أفغانستان: "نصف انتخابات" بمن حضر على وقع القتل

20 أكتوبر 2018
خشية من وقوع أعمال عنف كبيرة يوم الاقتراع(فرانس برس)
+ الخط -
يسيطر على أفغانستان حالياً ملفَّا المصالحة والانتخابات التشريعية التي تُجرى اليوم السبت، متأخرة سنتين منذ تأجيل اقتراع 2016، بمساعدة دولية وتحت رقابة مراقبين دوليين ومحليين وسط اتهامات من المعارضين بتدخل الحكومة فيها. ولا شكّ أنّ بين المصالحة والانتخابات ارتباطاً وثيقاً، فنجاح الاقتراع ولو بشكل نسبي، سيمهّد الطريق للمشروع الحكومي الثاني وهو المصالحة مع "طالبان"، كما سيشكّل نجاح الحكومة في تنظيم الانتخابات، صفعة للمعارضين الذين سعوا إلى تأجيلها. هذا ما تشير إليه تصريحات أمر الله صالح، أحد أبرز المعارضين للرئيس الأفغاني أشرف غني، وأحد الأعضاء المهمين في "تحالف نجاة أفغانستان" الذي يدعو لتشكيل حكومة مؤقتة وتأجيل عملية الانتخابات، لأن "حركة طالبان إذا عادت إلى كابول وتصالحت مع الحكومة، فإننا سنذهب مرة أخرى إلى الجبال" (إلى القتال)، بحسب صالح، الذي دعا "رجال المقاومة"، ويعني بهم التنظيمات الجهادية التي قاومت "طالبان" قبل مجيء القوات الأميركية، لأن يكونوا "على أهبة كاملة للوقوف في وجه طالبان مرة أخرى".

وذكرت مصادر مقرّبة من الرئاسة أنه أثناء المجالس الاستشارية التي عقدها غني مع القادة السياسيين والجهاديين، قال بعض قادة "تحالف نجاة أفغانستان" إنهم يريدون المصالحة، ولكنهم لا يرضون بوجود "طالبان" في كابول.

حذر وترقب

بالنظر إلى الأعمال الدموية التي وقعت خلال الأيام الماضية، والتي استهدفت الحملات الانتخابية، ثمّة خشية من وقوع أعمال عنف كبيرة خلال الاقتراع اليوم، لا سيما وأنّ الجماعات المسلحة توعّدت باستهداف مراكز الاقتراع والمرشحين. كما أنّ التجاذبات السياسية والقومية ستلعب دوراً كبيراً في عرقلة العملية.

وفي ما يخصّ موقف "طالبان"، فقد أصدرت الحركة ثلاثة بيانات في هذا الإطار: بيانٌ موجهٌ إلى علماء الدين، وآخر إلى أساتذة الجامعات والمدارس، بينما البيان الثالث يخصّ عناصر وقيادات الحركة نفسها. وطلب البيان الأوّل من علماء الدين عدم التعاون في عملية الانتخابات التي تصفها بـ"مسلسل جديد لخداع الشعب الأفغاني"، مدعيةً أنّ الأميركيين يسعون من خلال الانتخابات إلى إيصال من تصفهم بعملائها إلى البرلمان، موضحةً أنه "من هنا، يجب على الأفغان جميعاً وعلى علماء الدين ورموز القبائل خاصة الوقوف في وجه محاولة الخداع". كما دعت الحركة علماء الدين إلى استخدام المنبر "لتثقيف أبناء الشعب وتحذيرهم من الإدلاء بأصواتهم" على حدّ تعبير بيان الحركة المصنفة إرهابية.

كذلك، طالب البيان الثاني أساتذة الجامعات والمدارس، عدم التعاون وعدم السماح للجنة الانتخابات باتخاذ المدارس والجامعات كمراكز للاقتراع. أما البيان الثالث فأمر جميع عناصر الحركة وقياداتها الميدانية بعرقلة العملية الانتخابية بأي وسيلة ممكنة، واستهداف كل من يتعاون مع الحكومة ولجنة الانتخابات. من هنا، يبدو أنه من المؤكّد أنّ طالبان سوف تستهدف عملية الاقتراع، كما فعلت خلال فترة الحملات الانتخابية.

وفي سياق متصل، فإنّ موقف تنظيم "داعش" معروف لناحية استهداف كل ما هو حكومي وكل من يساند الحكومة والانتخابات، وهو استهدف أصلاً مراكز انتخابية عدة خلال الحملات الانتخابية.

ومعروف أنّ هناك مناطق غير آمنة لا يمكن لمراكز الاقتراع أن تفتح أبوابها فيها. وبحسب بعض التقديرات، فإنّ نحو 40 مديرية في مناطق مختلفة من البلاد تحت سيطرة "طالبان" والجماعات المسلحة بشكل عام، وبالتالي لا يمكن أن تُجرى فيها عمليات الاقتراع بأي شكل من الأشكال. إضافة إلى ذلك، أعلنت لجنة الانتخابات أنها أغلقت نحو 900 مركز انتخابي في مناطق مختلفة بسبب التهديدات الأمنية، ما يعني أنّ مناطق شاسعة من البلاد محرومة من عملية الانتخابات بسبب الوضع الأمني.

 

تأجيل الانتخابات في قندهار

أدى الهجوم الدموي الأخير على يد أحد حراس حاكم إقليم قندهار والذي قضى تقريباً على كل الإدارة السياسية والأمنية في الإقليم المركزي في الجنوب، إلى تأجيل عملية الانتخابات لمدة أسبوع، وهذا القرار يطرح تساؤلات كبيرة حول مدى إمكانية إجراء عملية الاقتراع في الأقاليم الجنوبية، وحول مدى مشاركة الشعب فيها. وهذه الأقاليم هي: هلمند وزابل وأوروزجان ونيمروز، وهي تابعة لقندهار وتتأثّر بما يجري فيها، كما أنها معروفة بـ"القندهار الكبير". وفي هذا الإطار، يقول عضو البرلمان من إقليم قندهار، والمرشح للانتخابات المقبلة، عبد الرحيم أيوبي، إنّ "الحالة مأساوية بكل ما للكلمة من معنى، ولا أعتقد أنّ هناك إمكانية لإجراء انتخابات نزيهة في قندهار حتى بعد أسبوع".

القوميات بدل الأحزاب

على الرغم من مشاركة الأحزاب السياسية والجهادية في الانتخابات التشريعية واستعدادها لها، إلا أنّ العامل القومي والعرقي سيلعب دوراً كبيراً في الانتخابات، لا سيما وأنّ الخلافات القومية والعرقية أدّت إلى تأجيل الاقتراع في إقليم غزنة، جنوبي غربي العاصمة كابول، بعد أن قرّرت لجنة الانتخابات تقسيم الإقليم إلى نواحٍ مختلفة بعدما كان كله مركزاً واحداً ويصبّ في صالح قومية الهزارية (الشيعة). غير أنّ الحكومة قرّرت بالتنسيق مع لجنة الانتخابات تقسم الإقليم إلى عدة مراكز. وهنا يتهم الهزارية الحكومة بأنها فعلت ذلك لصالح العرقية البشتونية الغالبة. وتؤكّد الإحصائيات واستطلاعات الرأي أنّ العامل القومي والعرقي سيلعب دوراً كبيراً في نتائج الانتخابات.

في المقابل، قرّر عدد من الأحزاب الرئيسية المشاركة في انتخابات، ومن أبرزها "الجمعية الإسلامية" بزعامة وزير الخارجية صلاح الدين رباني، و"الحزب الإسلامي" بفرعيه، فرع قلب الدين حكمتيار، وفرع أحد المنشقين من الحزب عبد الهادي أرغنديوال، وكذلك حزب الجنرال عبد الرشيد دوستم المسمى بحزب "جنبش ملي"، وهو في الغالب سيحصل على أصوات العرقية الأوزبكية، وحزب "الوحدة" بفرعيه، فرع حاجي محمد محقق، وفرع محمد كريم خليلي، وهو أيضاً يشغل منصب رئيس المجلس الأعلى للمصالحة. ومعظم تلك الأحزاب تستخدم شعارات غير حزبية، وتعتمد شعارات قومية ومذهبية ومناطقية، للحصول على أصوات الناخبين.

وعود بالنزاهة

كرّرت لجنة الانتخابات الوطنية وعدها بإجراء الانتخابات بكل نزاهة وشفافية ووفق معايير جديدة، وطبقاً لقانون الانتخابات الأفغاني. كما وعدت بمعاقبة كل من يسعى لإحداث خروقات وتزوير، مشيرةً إلى حذف أسماء 35 مرشحاً لأنهم إمّا متهمون بالفساد والقتل أو لهم قضايا في المحاكم.

 

نزاعات بشأن عدد الناخبين

وبينما تقول لجنة الانتخابات إنّ عدد الناخبين المسجلين لديها يصل إلى تسعة ملايين ناخب من أصل 12 مليوناً، يعتبر المعارضون للحكومة أنّ هناك تزويراً في عملية تسجيل الناخبين وأن آلية اللجنة بهذا الخصوص لم تكن دقيقة، وبالتالي هناك ناخبون سجلوا أسماءهم في أكثر من مركز. لكن لجنة الانتخابات تدعي أنّه وفق النظام الإلكتروني الجديد تقلّ فرص هكذا سيناريو.

وفي ما يتعلّق بالمرشحين، فإنّ عددهم يصل إلى 2560 مرشحاً بينهم 418 امرأة، يتنافسون على 228 مقعداً فعلياً للبرلمان المؤلف أصلاً من 249 مقعداً، مع حسم 10 مقاعد لغزنة التي تأجّلت فيها الانتخابات، و11 مقعداً لقندهار التي تأجل التصويت فيها أيضاً.

يشار إلى أنّ من بين تلك المقاعد عشرة لقومية الكوتشي، أي البدو الرحل، كما أن هناك مقعداً خاصاً للأقليات، السيخ والهندوس، علماً أنّ 21 ألف مركز اقتراع من المقرّر أن تستقبل الناخبين، بحماية 54 ألف رجل أمن.

وبينما يتهم المعارضون الحكومة بأنها تعمل على أن تأتي النتائج لصالحها، تشير التوقعات واستطلاعات الرأي إلى أنّ الجزء الكبير من البرلمان سيشكله الموالون للرئيس الأفغاني أشرف غني، كما سيكون للحزب الإسلامي فرع قلب الدين حكمتيار، نصيب كبير.