السيسي يسترضي المستثمرين الخليجيين: إقصاء القضاء عن المنازعات وتحصين بيع أصول الدولة

11 نوفمبر 2018
من المفترض أن يتم تسهيل الاستثمار (خالد الدسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

في إطار محاولاته المستمرة لمغازلة الدول الخليجية واجتذاب رؤوس الأموال فيها لشراء الكيانات التي ستطرح للبيع قريباً ضمن برنامج الطروحات الحكومية في البورصة، يسعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمنح المستثمرين الأجانب وفي مقدمتهم الخليجيين امتيازاً تشريعياً إضافياً يحميهم من المشاكل القانونية المعقدة. وبالتالي يضمن لهم إمكانية استرداد أموالهم في أي وقت بالاتفاق مع الحكومة بعيداً عن ساحات القضاء، متمثلاً في مشروع قانون جديد، سيحيل جميع القضايا التي صدرت فيها أحكام ببطلان الخصخصة والبيع في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلى اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار، أو اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار، وبالتالي إنهاء المشاكل المتوقعة إدارياً، وليس قضائياً.

في هذا السياق، ذكرت مصادر حكومية مطلعة أن "القانون الجديد المتداول في البرلمان حالياً تم وضعه بتعليمات مباشرة من السيسي، على خلفية لقائه الأخير بولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للجيش الإماراتي محمد بن زايد، في أغسطس/آب الماضي، فضلاً عن لقاءات متكررة بين وفود حكومية مصرية وأخرى إماراتية وسعودية وكويتية، طالبت بإنهاء المشاكل القائمة بين المستثمرين من تلك الدول والحكومة حول تسوية آثار الأحكام الصادرة ببطلان شرائهم لأراض أو مشاريع، وكذلك إلغاء القرارات السابق صدورها ضد بعضهم بسحب الأراضي أو المشاريع في عهدي المجلس الأعلى للقوات المسلحة والرئيس المعزول محمد مرسي بين 2011 و2013".

وتابعت أن "السيسي  ركز في محادثاته مع قيادات الإمارات العام الحالي على بحث التسهيلات التي ستمنحها مصر للشركات الإماراتية، ليس فقط في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ومنطقة غرب الساحل الشمالي، التي تمتع الشركات فيهما بالمميزات ذاتها الممنوحة للشركات الإماراتية في منطقة هضبة الجلالة شرق القاهرة، بل أيضاً بجذب مزيد من رؤوس الأموال الإماراتية لشراء أسهم الكيانات الحكومية".

وأضافت المصادر أن "القانون الجديد يتكامل مع الفكرة الرئيسية التي تضمنها قانون التعاقدات الحكومية الجديد، وهي إلغاء الحدود القصوى لقيمة البيوع والمشتريات، والتي تعود في الأساس لدولة الإمارات، مع تهديد المستثمرين الإماراتيين المنخرطين في استثمارات مشتركة مع الحكومة المصرية بترك المشاريع، إذا لم تعمل الحكومة على اختصار الإجراءات المعمول بها، وذلك لأن إجراء المناقصات والمزايدات العلنية والسماح بدخول منافسين محليين وأجانب يثقل كاهل المستثمرين المقربين من الحكومة بدفع مبالغ تعويضات عرفية للمنافسين بغية الاستحواذ على الصفقات، بل ويكلفهم الصفقات بالكامل في بعض الحالات. الأمر الذي اقتضى تدخل السيسي لوضع تصور تشريعي جديد يسمح في العديد من الحالات بالتعاقد بالأمر المباشر، ودون اتباع الإجراءات القانونية المعقدة".



وفي المرحلة اللاحقة بعد صدور هذا القانون الشهر الماضي، بالتزامن مع الاستعداد لطرح حصص إضافية من 5 شركات حكومية مقيدة في البورصة خلال الربع الأخير من العام الحالي، اتجهت نية النظام لتسوية الآثار المترتبة على المشاكل السابقة مع المستثمرين، سواء كان سببها عدم التوافق بين المستثمر والحكومة، أو عدم وفائه بالتزاماته التعاقدية، أو صدور حكم ببطلان التعاقد من المحكمة الإدارية العليا. كما حدث في قضايا صفقات المراجل البخارية، وعمر أفندي، وطنطا للكتان، وشبين الكوم للغزل والنسيج" وغيرها من القضايا المرتبطة بكيانات اقتصادية سبقت خصخصتها.

ويستند النظام في المشروع الجديد إلى فتوى صدرت من مجلس الدولة العام الماضي باستحالة تنفيذ حكم بطلان خصخصة شركة طنطا للكتان وبيعها للمستثمر السعودي عبد الإله كعكي، وذلك بعدما ثبت عدم إمكانية استرجاع الأصول والأراضي التي تصرف فيها المستثمر السعودي بالبيع وتغير النشاط. ما اضطر حكومة رئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل للدخول في مفاوضات معه لمنعه من إقامة دعوى تحكيم ضد مصر.

وسيترتب على المشروع الجديد تفريغ أي أحكام سابقة أو مستقبلية تصدر ببطلان بيع أصول الدولة للمستثمرين من مضمونها، وضمان عدم تنفيذها، حتى إذا كانت تشير إلى فساد مالي أو إداري، وإحالة الأحكام بعد صدورها إلى إحدى اللجنتين الوزاريتين لفض المنازعات أو تسوية منازعات العقود، لتباشر إجراءاتها ودياً، ما يمثل رسالة إيجابية لسوق الاستثمار الخليجي الذي كان مستثمروه أكثر من تضرر من قضايا الخصخصة، وترتب على ذلك رفع 16 قضية ضد مصر في آخر 7 سنوات، موزعة بين المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار "إكسيد" ومراكز تحكيم إقليمية ودولية أخرى.



وكشفت مصادر حكومية أن "هناك سبباً آخر للدفع بهذا المشروع حالياً، هو أن شركة منا القابضة الكويتية وباقي شركائها الكويتيين في الشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الأراضي أقامت في شهر سبتمبر/أيلول الماضي دعوى ضد مصر أمام إكسيد، لإلغاء قرار سحب 26 ألف فدان بمنطقة العياط بالجيزة جنوب القاهرة، والصادر عام 2011 من الهيئة العامة للتعمير والتنمية الزراعية التي بادرت لفسخ العقد مع الشركة بعد إقامة دعاوى لبطلان العقد أمام القضاء من مواطنين متضررين، وثبوت أن الشركة لم تستغل الأرض في الأغراض الأصلية للصفقة وهي الزراعة والإنتاج الحيواني والسمكي، وبيعها 10 آلاف متر بحوالي مليار جنيه (56 مليون دولار) لأغراض سكنية".

واتخذت الشركة الكويتية هذه الخطوة بعد صدور حكم محكمة الجنايات ببراءة وزير الري الأسبق محمد نصر علام من تهمة "تحويل نشاط استغلال الأرض المملوكة للشركة من الزراعي إلى العمراني". ما أحيا آمال الشركة مرة أخرى في تحقيق استفادة مالية من مقاضاة مصر، بحجة أنه كان من حقها تغيير نشاط استغلال هذه المساحة الشاسعة من الأرض، وأنها عرضت سابقاً دفع 10 مليارات جنيه (560 مليون دولار) للتسوية ورفضت مصر ذلك".

وبناء على هذه التطورات وجدت مصر نفسها طرفاً أضعف في المعادلة ومطالبة بدفع أموال كتعويضات، بعدما ظلت الشركة تحاول الدفع للتسوية طوال السنوات السبع الماضية. وفسرت المصادر ذلك بأنها "محاولة قانونية من الشركة للضغط على مصر والرضا بالعودة مرة أخرى لمسار المفاوضات، على مائدة اللجنة الوزارية الجديدة لفض منازعات الاستثمار، وإنهاء الأزمة ودياً".

يذكر أن الضغوط الخليجية، والإماراتية تحديداً، كانت وراء إدخال تعديلات تشريعية عدة في مجال الاستثمار، كان أولها في سبتمبر 2013 عندما أصدر الرئيس السابق عدلي منصور، في غياب البرلمان، تعديلاً على القانون يحرر الهيئات الحكومية التي لها قوانين خاصة من التقيّد بإجراءات المزايدات والمناقصات في عمليات البيع والشراء، ويرفع الحد الأقصى للتعاقد بالأمر المباشر لشراء المنقولات وتلقّي الخدمات لصالح الوزارات والهيئات الحكومية. وبناءً عليه أصبح القانون يسري فقط على وحدات الجهاز الإداري للدولة، من وزارات ومصالح وأجهزة لها موازنات خاصة، ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وهي التي لا تملك الأراضي الزراعية أو الصحراوية.

كما تم الاعتبار بآراء مجتمعات الأعمال في الإمارات والكويت والسعودية، قبل إصدار قانون الاستثمار الصادر العام الماضي، وقانون التعاقدات الحكومية الأخير الذي يفتح الباب أمام جميع الجهات الحكومية للتعاقد بالأمر المباشر في 7 حالات معظمها غير محدد، بل يعود تقديره للسلطة التقديرية للحكومة أو الجهاز الذي سينفذ التعاقد. ويجيز لمجلس الوزراء، كجهة منفصلة عن باقي الوزراء، وللمرة الأولى، التعاقد بالاتفاق المباشر مع أي مستثمر منفرد أو شركة، مصرية أو أجنبية، إذا تقدم بخطة لمشروع استثماري متكامل جاهز التمويل. أما التعاقدات الخاصة بين الأجهزة العسكرية والاستخباراتية فيقرر القانون الجديد إبقاءها بالأمر المباشر دون اتباع أي ممارسة أو مناقصة أو مزايدة، حتى وإن كانت محدودة، وهذا الأمر يسمح باستمرار سرية تعاقدات الجهات السيادية التي تستعين بشركات الجيش وشركات الإنتاج الحربي حصرياً لتنفيذ مشروعاتها، بمعزل تام عن الرقابة.