجاز مشاريع التهويد المختلفة في البلدة ومحيطها، جغرافياً وديموغرافياً، بحيث لا تظهر تلك الصور وجوداً للسكان الفلسطينيين الأصليين في البلدة.

وفيما يقطن سلوان الآن بضع مئات من المستوطنين المتطرفين، يعيش نحو 50 ألف مقدسي في البلدة وامتداداتها حتى حي رأس العمود، لكن هؤلاء المستوطنين يتمتعون بالحماية والقوة، في واقع يشابه تماماً أوضاع البلدة القديمة في الخليل التي يقطنها نحو 400 مستوطن وسط عشرات آلاف الفلسطينيين، الذين يتحكّم جيش الاحتلال ومستوطنوه فيهم، لا بل يحظى الأخيرون بدعم مالي وقانوني وحماية واسعة على مدار الساعة، تكلّف خزينة دولة الاحتلال مئات ملايين الدولارات سنوياً.