روسيا تبرر مذبحة الغوطة... وحراك دولي بلا نتائج حاسمة

23 فبراير 2018
لا تتوقف أعداد الضحايا عن الارتفاع (عمار سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
بعد خمسة أيام من القصف العنيف ومقتل ما يزيد على 400 مدني وسقوط مئات الجرحى، استفاق العالم على ضرورة إيقاف المجزرة التي تُرتكب بحق الغوطة الشرقية لدمشق على يد النظام السوري وروسيا، عبر مشروع في مجلس الأمن الدولي لهدنة مؤقتة قد لا تكون كافية لوقف هذه الإبادة، خصوصاً أنها تستثني تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" من الهدنة في سورية، وهو الأمر الذي يستغله النظام وموسكو عادة للاستمرار في جرائمهما، كما أن القرار ينص على بدء الهدنة بعد 72 ساعة من إقراره ما يعطي نظام الأسد مهلة إضافية لمواصلة القتل.
على الرغم من ذلك، تولت روسيا مهمة عرقلة المشروع أمس، إذ فشل أعضاء مجلس الأمن الدولي، في التصويت على مشروع قرار قدمته الكويت والسويد بشأن فرض هدنة إنسانية لمدة شهر واحد في الغوطة الشرقية وعموم سورية، بهدف إرسال المساعدات الإنسانية للمدنيين.

وبعد جلسة استغرقت أعمالها أكثر من ساعتين، أعلن رئيس المجلس السفير الكويتي منصور العتيبي، فض الجلسة دون التصويت على مشروع القرار الذي أعدته بلاده باعتبارها العضو العربي الوحيد ورئيس أعمال المجلس لشهر فبراير/شباط الجاري بالتنسيق مع السويد.

وأوضح المندوب الروسي، خلال جلسة لمجلس الأمن عقدت بطلب من موسكو، أن "وقف إطلاق النار أمر مطلوب ومحبّذ"، قبل أن يستدرك بالقول إنه "علينا معرفة آليات تطبيقه (..) نودّ أن نحصل على ضمانات حول وقف إطلاق النار المقترح".

وذكر المتحدث ذاته أنه "لا يوجد اتفاق على مشروع قرار الهدنة الإنسانية في سورية"، وأن "روسيا ستوزّع على أعضاء مجلس الأمن تعديلات على مشروع قرار الهدنة بالغوطة الشرقية".


وبالتوازي مع الحراك الدبلوماسي في مجلس الأمن، كان النظام وروسيا يواصلان حملة القصف الجوي والمدفعي والصاروخي العنيفة على الغوطة الشرقية المحاصرة، ليُسجل سقوط المزيد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، مقابل تصاعد المواقف الدولية الداعية لوقف هذه "المذبحة" وفق تعبير المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وسط استمرار موسكو في محاولة إبعاد نفسها عن المسؤولية عن هذه الإبادة، التي أدت إلى مقتل أكثر من 400 مدني وإصابة أكثر من 1800 آخرين بجروح، منذ يوم الأحد الماضي وحتى ظهر أمس، بحسب توثيق للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وجاء بحث مشروع القرار أمس في جلسة لمجلس الأمن وسط أجواء صعبة، بحسب تعبير المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، الذي شدد في تصريحات صحافية على أنه "من الضروري تجنّب حدوث مذبحة لأن التاريخ سيصدر حكمه علينا"، مؤكداً أن لا بديل لوقف إطلاق النار.
هذه الأجواء الصعبة يفسرها تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس قبيل بدء جلسة مجلس الأمن، والذي وضع شروطاً لإقرار المشروع بالتشديد على أن "نظام وقف إطلاق النار في سورية يجب ألا يشمل تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة"، إضافة إلى جماعات متحالفة معهما تقصف أحياء سكنية في دمشق بشكل دوري"، وهو ما بدا تبريراً للحملة على الغوطة بأن الفصائل فيها تقصف دمشق. كذلك أشار لافروف في مؤتمر صحافي في بلغراد، إلى "وجود مخاوف من أن الهدف من مشروع قرار مجلس الأمن حول الهدنة هو اتهام دمشق بكل شيء وحماية المقاتلين". وأعلن أن "جيشنا في سورية عرض قبل بضعة أيام على المقاتلين انسحاباً آمناً من الغوطة الشرقية على غرار إجلاء المقاتلين وعائلاتهم الذي تم الترتيب له في شرق حلب"، مضيفاً أن "جبهة النصرة وحلفاءها رفضوا بشكل قاطع العرض، وهم يستخدمون المدنيين في الغوطة الشرقية دروعاً بشرية". ويستقبل لافروف نظيره الفرنسي جان إيف لودريان يوم الثلاثاء المقبل في موسكو لمناقشة تطورات الوضع في سورية.
في السياق نفسه، قال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف إن المسؤولية عن التطورات الأخيرة في الغوطة "تتحملها أطراف تدعم الإرهابيين الذين ما زالوا موجودين هناك حتى الآن، وليس روسيا وشركاءها".

وكان معدّو مشروع القرار الأممي، الذي قدّمته السويد والكويت، ولإرضاء روسيا قاموا بتعديل النص بعد مفاوضات شاقة ليؤكد أن وقف إطلاق النار لا يشمل "داعش" و"جبهة النصرة". وطالب المشروع بوقف لإطلاق النار لمدة ثلاثين يوماً في سورية لإفساح المجال أمام وصول المساعدات الإنسانية وعمليات إجلاء المرضى والمصابين. وطالب النص برفع فوري للحصار المفروض على الغوطة الشرقية واليرموك والفوعة وكفريا، وأمر جميع الأطراف بـ"التوقف عن حرمان المدنيين من الأدوية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة". ويُفترض أن يمهد مشروع القرار لبدء هدنة تدخل حيز التنفيذ بعد 72 ساعة على تبنّيه، على أن يبدأ إيصال المساعدات وعمليات الإجلاء الطبي بعد 48 ساعة على ذلك.

مقابل ذلك، كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تحمّل النظام السوري مسؤولية قتل المدنيين في سورية، واصفة ما يفعله بـ"المذبحة". وقالت ميركل، إن "ما نراه في سورية ليس نظاماً يقاتل الإرهابيين بل يقتل شعبه والأطفال ويدمر المستشفيات. كل هذا مذبحة يجب إدانتها". كما دانت واشنطن الهجمات العنيفة التي يشنها النظام السوري وروسيا على غوطة دمشق. وطالب بيان أصدره البيت الأبيض، روسيا بـ"الوفاء بالتزاماتها في ما يتعلق بمناطق خفض التصعيد في الغوطة الشرقية".

وفي المواقف أيضاً، دعت الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية إلى إيقاف قصف الغوطة. وفي سلسلة تغريدات على "تويتر" لرئيس الهيئة، نصر الحريري، أمس، قال إن الحل يكمن في تنفيذ القرارات الدولية، التي تنص على الوقف الفوري لجميع أنواع القصف والجلوس على طاولة المفاوضات وتحقيق الانتقال السياسي الكامل. ورأى الحريري أن "أي مبادرة تتجاهل القضة الأساسية المسببة للمذبحة في الغوطة، وتقضي بإخراج الأهالي من منازلهم هي عمليات تهجير قسري وهي مخالفة للقوانين الدولية باعتبارها جريمة حرب"، معتبراً أن "الحلول الدولية المقترحة حول وقف الإبادة في الغوطة، تدل على عدم وجود رغبة حقيقية في إنهاء ما يحصل في سورية إلى الأبد، إضافة إلى التساهل في مصير المدنيين".

كذلك دانت قطر "المجازر" وحملات القصف الجوي العنيفة التي تنفذها قوات النظام في الغوطة، داعية إلى وقفها. وطالبت الخارجية القطرية في بيان المجتمع الدولي بالتدخل واتخاذ "الإجراءات الضرورية والتدابير المناسبة" لوقف "هذه الجرائم وحماية الشعب السوري". وشددت على أن "المخرج الوحيد من الكارثة الإنسانية الحالية في سورية لن يكون إلا من خلال حل سياسي يأخذ بمبادئ اتفاق جنيف 1 والقرارات الدولية ذات الصلة ويضمن تحقيق رغبات الشعب السوري وطموحاته بشكل شفاف".

من جهتها، أعربت وزارة الخارجية السعودية في حسابها على "تويتر" عن القلق "من استمرار هجمات النظام السوري على الغوطة الشرقية، وأثر ذلك على المدنيين هناك". وشددت "على ضرورة وقف النظام السوري للعنف"، داعية إلى السماح بإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الغوطة.


ميدانياً، استهلت الغوطة يومها الدموي أمس الخميس بمقتل 14 شخصاً وإصابة العشرات نتيجة استهداف دوما، كبرى مدن الغوطة، بأكثر من 150 صاروخاً قبل أن ترتفع تباعاً حصيلة الضحايا. وأدى القصف على دوما أيضاً إلى تدمير مركز الدفاع المدني في المدينة وخروجه عن الخدمة. كما تسبب القصف الصاروخي في خروج مركز الهلال الأحمر عن الخدمة في مدينة حرستا، وخروج مستشفى اليمان في سقبا عن الخدمة بعد استهدافه بغارات الطيران الحربي وراجمات الصواريخ. واستهدف القصف أيضاً بلدة أوتايا ومدن عربين وحرستا ومسرابا وكفربطنا وسقبا، ما أدى إلى وقوع العديد من الإصابات بين المدنيين. كما قُتل تسعة مدنيين من عائلة واحدة في بلدة حزة.

 ولفت الناشط حازم الشامي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى صعوبة توثيق عدد القتلى بدقة نظراً لوجود الكثير منهم تحت الأنقاض، فضلاً عن صعوبة التواصل مع المناطق المستهدفة للوقوف على تفاصيل إضافية، بسبب كثافة القصف واختباء معظم المدنيين في الأقبية والملاجئ.

وسبقت تطورات أمس في الغوطة، أنباء عن مفاوضات للتهدئة، أعلنت روسيا فشلها، غير أن "جيش الإسلام" الفصيل الرئيسي في الغوطة الذي قيل إن المفاوضات تجري معه، نفى وجود مثل هذه المفاوضات أصلاً. وقال رئيس المكتب السياسي في "جيش الإسلام"، محمد علوش لـ"العربي الجديد" إن "كلام روسيا غير صحيح، ولا توجد أي مفاوضات أصلاً". وحول ما قيل عن دور وساطة تقوم به مصر ورئيس تيار "الغد" أحمد الجربا، قال علوش "لا دور لأحد"، متهماً "روسيا وأميركا والأمم المتحدة وجميع الدول بإعطاء ضوء أخضر لاقتحام الغوطة". وأضاف: "أقول جميع الدول ولا أستثني أحداً. وهم لم يتحركوا لدعم المدنيين وإغاثتهم. كلهم باعوا دماء الغوطة، والغوطة ستُفشل مخططهم". وحول التوقعات بأن يقوم النظام بعملية برية عقب حملة القصف، قال علوش في حديثه لـ"العربي الجديد": "محاولات الاقتحام لم تتوقف منذ شهر إلى الآن، وكلها فاشلة، ولذلك يستخدم قصف المدنيين وضرب المستشفيات والطواقم الخدمية للإسعاف والدفاع المدني وغيرها".

وكان المركز الروسي لمراقبة وقف إطلاق النار في سورية والذي يديره الجيش الروسي، قال في بيان مساء الأربعاء، إن "المحادثات مع المسلحين الرامية لإنهاء العنف في الغوطة الشرقية قد انهارت، بسبب تجاهلهم للدعوات بوقف المقاومة وإلقاء السلاح".
يأتي ذلك، بينما تحدثت بعض المصادر عن وصول وفد أمني مصري إلى دمشق لإدارة المفاوضات بين الروس والفصائل العسكرية بشأن الوضع في الغوطة. وحسب هذه المصادر فإن المصريين يجرون اتصالاتهم مع "جيش الإسلام"، والروس يجرون اتصالاتهم بالنظام السوري، في محاولة للضغط على "جيش الإسلام" لدفعه نحو العمل على إخراج "هيئة تحرير الشام" إلى إدلب. وكان "فيلق الرحمن"، الفصيل الرئيسي الآخر العامل في الغوطة الشرقية، قال عبر المتحدث باسمه وائل علوان إن روسيا عطلت سابقاً وفي اللحظات الأخيرة خروج 240 عنصراً من "هيئة تحرير الشام" من الغوطة الشرقية نحو الشمال السوري.

من جهة أخرى، أكد "جيش الإسلام" مشاركة سلاح الجو الروسي في الحملة العسكرية للنظام السوري على الغوطة، محمّلاً روسيا المسؤولية المباشرة عما يحصل. كما توعّد رئيس هيئة الأركان في "جيش الإسلام" المقدم علي عبد الباقي، في تغريدة عبر "تويتر"، بالرد على هذه المجازر. وقال "من يظنّ أنه سيرتكب كل هذه المجازر الهتلرية وهو آمن، فهو واهم".
في السياق ذاته، قالت وسائل إعلام موالية للنظام إن روسيا أعادت إلى مطار حميميم في اللاذقية مجموعة "متكاملة" من المقاتلات للمشاركة في العمليات العسكرية للنظام على غوطة دمشق، فيما قالت "القناة المركزية لقاعدة حميميم الجوية"، إن روسيا دعمت قوات النظام بأسلحة متطورة لتنفيذ عملية عسكرية في الغوطة الشرقية. وأوضحت أن روسيا أعادت أربع طائرات من نوع (سو - 35 إس) إلى قاعدة حميميم.