الجزائر: رسائل تحذير من الجيش إلى "الاستخبارات" والإعلام

06 فبراير 2018
انحاز قايد صالح (يسار) لبوتفليقة في انتخابات 2014(فرانس برس)
+ الخط -
أثارت تصريحات قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، واللهجة الحادة ضد  "أطراف وأبواق وأقلام"، وصفها بأنها "بدون ضمير"، تعمل على الإساءة لصورة الجيش، وتستغل، بحسبه، وبشكل مغرض أقلاماً، لم يسمها، لتشويه صورة الجيش والإساءة للمؤسسة العسكرية، جدلاً كبيراً واهتماماً بالغاً في الجزائر. لكن تلميحاته والتوصيفات التي أطلقها، تحمل قراءات واحتمالات متعددة حول الجهات المستهدفة بالرسائل السياسية المشحونة التي وجهها قائد الجيش، أبرزها قيادات سابقة في الاستخبارات.

وحمل الخطاب الأخير لقايد صالح، خلال جولة استطلاع قادته إلى المنطقة العسكرية الجنوبية في الصحراء، رسائل سياسية مشحونة باتجاه عدد من الأطراف، التي يعتقد أنها تحاول أن يكون لها تأثير من خارج المؤسسة العسكرية، ولعب دور في المشهد خلال المرحلة المقبلة، عبر استغلال معطيات داخلية مختلفة. وقال قايد صالح إنه ليس "من مصلحة الجزائر أن تعمل بعض الأطراف دون حس، ولا ضمير، على توريط بعض المتقاعدين (من العسكريين)، وتوظيفهم لأغراض لا تخدم بتاتاً مصلحتهم ولا مصلحة وطنهم". وأشار إلى أن "هذه الأطراف، التي تسعى من خلال بعض الأقلام من ذوي النوايا غير البريئة لبلوغ مبتغاها، ترمي إلى الإساءة إلى وطن اسمه الجزائر". واتهم جهات قال إنها تقف خلف تحريك هذه الأقلام وتتحرك وفق خطة مدروسة، ولها صلة بالتغييرات في التركيبة البشرية والتقنية والوضع اللوجستي العسكري للجيش، وهو ما يفهم من قوله إن "من يغرر بهذه الأقلام يعي جيداً ما يرمي إليه من أهداف مغرضة، ويريد من خلالها يائساً الإساءة إلى عمق التحولات التي يعرفها الجيش". ودعا قائد أركان الجيش العسكريين المتقاعدين والجنود المصابين في عمليات مكافحة الإرهاب إلى عدم الانسياق وراء من يسعى لتوريطهم، على خلفية حراك احتجاجي يقوده هؤلاء للمطالبة بزيادة المنح والحقوق الاجتماعية والتكفل بعلاج المصابين منهم.

ويدرج مراقبون تصريح قايد صالح بوجود أطراف تستهدف المؤسسة العسكرية و"تقف وراء تحريك الأقلام ووسائل الإعلام"، بسبب قلقها من التغييرات التي أحدثها داخل الجيش في سياق "لفت نظر وتنبيه حاد" موجه إلى عسكريين وقادة سابقين في جهاز الاستخبارات، تعتقد المؤسسة العسكرية أن لهم ارتباطات مع الصحافة وتأثير على إدارة وسائل إعلام بحكم علاقات سابقة من جهة، ومحاولتهم "توريط العسكريين المتقاعدين المحتجين" باستغلال النسيج العسكري السابق، وهو ما يرجحه العضو في قسم الشؤون السياسية في صحيفة "الخبر"، كبرى الصحف الجزائرية، جلال بوعاتي، والذي يعتقد أن قائد الجيش يشير بوضوح إلى "قادة عسكريين عملوا في فترة مكافحة الاٍرهاب، وهم ممن تم إبعادهم من الجيش والاستخبارات في إطار حملة إبعاد قيادات من جهاز الاستخبارات، نفذها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومهد لها قبل ذلك الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، المقرب من بوتفليقة شخصياً، وخصوصاً أن سعداني كان يشير بوضوح، في حملته وتصريحاته الحادة في 2015، إلى محاولة قائد جهاز الاستخبارات، الفريق محمد مدين، وفريقه الاستخباراتي تحريك الصحافة في تلك الفترة وإثارة قضايا متعددة ضد بوتفليقة ومقربين منه، كوزير الطاقة شكيب خليل، الذي اتهم بقضايا فساد".

ويمكن فهم هذا التصادم بين قائد أركان الجيش الحالي، الفريق أحمد قايد صالح، وقيادات سابقة في جهاز الاستخبارات، بينهم الفريق المقال محمد مدين، بسبب انحياز قائد أركان الجيش لصالح بوتفليقة، عشية الانتخابات الرئاسية التي جرت في إبريل/ نيسان 2014، إذ كان قائد جهاز الاستخبارات ضد ترشح بوتفليقة بسبب الوعكة الصحية التي ألمت به منذ إبريل 2013، إضافة إلى اعتقاد قادة الاستخبارات السابقين أن قيادات الأركان ضحت بهم لصالح الرئيس. ويطرح مدير موقع "ميناديفنس" المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية، أكرم خريف، تفسيرات متوافقة، معرباً عن اعتقاده بأن تحذيرات رئيس الأركان كانت موجهة إلى بعض الشخصيات التي تناوش المؤسسة العسكرية في كثير من القضايا والملفات وتستغل ملف العسكريين المتقاعدين للبروز الإعلامي، بينهم النائب حسن لعريبي، والمعروف قربه من مدين، الذي أقاله بوتفليقة في سبتمبر/ أيلول 2015، إذ عمد لعريبي إلى تبني قضيتهم، بالإضافة إلى الدبلوماسي الفار المقيم في لندن، العربي زيتوت، الذي تبنى قضيتهم ويطرحها بشكل حاد في مداخلاته على القنوات العربية والأجنبية، ويقدمها على أساس تخلي الدولة عمن قاوموا الإرهاب في عز الأزمة الأمنية.

لكن تركيز قايد صالح على الصحافة والإعلام، أو من وصفهم بـ"الأقلام المغرضة"، يقود إلى التساؤل أيضاً عما إذا كان بصدد توجيه رسائل مباشرة إلى الجسم الإعلامي وكبار الصحافيين، للاحتراز في التعاطي مع القضايا ذات الصلة بالمؤسسة العسكرية، خصوصاً في ظرف سياسي أحكمت فيه السلطة قبضتها بالكامل على المشهد الإعلامي، عدا عدد قليل جداً من الصحف، ما زال يحظى ببعض الاستقلالية في الخط الافتتاحي وفي التعاطي مع قضايا الجيش والعسكريين. وفي السياق، يوضح جلال بوعاتي أن "خطاب قائد أركان الجيش هو بمثابة تحذير لوسائل الإعلام"، لاعتقاده بأن هناك نوعاً من التعاطف الإعلامي مع العسكريين المحتجين، والذين عملوا في مرحلة مكافحة الاٍرهاب، خصوصاً من قبل بعض وسائل الإعلام المحلية ذات التأثير في الرأي العام الداخلي ويعتد بها في المشهد الدولي، مثل "الوطن" و"الخبر"، إضافة إلى انزعاج رئيس الأركان من وجود تعاطف شعبي مع هؤلاء العسكريين في المطالبة بحقوقهم المادية والمعنوية، خصوصاً نظير مساهمتهم في الدفاع عن الجمهورية وبقاء الدولة، وتعرض عدد كبير منهم لإصابات جسدية، إذ فقد بعضهم أطرافه، وعوضوها بأطراف بلاستيكية يقومون برفعها خلال تظاهراتهم واحتجاجاتهم.

وهذه ليست المرة الأولى التي تهاجم فيها المؤسسة العسكرية وقائدها من تصفهم بأقلام وشخصيات تلتقي في علاقتها بقيادات فاعلة في جهاز الاستخبارات. ففي مايو/ أيار الماضي، وفي أعقاب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، انتقد قايد صالح "بعض الذين صدرت عنهم، مع الأسف الشديد، بعض التعليقات والتصريحات والتلميحات عقب انتهاء انتخابات الرابع من مايو"، مضيفاً أن "القيادة العليا للجيش تعتبرها غير صحيحة، بل وغير لائقة، وهذه التعليقات نرفضها جملة وتفصيلاً". وفي سبتمبر/ أيلول الماضي هاجمت قيادة الجيش، في افتتاحية نشرتها المجلة الرسمية الناطقة باسم الجيش، من وصفتهم "بالأقلام المأجورة". وكتبت إن "إنجازات الجيش دفعت بعض الأقلام المأجورة، التي خاضت في كل المواضيع والاختصاصات، إلى تنصيب نفسها مدافعاً عن حرية الشعب". لكن التصريحات الأخيرة تبدو أكثر حدة من سابقاتها، ما يشير إلى وجود تفاعلات وتداخلات أملت حالة من القلق لدى القيادة العسكرية، ودفعتها إلى إبداء قسط من الحزم الذي يمنع اتساع مداها، ويكبح أية تأثيرات على الروح المعنوية للجيش وجنوده وضباطه، خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة التي يخوض فيها الجيش آخر معاركه مع بقايا الإرهاب من جهة، وتأمين العبور إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع 2019، من جهة ثانية.

المساهمون