زمن الحزبية الكاسرة والقبلية في أميركا: قضية كافانو نموذجاً

04 أكتوبر 2018
غالبية النساء يرفضن تعيين كافانو (مارك رالستون/فرانس برس)
+ الخط -


ما يجري هذه الأيام في الولايات المتحدة على المستوى السياسي الداخلي، يستدعي في بعض جوانبه ما يحصل في بلد من العالم الثالث: صراع طاحن على المناصب ومفاتيح القرار بنية الاستئثار، وسط جو عدائي غالباً ما يصار فيه إلى تسخير السلطة وقولبة الأصول والشروط المرعية لتحقيق الوصول ولو الملتوي إلى الغرض. فالحوار بين مختلف الأطراف في واشنطن ضاقت فسحته، وكذلك الاحتكام إلى القواعد والأعراف المعمول بها. التنافر سيد الساحة، في ظل حزبية عمياء تغذيها "قبلية" متنامية، يعتبرها أنصارها من أمثال السياسي المخضرم باتريك بيوكانن، أنها "سمة العصر وهويته السياسية الصاعدة". حالة تجسّدت في الصراع الدائر حول تعيين القاضي بريت كافانو الذي رشحه الرئيس دونالد ترامب لملء مقعد شاغر في المحكمة العليا والذي اتهمته سيدة بأنه حاول اغتصابها قبل 36 سنة. فمنذ الأسبوع الماضي وأميركا مسمّرة على الشاشة لمتابعة فصول هذه الدراما على مسرح اللجنة العدلية لمجلس الشيوخ، والتي استمعت إلى الضحية والمتهم للبت في الأمر. فلو ثبت أن الحادثة حصلت، يسقط الترشيح ويجري سحبه رغم التقادم في الزمن.

لكن القرار يبدو أنه متخذ سلفاً. الجمهوريون عازمون مع البيت الأبيض على التعيين، رغم أن صدقية الضحية كانت قوية جداً وباعتراف خصومها، مقارنة بصدقية كانافو التي بدت مهتزة ومعطوبة في أكثر من جانب. وبدلاً من أن يُصار في هذه الحالة إلى إعادة فتح التحقيق ومنح "أف بي آي" الوقت الكافي والصلاحيات الواسعة لتقصي كافة الوقائع المتعلقة بالتهمة، جرى فتحه في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي لمدة أسبوع واحد مع حصر التحقيق بمساحة ضيقة كي لا يخرج بنتائج تعيق الموافقة. فالوقت لا يسمح والبيت الأبيض مصرّ مع الجمهوريين على الحسم قبل شهر من انتخابات الكونغرس المقررة في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

الآن يتوقف حسم الأمر على 3 سيناتورات من الجمهوريين غير مقتنعين بالقاضي لكنهم يتعرضون لضغوط هائلة من قيادات الحزب. إذا صمدوا سقط التعيين. بدوره دخل ترامب على الخط عبر خطاب في مهرجان انتخابي. هاجم بقوة رواية الضحية، كريستين فورد، موحياً بوجود سوء نية لديها لإلحاق الأذى بالقاضي. حوّل القضية إلى موضوع انتخابي، مع ممارسة غير مسبوقة ولا تحترم أصول العمل السياسي المتعارف عليها في أميركا. لكن الأصول تراجعت لصالح لعبة الربح والخسارة في السياسة. رفع هذا القاضي المحافظ جداً إلى المحكمة العليا، يرضي ويستنفر شرائح واسعة من الناخبين المحافظين ويدفعهم إلى التصويت في الانتخابات. فمن المهم جداً لترامب أن تبقى الأغلبية في مجلس النواب بيد الجمهوريين. فمجيء الديمقراطيين يحمل معه شبح "العزل" المنوط أمره بهذا المجلس، في حال كان تقرير المحقق الخاص روبرت مولر حاسماً ضد الرئيس. ولا يخفي الديمقراطيون رغبتهم في مباشرة هذه العملية إذا فازوا. وقد يكون تمرير كافانو في مجلس الشيوخ عبئاً انتخابياً على الجمهوريين، ذلك أن أكثر من 70 في المائة من الأصوات النسائية ضده، وكذلك 48 في المائة من الكتلة الانتخابية العامة. لكن مع ذلك لا تبدو الإدارة ولا الجمهوريون في وارد التراجع. اللعبة السياسية الأميركية صارت مبارزة. وهذه معروفة في التاريخ الأميركي وإن بصورة مختلفة. في بداية تكوين الاتحاد الأميركي، كان وزير المالية ألكسندر هاملتون على عداء مع نائب الرئيس آرون بور. وبعدما احتدم الصراع وانسد باب الصلح بينهما، حسما خلافهما بمنازلة أدت إلى مقتل هاملتون. مبارزة اليوم من دون سلاح، لكن الخصومة تلامس العداء.



المساهمون