هوس إسرائيلي بـ"قرابة الدم" الضائعة لضمان ميزان ديمغرافي يهودي

29 مارس 2018
تريد إسرائيل تقريب الجماعات ذات الصلة باليهود(رومان لافابروغ/فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال الهوس الإسرائيلي في ضمان ميزان ديمغرافي يهودي في فلسطين التاريخية يحرّك دولة الاحتلال للبحث عن "مخزون" من اليهود أو من يمكن ترشيحهم لعمليات تهويد سريعة وفق الشريعة اليهودية تمهيداً لاستجلابهم لفلسطين، بالرغم من أن عدد يهود الولايات المتحدة وحده يعادل عدد سكان إسرائيل اليهود تقريباً، إذ يبلغ عدد الإسرائيليين اليهود اليوم نحو 6.5 ملايين نسمة لا يشمل نحو 400 ألف إسرائيلي، على الأقل، من أصول روسية لا تعترف القيادات اليهودية الدينية في إسرائيل بيهوديتهم وتعتبرهم أغياراً.

وتزامن الجدل، الذي اندلع أول من أمس، في لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، بشأن تساوي عدد اليهود مع عدد العرب في فلسطين التاريخية مع إنهاء لجنة خاصة في وزارة الهجرة الإسرائيلية عملها وطرحها تقريراً عن قرابة الدم بين اليهود وبين نحو 60 مليون شخص من مختلف أنحاء العالم، لهم علاقة قرابة بعيدة مع اليهود، سواء لكونهم يتحدرون من عائلات يهودية صرفة تزوج أبناؤها مع مرور الوقت من غير اليهود، أو لكونهم يتحدرون من عائلات تدعي الحركة الصهيونية أن أصولها يهودية لكن أفرادها أرغموا في عهد محاكم التفتيش وفترات تاريخية مختلفة على التنصر وترك ديانتهم اليهودية.


ونقلت صحيفة هآرتس، أمس الأربعاء، أن اللجنة المذكورة التي عينها وزير التربية والتعليم، وزير شؤون الهجرة (المهجر)، نفتالي بينت، خرجت باستنتاجات قاطعة بأن هناك نحو 60 مليون شخص من مختلف أنحاء العالم لهم علاقة، قريبة أو بعيدة، باليهودية وبإسرائيل، وأن بينهم مجموعات يمكن فحص إمكانية جلبها إلى إسرائيل وتهويدها. ودعت اللجنة في التقرير الذي رفعته أخيراً إلى الحكومة الإسرائيلية، إلى إجراء مسح للجماعات المختلفة ذات العلاقة بإسرائيل من أجل تغذيتها بمضامين ترتبط بـ"الدولة" وبالقيم اليهودية و"ترسيم مسار لإيصال هؤلاء، سواء الأفراد أو الجماعات، إلى إسرائيل بهدف تهويدهم".
واعتبرت اللجنة في تقريرها المذكور، أن "الحديث يدور عن فرصة استراتيجية لا مثيل لها لتقريب هذه الجماعات ذات الصلة باليهود إلى إسرائيل، ووضع مسار واضح ومحدد لمن يكون معنياً من بين أفراد هذه الجماعات بالانضمام بشكل نهائي وكلي للشعب اليهودي".
وقالت "هآرتس" إن التقرير رفع مطلع هذا الأسبوع لسكرتارية الحكومة الإسرائيلية، إلا أن متحدثاً باسم وزارة شؤون الهجرة نفى أن تكون الوزارة قد تبنت توصيات التقرير المذكور رسمياً، وأن "الهدف من التقرير هو تقوية علاقة إسرائيل مع دوائر وأوساط واسعة ذات علاقة بإسرائيل وبتاريخ اليهود وليس بالضرورة الاتجاه نحو عملية تهويد واسعة النطاق".

يشار في هذا السياق إلى أن عدداً من حاخامات التيار الأرثوذكسي أعربوا عن معارضتهم المبدئية للفكرة كلها، باعتبار أن اليهودية ليست ديانة تبشيرية كالمسيحية. كما أنه ليس مستحباً عرض التهويد بهذا الشكل الواسع النطاق وفرض الديانة اليهودية على من ليسوا يهوداً ولم يولدوا لعائلات يهودية بحسب الشريعة اليهودية.

ويصطدم موقف هذا التيار الأرثوذكسي والمتشدد مع الأهداف السياسية والديمغرافية التي يروج لها أعضاء اللجنة وقطاعات أخرى في الحركة الصهيونية، لكن هذا الموقف هو نفسه الذي يعتمده اليهود الأرثوذكس في إسرائيل في موقفهم المناهض لقطاعات واسعة من اليهود في الولايات المتحدة لكون أغلبية يهود الولايات المتحدة ينتمون للحركات اليهودية المحافظة والإصلاحية، الذين ترفض المؤسسة الرسمية الدينية في إسرائيل الاعتراف بيهوديتهم وتطالب بأن يتم تهويدهم مجدداً وفق مسار الشريعة اليهودية المتزمتة.
وكان هذا الموقف، ولا يزال، سبباً رئيسياً في توتر العلاقات بين يهود الولايات المتحدة الأميركية والمؤسسات الدينية في إسرائيل، بما في ذلك الخلافات المتواصلة والنزاع الشديد بين الطرفين حول تخصيص ساحة لصلاة النساء واليهود الإصلاحيين والمحافظين في باحة البراق في القدس المحتلة.
وبالرغم من هذا النزاع، أكد مدير وزارة الهجرة الإسرائيلية دفير كهانا، في مقدمة التقرير، أن الحديث يدور عن "عشرات ملايين الأشخاص الذين يمكن أن يشكلوا قاعدة لدوائر اتصالات وعلاقات قوية ومساندة للشعب اليهودي ولدولة إسرائيل".

ويعيد هذا التقرير إلى الأذهان الهوس الإسرائيلي في مطلع الثمانينيات بالبحث عن أسباط يهودية ضائعة في أنحاء المعمورة، واضطرار المؤسسة الدينية اليهودية الأرثوذكسية، في أواخر السبعينيات إلى الإقرار بأن يهود إثيوبيا، الفلاشا، هم أحفاد قبائل يسرائيل بيتا اليهودية التي حافظت على تعاليم اليهودية والتوراة على مرّ العصور رغم خضوع إثيوبيا للحكم المسيحي. وأدى هذا الإقرار في نهاية المطاف إلى تنظيم حملتين سرّيتين لجلب يهود إثيوبيا إلى إسرائيل عبر السودان بالاتفاق السري مع نظام جعفر النميري، لكن ليس من دون إبقاء بضعة آلاف منهم إلى اليوم في إثيوبيا لعدم الاعتراف بيهوديتهم الصرفة.
إلى ذلك، اضطرت المؤسسة الدينية الأرثوذكسية في عهد حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسحاق شامير، عام 1987، وفي أوج الانتفاضة الفلسطينية، إلى غض الطرف عن القيود المتشددة بشأن يهودية عشرات آلاف الروس الذين جلبوا إلى فلسطين في تلك السنوات، بين عامي 1987 و1993 ووصل عددهم النهائي إلى نحو مليون مهاجر روسي. واتضح اليوم أن المؤسسة الدينية الرسمية الأرثوذكسية أبقت على قوائم تضم أسماء مئات الآلاف منهم ممن لا تعترف بيهوديتهم، ويتم وضعهم على لوائح سوداء تقضي بعدم السماح بتزويجهم وفق الشريعة اليهودية ما لم يمروا بعمليات تهويد متشددة.

لكن البحث عن اليهود في العالم لضمان "مخزون" يهودي يرجح كفة ميزان ديمغرافي أوصل الاحتلال إلى أقصى الشرق. وتم الإعلان في تقارير إسرائيلية عن العثور على أبناء "سبط منشه" الضائع في الهند، وهم من قبائل كوكي تشين ميزو الذين يعيشون شمال شرقي الهند بالقرب من ميانمار ويعرفون أنفسهم بأنهم يهود. وعندما اتضح أن تعداد أبناء هذه القبائل يصل لسبعمائة ألف شخص خفت الحماسة الإسرائيلية الرسمية لهذا الاكتشاف واختفى عن جدول الأعمال وعن الأجندة الإسرائيلية العامة، مع أن تقارير أشارت إلى أن سبعة آلاف نسمة منهم فقط يعيشون حياة يهودية هاجر منهم حتى الآن إلى إسرائيل ثلاثة آلاف شخص.

المساهمون