حراك خارجي لأطراف ليبية: مخاوف من الملتقى الجامع؟

17 ديسمبر 2018
حاول صالح الحصول على دعم روسي (توليو بيغليا/Getty)
+ الخط -
طرحت زيارتان متزامنتان لرئيس البرلمان الليبي عقلية صالح، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، إلى روسيا وتركيا بالتوالي، تساؤلات حول أهدافهما، وما إذا كانتا تتضمّنان محاولة من الرجلين لحشد دعم من قبل أطراف دولية فاعلة في المشهد الليبي، لا سيما أن تحركاتهما تأتي في ظل استعدادات أممية حثيثة لعقد ملتقى وطني يجمع كل الأطياف الليبية، قد ينتهي إلى تجاوز مجلسي النواب والدولة، بعد فشل جهود الحوار بينهما.

وعقد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح لقاءات عدة خلال زيارته إلى روسيا التي اختتمها السبت، مع رئيس مجلس الدوما، فياتشيسلاف فولودين، ومسؤولين روس آخرين، برفقة وفد برلماني مرافق له، انتهت بتوقيع اتفاق مع الدوما ووعود بزيادة جهود موسكو من أجل حث كل الأطراف الليبية على التوصل إلى تسوية للأزمة. وعلى الرغم من أهمية الاتفاقية التي تضمّنت تعاوناً في مجالات الاقتصاد والأمن والسياسة، إلا أن تصريحات بعض مرافقي صالح كشفت عن طلبه دعم روسيا لشرعية مجلس النواب.

في غضون ذلك، عقد رئيس مجلس الدولة خالد المشري لقاءات مع مسؤولين أتراك في أنقرة، على رأسهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي أكد استعداد بلاده لتقديم يد العون وتوحيد الجهود من أجل إنهاء الأزمة في ليبيا. كما اجتمع المشري برئيس مجلس الأمة التركي (البرلمان)، بن علي يلدريم، لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، واتفقا على تشكيل لجان مشتركة للتنسيق بين الطرفين في القضايا ذات الاهتمام المشترك.

ويتفق مراقبون للشأن في ليبيا أن الزيارتين المتزامنتين ترتبطان بالتحضير الكبير الذي يجرى حالياً لعقد ملتقى وطني يجمع كل الأطياف الليبية، والذي من المرجح أن يقلص فرص، وربما وجود، المجلسين، كونهما قطبي الصراع منذ فترة في البلاد.
وتشير البيانات المكثفة للبعثة الأممية، على صفحتها، إلى جهود كثيفة يبذلها المبعوث الأممي غسان سلامة، ونائبته ستيفاني ويليامز، للقاء أطراف ليبية عدة من أجل التحضير لعقد الملتقى. وعلى الرغم من عدم الكشف عن الأطراف المشاركة فيه وبنوده الأساسية، إلا أن مركز الحوار الإنساني في جنيف، المكلف من البعثة بالتحضيرات الأولية للملتقى، بدأ في نشر أجزاء من تقاريره النهائية حول اللقاءات التي أجراها في 77 مدينة ومنطقة ليبية خلال الأشهر الماضية من هذا العام، توضح عدداً من الجوانب التي يمكن أن تكون مواضيع أساسية في الملتقى، متعلقة بالجانب الاقتصادي وتوزيع الثروة، والسياسي المرتبط بضرورة إجراء انتخابات، والأمني المتعلق بضرورة توحيد المؤسسة العسكرية وخضوعها لسلطة مدنية.

وتعليقاً على هذه التطورات، رأى أستاذ العلوم السياسية الليبي، خليفة الحداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "فشل جهود التقارب بين مجلسي النواب والدولة، وانكشاف عملية التلاعب التي أجراها مجلس النواب على التعديلات الدستورية من أجل إطاحة المجلس الرئاسي برئاسة فائز السراج، دفعا عقيلة صالح إلى اللجوء إلى روسيا كقوة عظمى، وهي خطوة تشير إلى ضيق المساحة التي بدأ البرلمان يتحرك فيها". وأضاف أن "عقيلة صالح بعد فشله في التقارب مع مجلس الدولة من أجل إعادة تشكيل السلطة التنفيذية، وتزايد ظهور مؤشرات خلاف بينه وبين خليفة حفتر، بات محاصراً، ليس داخلياً فقط بل خارجياً أيضاً، فلم يلجأ كالعادة إلى مصر حليفه المقرب، بل إلى روسيا".


ويعني الحداد بالخلافات بين مجلس النواب المجتمع في طبرق منذ أغسطس/ آب 2014، ومجلس الدولة المؤسس منتصف 2016 بموجب اتفاق الصخيرات، تباين وجهات نظرهما بشأن تطبيق اتفاق الصخيرات منذ التوقيع عليه في ديسمبر/ كانون الأول 2015، بين إصرار مجلس الدولة على تنفيذه كاملاً، ورفض البرلمان ذلك إلا بعد حذف المادة الثامنة المتعلقة بشاغلي المناصب العسكرية العليا، والتي يرى الأخير أنها تستهدف إقصاء حفتر. لكن بعد فتور العلاقة بين مجلس النواب وحفتر، عاد البرلمان ليعلن، في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قبوله بالاتفاق كاملاً وتطبيقه بالتنسيق مع مجلس الدولة، قبل أن يعلن الأخير يوم الثلاثاء الماضي رفضه التعديلات الدستورية التي أجراها مجلس النواب لتضمين اتفاق الصخيرات بالإعلان الدستوري (الدستور المؤقت) كون قرار النواب عدّل الإعلان الدستوري لتضمين بعض مواد الاتفاق السياسي وليس كامله.

ولفت الحداد إلى اختلاف التغطيات الإعلامية لزيارة صالح بين الطرفين الروسي والليبي. وأوضح أن "الإعلام الروسي اكتفى بنشر أخبار تتعلق بالاتفاق المبرم بين مجلس النواب والدوما، بينما وسائل الإعلام التابعة لمجلس النواب حاولت تكثيف الحديث لجعل الزيارة مهمة، والإيحاء بأن صالح يحظى بدعم دولة كبرى، فيما الحقيقة خلاف ذلك". وأشار إلى أن الاتفاق الموقّع مع الدوما لا يعكس دعماً روسياً للنواب، ولم يكن سبب زيارة صالح ومرافقيه من النواب، بل يظهر السبب جلياً في تصريحات النواب المرافقين لصالح الذين وضعوا أيديهم على سبب الزيارة، وهي البحث عن دعم لشرعية مجلس النواب.

في المقابل، اعتبر الحداد أن زيارة المشري إلى تركيا تختلف، فما اتضح من تصريحات المسؤولين الأتراك هو دعم الملتقى الوطني الجامع، وهو ما بدا من تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، الذي أكد بعد لقائه المشري، وجوب حل الخلافات الليبية بمشاركة جميع الشرائح على طاولة المفاوضات وليس من خلال التدخّل الخارجي، وهو ما تسعى إليه البعثة الأممية من خلال الملتقى الجامع، بحسب الحداد.

من جهة أخرى، أشار الحداد إلى ما وصفه بـ"صراخ البرلمان وطلب النجدة على لسان أحد النواب وهو بدر العقيبي، خلال كلمته أمام مجلس الدوما، بالقول يتوجب على روسيا التدخل بقوة في ليبيا ومنع داعمي الأطراف الأخرى من إطاحة الجهة الشرعية التشريعية"، وهو يقصد مجلس النواب. ورأى أن مجلسي الدولة والنواب يعيشان أيامهما الأخيرة، فروسيا وتركيا لن تراهنا عليهما وتعارضا خارطة طريق الأمم المتحدة التي بدأت تتجاوزهما، وتهدف إلى إنجاح خارطة الطريق الأممية، عبر مجتمع ليبي سياسي أوسع وأكثر فاعلية تتمثل فيه كل الأطراف القبلية والسياسية الأخرى، للوصول إلى مرحلة الانتخابات التي يُعوّل عليها لإنهاء المشهد السياسي بكل مكوناته.

من جهتها، لم ترَ الصحافية الليبية نجاح الترهوني، أي فاعلية في زيارة صالح إلى روسيا، "لا سيما أن إعلام حفتر لم يعلّق نهائياً على الزيارة على الرغم من أهمية موسكو لحفتر". وقالت الترهوني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "صالح ذهب إلى روسيا لطلب الشرعية، ولكن الأخطر أنه طالب برفع حظر التسليح عن ليبيا"، متسائلة "لمصلحة من هذا الطلب؟"، مضيفة "لا أعتقد أنه طالب به لصالح خصمه حفتر، بل حاول تسويق قوات مقربة منه كطرف مسلح شرعي يمكن اعتماد روسيا عليه، وربما يعني اللواء عبد الرزاق الناظوري المعيّن من عقيلة صالح رئيساً للأركان، وهو أيضاً يخاصم حفتر، فهل كان صالح يرتب لتولية الناظوري بديلاً عن حفتر؟".

ورأت الترهوني أن مجلس الدولة نجح نسبياً في قيادة نتائج الأزمة أخيراً بينه ومجلس النواب لصالحه، فقد رفض مشروع التعديلات الدستورية، وبالتالي ضمن استمرار علاقته الجيدة مع المجلس الرئاسي بقيادة السراج، كما أنه اتجه للطرف السياسي الأكثر فاعلية في الأزمة الليبية وهو تركيا، على حد وصفها. وبحسب الترهوني، "فإذا كانت تركيا تؤكد على موقفها من رفض الحلول العسكرية، وميلها لطرف طرابلس، إلا أنها طرف مؤثر، وهو ما ظهر جلياً في خفض مستوى نتائج لقاء باليرمو الشهر الماضي بعد انسحابها ممثلها منه".